د. ليلى الغلبان
د. ليلى الغلبان


يوميات الأخبار

الرئيس فى كفر الشيخ

الأخبار

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021 - 07:38 م

تكتبها اليوم:د. ليلى الغلبان

إذن هو عرض لمرض حضارى طارئ تمر به أمتنا ومن ثم لغتنا.

منذ أكثر من ثلاثين عاما بدأت عملى فى جامعة كفر الشيخ، كبرت فيها ومعها وارتبط اسمى بها، وهالنى أن الكثيرين لا يعرفون عنها شيئا إلى أن جاءت زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لها ولمحافظة كفر الشيخ..


الزيارة حملت العديد من الدلالات. أولا أنها زيارة قلما تحدث على هذا المستوى لجامعة كفر الشيخ باعتبارها أيقونة من أيقونات أحد أهم وأغنى الأقاليم المصرية ثقافيا واقتصاديا، ومع ذلك لا يظفر بالتغطية الإعلامية الكافية لما يجرى فيه، ربما لبعده عن العاصمة قليلا، فكانت الرسالة أنه لا مكان بعيدا عن اهتمام رأس الدولة، رسالة للجميع كلنا فى القلب..


وضعت زيارة السيد الرئيس الجامعة فى الواجهة وبدت للعديدين وكأنها جامعة من كوكب آخر. وأصبحت حديث الناس فى مصر وخارجه وعلى مؤشر البحث على الإنترنت، فقد أبهرهم كل شيء فيها من بنية تحتية ومبانٍ عصرية أنيقة تنبت فى خضرة وارفة، تتناغم معها فأصبح المكان بكل مفرداته بيتا للعديد من الطيور والأشجار النادرة، نموذجا أوليا لحياة برية يستشعرها كل من يتجول فى الجامعة ليرهف السمع لسيمفونية بديعة من أصوات الطيور فى جنتها الآمنة.. فلا عجب والجامعة من أوائل الجامعات الخضراء صديقة للبيئة محليا وأفريقيا.


> رسالة من السيد الرئيس عن أهمية الجامعات المصرية الحكومية والإقليمية والتعليم الجامعى عامة.. وإعطاء الأولوية لعلوم المستقبل وأولها الذكاء الاصطناعى الذى يدخل فى كل شيء حولنا وربما فينا من خلال علوم بينية مثل التكنولوجيا الحيوية وغيرها.
> سيكون للزيارة مردود بالغ الأثر على وضع كفر الشيخ على خريطة السياحة والاستثمار والبحث والتعاون الدولى..
هذا غيض من فيض ثمار هذه الزيارة الميمونة..
شكرًا لكم سيادة الرئيس..
ليس بالقوانين وحدها..
يواكب احتفالنا هذا العام باليوم العالمى للغة العربية فى الثامن عشر من ديسمبر زخما خاصا، حيث يناقش البرلمان مشروع قانون لحماية اللغة العربية يستند إلى الدستور الذى ينص على أهمية صون ودعم اللغة العربية، باعتبارها لغة البلاد الرسمية. وتزامن ذلك مع تقديم مجمع اللغة العربية لمشروع مشابه.
يدعو إلى العمل على رفع مستوى استخدامها فى الإعلام والفنون والمؤسسات الحكومية والتعليمية والنقابات وفى أسماء الشوارع والمحلات التجارية والشركات الصناعية وغيرها. مشروع القانون يدعو إلى التزام المؤسسات التعليمية بكافة أنواعها بالتدريس باللغة العربية على نحو خال من الأخطاء، والحد من عزوف البعض عن استخدامها وتفضيل اللغات الأجنبية عليها.


ومع سعادتى بهذا الحراك والذى يعد ركنا ركينا للتخطيط اللغوى، وهذه الجهود التى تبث فينا الأمل أنه سيظل للغة العربية جنود يذودون عنها ويحاولون إقالتها من عثرتها الحضارية الحالية وعجز أصحابها عن الإسهام بمنجزات فكرية ومادية تضاف إلى التراكم الحضارى الإنسانى، ومع إقرارى بأن للقوانين سطوة وسيفا، إلا أننى أرى أنها وحدها لا تكفى لتحقيق أهدافها المرجوة فى غيبة الحاضنة الاجتماعية لهذه التشريعات وانعدام الظرف أو الحالة الحضارية المواتية.


بداية ما من شيء يجعل لغة ما تسود سوى قوة وبأس أصحابها وبكافة أشكاله العلمية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ومن ثم فلا عجب أن نجد العالم يهرول لتعلم الإنجليزية وغريمتها الجديدة الصينية.


ويذكرنا مشروع القانون قيد المناقشة بالجهود الخارقة التى يقوم بها أعضاء الأكاديمية الفرنسية Académie française لحماية اللغة الفرنسية، والتى أنشئ مجمعنا اللغوى أو مجمع الخالدين على غرارها، فعلى الرغم من القوانين الحمائية الصارمة التى اتخذتها الجمهورية الفرنسية منذ وقت طويل، إلا أنها لم تفلح وحدها فى الحد من غزو اللغة الإنجليزية وتهديدها لمكانتها الدولية وتنامى سلطان بعض اللهجات المحلية على حساب الفرنسية الرسمية التى تشبه الفصحى لدينا.. وفطن أعضاء الأكاديمية إلى ضرورة وجود عون مجتمعى عن طريق التواصل مع الجماهير وإتاحة الفرصة لهم للمساهمة فى طرح أفكار وحلول قد تساعد فى اضطلاع المؤسسات اللغوية بدورها. أصبح الشأن اللغوى هما رسميا ونخبويا وشعبيا يتقاسمه الجميع، وخاصة الشباب بما يعزز مشاعر الاهتمام باللغة، وبدون هذه الحاضنة المجتمعية لن تجد القوانين من يطبقها. إننى أدعو إلى دراسة هذه التجربة والاستفادة منها ومن التجارب المماثلة فى التخطيط اللغوى عالميا للوقوف على جوانب القوة والضعف والفرص والتهديدات وآليات الوصول إلى تمكين اللغة العربية.
إن الهوس باللغات الأجنبية فى مجتمعنا وعزوف الآباء والأمهات عن تشجيع أبنائهم على إتقان العربية قراءة وكتابة، وكتابتها بالحروف اللاتينية بين الشباب، وتدنى المحتوى الإعلامى لها، يأتى ضمن افتناننا بكل ما هو أجنبى من ملبس ومأكل وفنون وآداب وسلوك وأفكار وقيم، والمبالغة فى الربط بينه وبين التقدم والتمدين والفرص لمستقبل أفضل من ناحية، وإهمال كل ما يمثل خصوصية ثقافية لنا وفى مقدمتها اللغة من ناحية أخرى.
إذن هو عرض لمرض حضارى طارئ تمر به أمتنا ومن ثم لغتنا.
وعندما تحين الظروف المواتية لننتج مستحدثات فكرية ومادية للحضارة الإنسانية وذلك عن طريق الالتحام بالعلم والإيمان به وتشغيل ماكينات الترجمة البشرية والآلية لكل جديد أولا بأول، والثقة فى أنفسنا وفى مخزوننا الثقافى المتوحش وبقدرتنا على النهوض من جديد، عندما يتوافر هذا الظرف التاريخى، ستفرض لغتنا وثقافتنا ومنتجاتنا وقيمنا نفسها وستتوارى سلطة اللغات والثقافات الأجنبية لتفسح المجال لعلاقة أكثر توازنا وأكثر ندية بيننا وبين الآخرين.
تستاهل؟؟!
هل تشعر أنك لا تريد ذكر اسم والدتك أو زوجتك أو شقيقتك فى الأماكن العامة أو على بطاقات الأفراح وإعلانات الوفيات؟


ماذا فى اسم المرأة؟ لماذا هو وصم فى بعض المجتمعات؟ وما الذى يتطلبه الأمر لتغيير الوضع الراهن؟


بداية، لا يمكننا إنكار حقيقة أن الأولاد والبنات ينشأون على نحو متباين بسبب التفرقة الخفية وأحيانًا الصارخة بينهم، والتى قد تترك ندوبًا عميقة فى الصورة الذهنية للمرأة وتقوض فرصها فى مستقبل أفضل. حتى فى أغنى البلدان وأكثرها ديموقراطية، فإنه من النادر وجود قيادات نسائية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية. وتعد الفجوة بين الجنسين والفجوة فى الأجور على أساس الجنس تذكيرا صارخا بمدى عمق عدم المساواة بين الجنسين، فى أنحاء عديدة من العالم.


فى بعض الأحيان لا يظهر اسم المرأة فى دعوات زفافها أو على روشتة الطبيب، وعندما تموت لا يُعلن اسمها فى النعى. يكفى أن نقول إن المتوفاة هى زوجة فلان أو أم فلان أو أخت علان. وبسبب هذا القمع الطويل وغياب المساواة بين الجنسين بدأت النساء أنفسهن بمرور الوقت فى إخفاء هويتهن. والخضوع لأساليب التفكير السائدة المحافظة ونادرا ما يخرقنها.
واقعة ليست «غريبة» حملتها إلينا وسائل الإعلام العالمية عن سيدة أفغانية «أخدت علقة سخنة» من زوجها لدى عودتها إلى المنزل بعد زيارة إحدى العيادات الطبية ووجد اسمها مكتوبا على الروشتة.. ثارت ثائرة الرجل ولم تهدأ وأنزل بها عقابا لن تنساه لأنها تجرأت على ذكر اسمها.. وأذكر أننى تحدثت عن الواقعة فى إحدى محاضراتى فى معرض حديثى عن علاقة اللغة بالنوع ودورها فى تعميق صورة نمطية للمرأة تحجب هويتها وتبقى عليها أسيرة لبعض التقاليد التى لا تمت للأديان بصلة.. وذكرت أبنائى وبناتى الطلبة والطالبات بأنه لم يرد ما ينهى عن ذكر أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته بأسمائهن.. إذن فما العيب فى ذكر اسم الزوجة والابنة والأخت بدلا من «الجماعة» وغيرها.. الطريف وربما المصدم أننى سمعت طالبا يتمتم «تستاهل»!.
هناك حاجة ملحة لتفكيك الأفكار المتحيزة ضد المرأة، الواحدة تلو الأخرى.. حان الوقت لمعاملة الرجال والنساء على قدم المساواة بصدق. هذا لصالح الجميع.
أخيرًا..


أخيرًا تمت إضافة اسم كل من أم العروسة وأم العريس إلى شهادات الزواج فى انجلترا وويلز لأول مرة بعد أن كان مقصورا على أسماء آباء الزوجين فقط، وقالت وزارة الداخلية البريطانية: إن هذا التغيير فى قانون الزواج يعد خطوة لتصحيح عوار تاريخى باستبعاد اسم أم العريس وأم العروسة ضمن تقاليد دأبت على تكريس التمييز ضد المرأة والنيل منها..


هذا التعديل جاء ثمرة نضال نواب كثر من جميع الأحزاب لعدة سنوات فى محاولة للسماح للأزواج بذكر اسم الوالدين فى وثائق الزواج.
خطوة طال انتظارها فى أكبر البلدان الأوروبية تقدما وتبنيا لما يسمى بحقوق المرأة وربما يتكرر الأمر فى بلدان أخرى... مازالت المجتمعات فى العالم المتقدم تئن من أمراض التمييز حتى وإن علا ضجيج أولئك الذين يرون فى تلك المجتمعات واحة للحرية والعدالة الاجتماعية..
والآن عزيزى القارئ أظن أننا يجب أن نحمد الله تعالى أنه مسموح لنا بذكر أسماء والدينا فى وثيقة الزواج وهو أقل ما يمكن عمله تكريما ووفاء لهما واعترافا بفضلهما!.
 رئيس قسم اللغة الأنجليزية بآداب كفر الشيخ

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة