انفجار سكـانــــــي = زيادة الجريمة
انفجار سكـانــــــي = زيادة الجريمة


معادلة العنف.. انفجار سكـانــــــي = زيادة الجريمة

في الفيوم.. قتل أولاده الستة وزوجته بسبب الديون

أخبار الحوادث

الأحد، 19 ديسمبر 2021 - 11:11 ص

 

محمد طلعت

 الانفجار السكاني هى الأزمة الحقيقية التي تعيشها مصر، فمع كل زيادة غير محسوبة في عدد السكان يزداد العنف وينتشر الجهل ويتفشى الفقر وبالتالي تكثر الجريمة، وتتأثر جهود التنمية التي تبذلها الدولة لصالح المواطن، لندق ناقوس الخطر قبل أن نصل لهذه المرحلة إذا لم ننتبه لذلك، وفي السطور التالية نحاول أن نضع أيدينا على مكامن الخطر، فالزيادة السكانية تعد من أخطر القضايا الاجتماعية التي تواجه الدولة.

فمصر التي سيتجاوز عدد سكانها الـ 103 مليون نسمة في نهاية هذا العام، يولد فيها طفل كل 13 ثانية تزداد معها عدد الجرائم الاجتماعية مع كل مولود، فمن منا لم يتابع الجرائم الأسرية البشعة التي انتشرت في مجتمعنا بصورة غير مسبوقة، فالاب الذي يقتل أبناءه الأربعة أو الخمسة أو الستة أو حتى السبعة لانه يخاف عليهم وعلى مستقبلهم في ظل الزيادة السكانية التي تأكل كل تنمية سواء شاملة من الدولة أو فردية.

هؤلاء الاشخاص فقدوا الأمل في غد أفضل، لأنهم لم يخططوا لحياتهم، وتجاهلوا كل المؤشرات التي تقول إن زيادة عدد أطفال بهذه الصورة سيزيد من فقرهم وسيؤدي في النهاية إلى عدم قدرة رب الأسرة على الإنفاق على أولاده بصورة توفر لهم ولو جزء بسيط من الحياة، وتتحول حياتهم لجحيم من الفقر والعوز فتنتشر الجرائم من سرقة وقتل ومخدرات نتيجة لذلك.

فوفقا لإحصائيات رسمية عديدة احتلت القاهرة والجيزة والقليوبية والدقهلية المراكز الأولى لانتشار الجريمة في مصر في نفس الوقت الذي تحتل فيه هذه المحافظات نفس الصدارة في ارتفاع عدد السكان وانتشار المناطق العشوائية بها، أي أنه كلما ارتفع عدد السكان وأصبح المكان مكتظا أكثر كلما زادت فيه الجريمة بصورة كبيرة؛ فالقاهرة الكبرى على سبيل المثال كل كيلو متر مربع بها ما يزيد عن ٥٠ ألف شخص وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهى النسبة التي تزيد عن أي بلد أوروبي متقدم بستة أو سبعة أضعاف، فعدد سكان القاهرة الكبرى يزيد قليلا عن ٢٥ مليون شخص ما يقترب من ربع عدد سكان مصر، هذا العدد تزايد بهذه الطريقة طوال السنوات الماضية بدافع الهجرة من الريف إلى الحضر مسببًا حالة العشوائية الخطرة التي حاربتها الدولة طوال السبع سنوات الماضية من خلال إنشاء اماكن عمرانية لائقة نقلت فيها سكان المناطق العشوائية والتي كانت ايضًا وفقًا لإحصائيات أمنية رسمية هى الاماكن الاكثر خطورة وانتشارًا للجريمة، وهو جهد كبير فعلته الدولة لكن مع الزيادة السكانية المرعبة بدون ردع أو تفهم من المواطنين قد تفشل كل الجهود وتجعل محاربة الفقر أمر في منتهى الصعوبة. 

فخلال ثلاثة عقود زاد عدد سكان مصر الضعف تقريبا ففي عام 1990 كان عدد سكان مصر لايتجاوز الـ 56 مليون شخص، واليوم ونحن في الأيام الأخيرة من عام 2021 اصبحنا 103 مليون نسمة أي أننا زدنا 47 مليون شخص خلال هذه المدة البسيطة من عمر الأمم، أي أن الجريمة تضاعفت أضعاف مضاعفة في نفس المدة الزمنية، فالارتفاع العشوائي في السكان يصاحبه تضاعف عشوائي ضخم في الجريمة وبشاعتها مع التقدم التكنولوجي ومشاهد العنف التي تمتلئ بها شاشات التليفزيون من دراما تليفزيونية وسينما.

جرائم

وخلال الأسبوع الماضي استمعنا إلى القاضي وهو يحكم على المتهم بقتل أبنائه الستة وزوجته بتحويله إلى فضيلة المفتي ليقول رأيه في إعدامه وهو إجراء معتاد قبل النطق بالحكم بإعدامه شنقا، تلك الجريمة الشنيعة التي وقعت في محافظة الفيوم وراح ضحيتها اطفال أبرياء بسبب اب تراكمت عليه الديون ورغبته في الحصول على أموال أكثر وكان ينجب دون ترتيب أو خطة حياة لذلك عندما أصبح ابا لستة اطفال زاد الدين عليه لذلك قرر أن يقتلهم حتى لا يعايرهم أحد بدين والدهم فهو يعرف أن آخرة الديون هي السجن لذلك أحضر السكين و ذبحهم بدم بارد في شقتهم لكنه لم يستطع أن يقتل نفسه، حيث خاف من ذلك وجبن أن يفعل بنفسه كما فعل بأطفاله وزوجته لذلك تم القبض عليه والحكم بإعدامه.

ومازلنا في الفيوم وهي بالمناسبة من أكثر المحافظات في نسبة المواليد خلال الفترة الأخيرة  مع القاهرة الكبرى؛ شهدت جريمة قتل أخرى لشاب عائد من الخليج لم يفعل شيئا لمستقبله ومستقبل أبنائه رغم غربته لفترة طويلة، فحلم السفر لم يعد يجدي في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهه فتداين بأموال كثيرة ولكي يهرب من دائنيه قتل زوجته وأطفاله الأربعة بساطور أيضا وهم نيام في مجزرة عائلية صادمة.

ولم تكن هذه هى الجريمة الوحيدة التي ارتكبت بدم بارد بهذه الطريقة؛ ففي كفر الشيخ كان القاتل هذه المرة طبيبا وليس جزارا كما حدث في الفيوم، فالأب القاتل الذي كان طوال حياته يعالج الناس وينقذ حياتهم قرر أن يزهق أرواح أطفاله الثلاثة وزوجته فأحضر أدوات جريمته وبعد أن خدر زوجته ذبحها بطريقة حيوانية ثم لم يكتف بذلك فاستمر بارتكاب جريمته وقتل أطفاله الثلاثة ذبحًا وخنقًا حتى فارقوا الحياة وحاول أن يبعد الشبهة عن نفسه بكل طريقة لكن فريق البحث توصل إلى أنه القاتل وبمواجهته اعترف بجريمته وأمام المحكمة استمع المتهم لحكم القاضي عليه بالإعدام شنقا ثم بعد ذلك جاء تأييد محكمة النقض للحكم بالإعدام ليكون الجزاء العادل للمتهم.

أما في سوهاج فكان الوضع ابشع بعد اكتشاف الجريمة البشعة التي ارتكبها ذلك الشاب الذي نشأ في أسرة كبيرة العدد فأدمن المخدرات وأصبحت حياته صعبة خاصة وهو يحتاج إلى المال لشراء السموم التي يتعاطها في ظل أزمات الأب المادية، فغضب من نصائح والده ووالدته فقتلهما ذبحا بدم بارد داخل منزلهم ولم يكتف بذلك بل قتل طفلتي شقيقته خنقا بيديه ثم ذبحهما بساطور وعندما حاولت شقيقته إنقاذ أطفالها طعنها حتى ماتت هى الأخرى ثم جلس المتهم يدخن سيجارة في انتظار القبض عليه بعد أن ارتكب جريمته بصورة حيوانية.

جريمة عائلية أخرى لم يكن يتوقعها أو يصدقها أحد لكنها حدثت بسبب مخاطر الزيادة السكانية؛ فالأم التي هى رمز الحنان تجاهلت فطرتها السليمة وارتكبت بالاتفاق مع عشيقها جريمة تقشعر لها الأبدان بعد أن دست السم لأطفالها الثلاثة وزوجها لكي تتخلص منهم ليخلو لها الجو مع عشيقها، لكن الزوج نجا من القتل وتم نقله إلى المستشفى العام بقنا فيما لم ينج اي من الأطفال الثلاثة وتم إلقاء القبض على القاتلة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين عاما لكن نشأتها في بيئة فاسدة جعلها ترتكب جريمتها البشعة بعيدا عن الفطرة السليمة.

أما في المرج فكانت الجريمة البشعة التي ارتكبها اب بعد أن أجبر زوجته أم اولاده على قتل أطفالهم الثلاثة بعد تعذيبها وحشيا من قبل زوجته الأولى التي حرضته على ذلك بعد أن أدخلت في رأسه أن الاولاد ليسوا من صلبه، جريمة اشترك فيها الجهل والفقر بصورة كبيرة، فالزوجة التي تم تعذيبها وإجبارها على قتل أطفالها بيدها لم تفعل شيئا لكي تدافع به عن لحمها والزوج الذي خلا من اي ذرة رحمة ارتكب جريمته وهو يضحك وحتى عندما تم القبض عليه كانت ضحكته الباردة هى ما فاجأت الجميع وكأنه لم يفعل شيئا رغم بشاعة الجريمة ليتم اكتشاف أنه ارتكب جرائمه تحت تأثير المخدرات التي أخذت كل دخله.

قضية أخرى شغلت الرأي العام كانت في مدينة الشروق التي قتل فيها الزوج زوجته وأولاده الأربعة ثم هرب من مكان الحادث، وبسبب رائحة الجثث التي التي ملأت ارجاء العمارة تم كشف الجريمة وبالبحث تم إلقاء القبض على الزوج الذي اعترف بجريمته بأنه عجز عن الانفاق عليهم بسبب كثرة طلباتهم ومصاريف مدارسهم.

تأثيره امنيًا

الدكتور أحمد عبد الحميد الباحث الاقتصادي يقول في هذا الشأن،؛ إن جهود الدولة في مواجهة الفقر وزيادة فرص العمل وتقليل نسبة البطالة تواجهها معضلة قوية وهي الزيادة السكانية الهائلة والمرعبة التي تؤثر بصورة كبيرة وتجعل كل الجهود المبذولة لتحقيق ذلك تذهب هباءً، فمع كل زيادة سكانية عشوائية وغير مخططة تجعل هناك شخص يفقد وظيفته وتزيد البطالة أكثر واكثر، فيكفي أن تعلم أن الدولة في العام المالي 2021- 2022 تدعم السلع التموينية فقط بنحو 87 مليار جنيه يستفيد منها أكثر من 70 مليون مواطن مصري فيما تخصص مايزيد عن 19 مليار جنيه لبرنامج تكافل وكرامة ليستفيد منه 3.5 مليون أسرة، كل هذه الأموال سنحتاج لأضعافها في السنوات المقبلة إذا استمرت الزيادة السكانية بهذه الصورة. 

ويضيف الباحث الاقتصادي؛ إذا استمرت الزيادة السكانية بهذه الوتيرة لن تستطيع أن تفي بالمتطلبات الأساسية وبالتالي سيزداد الفقر ويستنزف الدعم الحكومي وكل ما تفعله الدولة للتنمية مع الزيادة السكانية المرعبة.

ويؤكد الباحث الاقتصادي؛ أنه كلما زاد عدد السكان وارتفعت معدلات الجريمة استلزم ذلك من الدولة زيادة الميزانية المخصصة للأمن والسلامة المجتمعية من محاكم وقضاء وشرطة وفي ميزانية 2021-2022 أصبحت ميزانية السلامة المجتمعية في حدود 36 مليار جنيه وهى نسبة كبيرة في الميزانية العامة للدولة ويتم وضعها كما قلنا بسبب زيادة السكان بصورة خطيرة.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن الرئيس السيسي صرح أكثر من مرة أن عدد أفراد الشعب الذي تجاوز الـ 100 مليون شخص يحتاج إلى ميزانية سنوية تصل لـ 16 تريليون جنيه، وإذا أردنا أن يتوفر حياة كريمة لكل هذا العدد من المواطنين المصريين وأننا لكي نشعر بما تقوم به الدولة يجب أن ينخفض النمو السكاني في مصر في حدود 400 ألف مولود في السنة وليس كما يحدث الآن فعدد المواليد لدينا في عام يعادل نصف عدد مواليد قارة أوروبا في عام أيضا وهذا الرقم مرعب جدا. 

اجتماعيًا

أما استاذة علم الاجتماع د.هبة مصطفى فتقول؛ إن ارتفاع الزيادة السكانية أحد أهم أسباب ارتفاع معدل الجريمة في الشارع وخاصة الجرائم الاجتماعية التي كثرت خلال الفترة الأخيرة؛ فبسبب زيادة عدد أفراد الأسرة الواحدة الموجودين في منزل واحد صغير في عصرنا الحاضر مع عدم اهتمام الأبوين بالتربية السليمة لانشغالهم بالحصول على الأموال اللازمة لكي يستطيعوا أن ينفقوا على هذا العدد الكبير من الأطفال فأقل أسرة الآن لديها 4 أو 5 أبناء وهذا العدد الكبير مع ارتفاع متطلبات الحياة يجعل الأسرة  في وضع اجتماعي صعب فأغلب هؤلاء لايكملون تعليمهم ويخرجوا للحياة وهم في حالة غضب وكره للمجتمع ويساهم ذلك في اتجاههم للجريمة. 

وتؤكد استاذة علم الاجتماع؛ إلى أن قلة الوازع الديني لدى هؤلاء نتيجة لعدم قدرة الاباء على التربية السليمة بسبب الأعداد الكبيرة تسير بالمجتمع إلى الهاوية وبالتالي ينشأ جيل جديد منحرف ناقم على الحياة يزداد عنده الرغبة في تدمير المجتمع لذلك تزيد حالة التطرف والجريمة في محيط من الجهل، فكلما زاد الجهل زاد التطرف وأصبحت الجريمة عادية في مثل هذا المجتمع ولذلك يجب أن تأخذ الدولة الآن إجراءات حازمة لمواجهة الزيادة السكانية حتى لانصل لذلك المجتمع الذي تصبح فيه الجريمة مثل الماء والهواء عادية نحسها ونعيش داخلها وكأنها أمر عادي.

وتشير استاذة علم الاجتماع؛ إلى أنه خلال السنوات الماضية كانت هناك جريمة واحدة توقفت أمامها وهى قيام بعض الأشخاص بتعذيب قريب لهم وإلباسه ملابس نسائية وزفه في الشارع مع تصويره من قبل أهالي تلك القرية ثم تكرر بعد ذلك في أماكن أخرى، ذلك الحادث كان كاشفا لما يذهب إليه المجتمع الذي يفقد بوصلته، فما شاهدوه على شاشات التليفزيون خلال إحدى المسلسلات قلدوه بصورة دقيقة لذلك يجب على الدولة أن تنتبه لخطورة الأمر وتحاول أن تأخذ من هذه الجريمة العبرة في أهمية وسائل الإعلام والدراما في تكوين الشخصية لذلك يجب أن يتم توجيه الناس بصورة غير مباشرة في مسألة تنظيم النسل من خلال هذه المسلسلات فكما كانت سببا سلبيًا في زيادة الجريمة يمكن أن يتم استخدامها على الجانب الإيجابي في تعديل سلوك المواطنين للأفضل وتنظيم نسلهم بتوجيه رسالة غير مباشرة عن تنظيم الأسرة على المدى المتوسط وأهمية ذلك، لكن يجب الصبر على استخدام هذه الوسيلة لانه لم يكن بين يوم وليلة بل سيحتاج لوقت طويل وايضا يجب أن تتضمن الدروس التعليمية في المدارس كل تيرم دراسي على دروس في تنظيم النسل وهذا الأمر هو ما سيساعد في إخراج جيل جديد يفهم أهمية التنظيم في مسألة النسل وقتها ستنخفض الجريمة وسنكون حققنا الهدف في إيجاد حياة لائقة بكل مواطن مصري.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة