جلا عارف
جلا عارف


في الصميم

إنها الحرب على ذاكرة الوطن

جلال عارف

الجمعة، 17 ديسمبر 2021 - 06:19 م

تظل «حرب السويس» التى نحتفل بعد أيام «فى ٢٣ ديسمبر» بمرور خمسة وستين عاماً على انتصارنا العظيم فيها، أحد الأحداث الفارقة فى تاريخنا الحديث، وفى تاريخ المنطقة والعالم. وتظل على الدوام تأكيداً على أننا أمة لا نبغى ولا نعتدي، لكننا نعرف جيداً كيف نصون الأرض ونستعيد الحق ونهزم العدوان مهما كانت قوته.

كانت مصر والعالم فى هذا العام على موعد مع تاريخ جديد. بعد ٧٤ عاما خرج آخر جندى من جنود الاحتلال البريطانى فى يونيو من هذا العام. وبعد أسابيع كانت مصر تستخدم حقها المشروع وتنهى سنوات طويلة من النهب والاستغلال مع القرار التاريخى باستعادة قناة السويس لأحضان الوطن. ولم يكن ممكناً بالطبع أن يصدر عبدالناصر قرار التأميم قبل ذلك مع وجود ثمانين ألف جندى من جنود الاحتلال على طول قناة السويس. ولم يكن ممكناً أيضاً أن تظل قناة السويس على حالها «دولة داخل الدولة» بعد أن تحررت إرادة مصر وتخلصت من قيد الاحتلال.

كانت مصر تمارس حقها المشروع، وكان العدوان الثلاثى هو الرد الذى جاء نتيجته تآمر بريطانيا وفرنسا مع الكيان الصهيوني. ليس فقط لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ولكن أيضاً الحكم الوطنى الذى جاء مع ثورة يوليو، وبدأ فى بناء قوة مصر الذاتية لتصبح، فى سنوات قليلة، الأمل والسند لحركات التحرر والاستقلال فى العالم العربى والعالم الثالث كله.

كان المتآمرون يتصورون أنهم قادمون فى نزهة، فإذا بهم يواجهون فى «بورسعيد»، ما لم يكن فى الحسبان، وإذا بالمدينة الصغيرة تصمد أمام أساطيل وطائرات وجيوش آخر امبراطوريتين فى زمن الاستعمار القديم. وكان المتآمرون يتوهمون أن الطابور الخامس من الإخوان وبقايا النظام القديم سينجح فى مساعدتهم من الداخل، فإذ بالشعب يسحق كل هذه الأوهام، ومصر كلها تقف مع صيحة عبدالناصر من الأزهر الشريف: سنقاتل ولن نسلّم.
لم يكن الانتصار العظيم انتصارا لمدينة أصبحت «ستالينجراد العرب»، وأنشودة أحرار العالم فقط، ولم يكن أيضاً انتصاراً لمصر التى أكدت حقها المشروع فى استعادة قناتها بلا سيطرة أجنبية ولا جيوش احتلال فحسب. وإنما كان نصر ٢٣ ديسمبر عيدا لكل شعوب العالم الطامحة للحرية والاستقلال واستعادة ثرواتها المنهوبة وإرادتها المقهورة.

اليوم.. وبعد ٦٥ عاماً، نعرف كم تغير العالم بعد حرب السويس وبعد ملحمة بورسعيد، وانتصار مصر. ونعرف أيضا أن علينا أن ندرك أن معركتنا مستمرة، وأن جزءا أساسياً منها يعتمد «الذاكرة الوطنية»، التى ينبغى أن تظل سنداً لأجيالنا الجديدة فى مواجهة الحاضر والمستقبل.
أعداؤنا يشككون فى كل انتصار وطنى من  حرب السويس حتى عبور أكتوبر، من يتحدثون عن عودة تمثال ديليسبس يعرفون أكثر منا أنه نصاب ومحتال ومجرم مسئول عن ١٢٠ ألف شهيد سقط فى حفر القناة، لكنهم يستهدفون «الذاكرة الوطنية»، ليقولوا إننا كنا على خطأ من البداية وحتى الآن. أخطأنا حين نسفنا ديليسبس، وحين أممنا القناة، وحين صمدنا للعدوان الغادر، ثم حين انتصرنا عليه!!

بعد أيام تحل الذكرى الخامسة والستون لانتصارنا العظيم فى حرب ٥٦ الفاصلة فى تاريخنا وتاريخ العالم. تحية لأرواح الشهداء ولصمود «بورسعيد»، التى لا تستحق أن يهين «البعض» كل ما قدمته من تضحيات بالحديث المستفز والمحتقر عن عودة ديليسبس!
كل عام ومصر تحتفل بالنصر، وذاكرة الوطن قادرة على هزيمة المتآمرين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة