جانب من مذابح الصهاينة فى ١٩٤٨
جانب من مذابح الصهاينة فى ١٩٤٨


مكافأة قائد فى العصابات الصهيونية بعد إشرافه على 24 مجزرة فى قرى فلسطينية ولبنانية

اعترافات إسرائيلية بفظائع جرائم الحرب قبل وبعد «دير ياسين»| تقرير

محمد نعيم

الأحد، 19 ديسمبر 2021 - 07:29 م

ربما لا تكفى سنوات عمر قادة إسرائيل، إذا ناحوا يوميًا على أعتاب المجتمع الدولي، وطلبوا «العفو» عن جرائم العصابات الصهيونية؛ فإذا كان الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتسوج قد تفرَّد قبل أيام، وطلب «عفو» الفلسطينيين عن مجزرة «كفر قاسم» عام 1956؛ لغسل يديه وكيانه من دماء 49 ضحية؛ فماذا يفعل و«معسكر السلام» داخل وخارج إسرائيل، إذا طالعوا وثائق وشهادات عبرية، تفوق عند سردها فظائع بقر البطون؛ والتمثيل بجثث النساء، والشيوخ، والأطفال؛ وقطع الآذان؛ وتمزيق الأعضاء فى مجزرة «دير ياسين» عام 1948.

بن جوريون أجرى «مناورة هزلية» لإحباط عمل لجنة التحقيقات وأمر وزراءه بـ«دفن» القضية

وزير إسرائيلى أخرج اليهود من شريعة موسى.. ورئيس الكنيست: نحن «وثنيون» ولسنا بشرًا!

فى عملية حيرام احتلت العصابات الصهيونية عشرات القرى فى 30 ساعة

المواطنون الفلسطينيون يفرون من الجليل إلى لبنان

إذا كانت جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم؛ فأضحى من الواجب فتح ملفات، أيقظت مفرداتها - ولو لساعات - ضمائر وزراء بن جوريون؛ ففى حين اعترف بعضهم بالخروج من شريعة موسى، ومن دائرة الجنس البشري؛ أضجت الكوابيس مضاجع آخرين، وساورتهم الشكوك فى بقاء يهودى واحد على أرض فلسطين؛ بينما حدت الجرائم الصهيونية بأول رؤساء الكنيست يوسف شفرينتسكى إلى تأكيد ابتعاد اليهود عن أى معنى للإنسانية، وضاهى بينهم و«الوثنيين»؛ لكن بن جوريون، وبعد «مناورات هزلية»، فرض تعتيمًا على القضية، وتنصَّل فى نهاية المطاف من المسؤولية..

وفيما وُصف بالتحالف بين «هاآرتس»، ومعهد «تعقُّب» الإسرائيلي، المعنى بدراسات النزاع الفلسطينى - الإسرائيلي، ومساهمات أرشيف «ياد يعري» الإسرائيلي، أفرجت الرقابة الإسرائيلية عن نزر ضئيل من وثائق سريَّة، وبروتوكولات حكومة دافيد بن جوريون، ذات الصلة بفظائع جرائم الحرب التى ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين والعرب عام 1948.

واستهلت الصحيفة العبرية تقريرها المثير، بالإشارة إلى أن مذبحة «دير ياسين» لم تكن وحدها المدرجة فى قوائم جرائم الحرب الإسرائيلية؛ ففى نوفمبر 1948، تكوَّمت على طاولة حكومة بن جوريون شهادات ووثائق بالغة السريَّة، تؤكد المذابح التى ارتكبها جنود إسرائيل بحق الأطفال، والشيوخ، والنساء الفلسطينيين والعرب.

احتلال الجليل
الجريمتان الأفظع، حسب الصحيفة والوثائق، كانتا فى أكتوبر 1948. الأولى: «يوآب» فى الجنوب؛ والثانية: «حيرام» فى الشمال؛ فخلال أقل من 72 ساعة، احتلت العصابات الصهيونية منطقة الجليل، فضلًا عن إطلاق أذرعها أيضًا على قرى فى الجنوب اللبناني. وفى فترة زمنية لا تتجاوز 30 ساعة، احتلت عشرات القرى الفلسطينية فى الشمال، وطردت سكانها من المنازل.

قبل عملية «حيرام»، وتحديدًا فى يوليو 48، احتلت إسرائيل قرية «ريينا» الفلسطينية، المتاخمة لمدينة «صفد»؛ وهناك قتلت فى مطلع سبتمبر 14 فلسطينيًا، بينهم امرأة، وشخص يُدعى يوسف التركي. وأكد الشيخ طاهر الطبري، وهو من أقطاب القيادات الشعبية الفلسطينية حينئذ فى الشمال، أن مذبحة «ريينا» لم تكن الوحيدة، وإنما ارتكب جنود جيش الاحتلال غيرها بغرض السطو المسلح.

أما قرية «البرج» الفلسطينية، التى استحالت بفعل الاستيطان إلى «موديعين»، فجرى احتلالها هى الأخرى فى يوليو 48؛ ووفقًا للوثائق، تبيَّن فرار سكان القرية بعد احتلالها، ولم يمكث بها سوى أربعة شيوخ؛ لكن قوات الاحتلال قتلتهم جميعًا، بعد حشدهم فى منزل واحد، وإضرام النيران فى المنزل ومن بداخله.

ولا تغاير الفظائع ما جرى فى قرية «ميرون»، الواقعة على بعد 5 كيلومترات من مدينة «صفد»؛ لكن الفارق هو شهادة المدعو شموئيل ميكونيس، ممثل الحزب الشيوعى الإسرائيلي، فيما كان يُسمَّى حينئذ بـ«مجلس الدولة المؤقت»؛ إذ يقول وفقًا للوثائق: «رميًا بالذخيرة الحيَّة، قتلت عصابات «إيتسل» الإسرائيلية 35 فلسطينيًا؛ وأطلقت النار على نساء وأطفال القرية فى حفرة، أوعزت إليهم قبل ذلك بحفرها؛ ولم تستثن العصابات الصهيونية من جريمتها امرأة تحمل طفلًا رضيعًا بين ذراعيها؛ كما اغتصبت إحدى فصائل العصابات المعروفة بـ«ألتلنا» فتاة من القرية ذاتها، لم يتجاوز عمرها 20 عامًا، ثم قتلتها العصابات لاحقًا.

العسكرى الوحيد
ما حدث فى قرية «الحولة» اللبنانية، التابعة لمحافظة النبطية، يلقى مزيدًا من الضوء على جرائم الحرب الإسرائيلية، إذ احتلت العصابات الصهيونية بقيادة الضابط شموئيل لهيس القرية، بعد هرب قاطنيها باستثناء ما يقرب من 60 شخصًا. وفى أول أيام الاحتلال، تم قتل 18 شخصًا، بينما بلغ عدد قتلى اليوم الثانى 15 شخصًا.

القائد الصهيونى شموئيل لهيس، كان العنصر العسكرى الوحيد، الذى خضع للمحاكمة على خلفية جرائمه فى عملية «حيرام»؛ وعُثر على منطوق حكم إدانته فى الأرشيف القانونى بجامعة تل أبيب؛ وأكد أن لهيس أمر بإخراج 15 عربيًا من منازلهم فى القرية، واقتادهم بنفسه إلى أحد المنازل المنعزلة المجاورة للمقابر، وأوعز إلى هذا العدد بدخول غرفة واحدة، وأفرغ خزينتى ذخيرة، حين أطلق النار عليهم، وأرداهم جميعًا قتلى.

وفى حين واجه المتهم عقوبة السجن لمدة سبع سنوات، لكنها تقلَّصت إلى عام واحد بعد الاستئناف، وقضى فترة عقوبته فى مكان مريح جدًا قرب معسكر صهيونى فى الشمال؛ لكنه وقبل انقضاء مدة العقوبة، حصل على عفو من الرئيس الإسرائيلى إسحاق بن تسيفي.. الأكثر هو تعيين لهيس بعد ثلاثة عقود مديرًا للوكالة اليهودية، وكان أول من دعا إلى احتفال إسرائيل سنويًا بما يُعرف حتى الآن بـ«يوم القدس».

وتجاهلت إسرائيل، لاسيما بن جوريون وقوف شموئيل لهيس وراء 24 مجزرة فى قرى فلسطينية، من بينها قرية «الصالحية»، الواقعة على بعد 25 كليو مترا شمال شرق مدينة «صفد»؛ ومذابح قرى «صفصاف»، و«الدوايمة»، و«لوبيا».

رائحة المجازر
وفاحت رائحة المجازر الصهيونية، لدرجة أثارت المخاوف من ردود أفعال محتملة من الفلسطينيين والعرب؛ وخلال انعقاد جلسة الحكومة بقيادة بن جوريون فى 7 نوفمبر 1948، قال وزير الهجرة والاستيعاب حاييم موشى شابيرا: «الوضع يؤكد تفشى وباء جرائم الحرب. منذ سمعت التفاصيل البشعة، وأنا أضع رأسى فى الأرض خجلًا»؛ وشاركه الرأى وزير الداخلية إسحاق جرينبويم، قائلًا: «لقد تقادم أسلوب التطهير العرقي؛ وما يجرى يخرجنا من شريعة موسى».

أما وزير العمل مردخاى بنطوف، فأطلق مفاجأة تؤكد منهجية ارتكاب المجازر، وأنها ليست عملًا فرديًا، وقال: «منفذو المذابح فى القرى الفلسطينية والعربية، تلقوا أوامر مباشرة بها من القادة؛ وأتفق مع رأى الوزير موشى شابيرا، لتشكيل لجنة تحقيقات فى تلك الجرائم، لتحديد المسؤول عنها.

على مضض، أمر رئيس الحكومة، وزير الدفاع دافيد بن جوريون بتشكيل لجنة مكوَّنة من ثلاثة وزراء، للتحقيق فى جرائم الحرب؛ إلا أنه بعد مرور أسبوع، أبلغ أعضاء اللجنة ديوان الحكومة بعجزهم عن الوصول للحقائق، نظرًا لقيود صلاحيتهم فى التحقيق مع عناصر الجيش. وألمح أعضاء اللجنة أيضًا إلى أن رئيس الوزراء لا يولى اهتمامًا بإجراء تحقيقات عميقة حول الجرائم؛ لذا، رفض منح اللجنة صلاحيات واسعة، وألقى على أعضائها مسؤولية ما وصفه بـ«التقاعس»؛ لكنهم أصروا على ضرورة التحقيق فى ممارسات الجيش الإسرائيلى مع الفلسطينيين والعرب فى الشمال والجنوب.

اضطر بن جوريون إلى التعاطى مع إصرار وزرائه، خاصة بعد عبارته التى ألحقت دويًا فى قاعة الجلسة: «نظرًا لعدم قيام اللجنة المشكلة بمهامها، قررنا إلغاء التحقيقات»؛ فرد الوزير شابيرا: «كأنك تريد دفن القضية برمتها؟!.. من اقترح تشكيل لجنة التحقيق، كان على علم من البداية بفشلها».

سيرة ذاتية
خلال انعقاد جلسة أخرى للحكومة فى 19 نوفمبر 48، حاول بن جوريون انتزاع تشكيك وزرائه فى نزاهة موقفه؛ ووفقًا لبروتوكولات الاجتماع، طرق بن جوريون بيديه على طاولة الاجتماع، معلنًا تكليف مستشار الحكومة القضائى يعقوب شمشون شابيرا بفتح تحقيقات فى المذابح، وإعداد تقرير مفصل بها.

وفى 5 ديسمبر من العام ذاته، تلا المستشار تقريره، لكن بن جوريون رد عليه بعنف: «لا أقبل معظم ما جاء فى التقرير، لكننى أعتقد أن المستشار شابيرا، تطرق إلى أمور لم يجرؤ على ذكرها غيره»؛ ثم انتهز بن جوريون الفرصة لتعنيف وزرائه: «من السهل الجلوس هنا حول هذه الطاولة، وكيل الاتهامات لعدد محدود من المقاتلين، الذين يدافعون عن أرضنا».

منذ ذلك الحين، ألزم بن جوريون وزراءه وكافة الجهات بـ«التستُّر على القضية»، وجرى منح العفو لكافة عناصر العصابات الضالعة فى الجرائم، حتى أن الملاحقة والتهديد بالقتل، كانت مصيرًا حتميًا لأى شخص يتحدث عن المذابح؛ وربما جاء على رأس هؤلاء الجندى يوسف شى إيل، أحد أعضاء فصيلة الضابط شموئيل لهيس، والذى أعد سيرة ذاتية تحت عنوان «أول ثمانى سنوات فى حياتي»، وقال فيها: «حين أفشيت أسرار جرائم الحرب التى ارتكبها لهيس فى قرية «الحولة» اللبنانية، طاردتنى العصابات الصهيونية فى كل مكان، حتى وصل الأمر إلى تعرضى للضرب؛ كما أبلغت شرطة إسرائيل والدى بأنها أعدت خطة لاختطافى وقتلي».. وبعد ستة أشهر من صدور العفو الجماعى عن عناصر العصابات الصهيونية، اعترف أول رؤساء الكنيست يوسف شفرينتسكى أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، بأن الممارسات الإسرائيلية ليست أوهامًا، وإنما أضحت بشهادة الجميع حقيقة لا تقبل الشك، وأضاف: «إننا (اليهود) أبعد ما يكون عن أى معنى للإنسانية، وأصبحنا نضاهى تمامًا من نعتبرهم وثنيين».

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة