نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

شارع مى زيادة

نوال مصطفى

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021 - 05:09 م

أسعدنى جدًا التصريح الذى أدلى به الشاعر اللبنانى جورج ضرغام فى حواره مع الكاتب الصحفى عبد الهادى عباس والذى أعلن فيه عن نيته فى تقديم طلب لتغيير اسم شارع حمدى بحى الظاهر إلى شارع مى زيادة، وقال إنه سيطلب من وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم أن تدعمه فى هذا الطلب.

وأنا أضم صوتى لصوت جورج ضرغام بشدة، فكيف لا يكون فى مصر شارعاً يحمل اسم مى زيادة؟! وهى الأديبة العربية التى تنتمى إلى مصر أكثر من انتمائها إلى أى بلد آخر ولدت فيه أو عاشت جزءاً من حياتها على أرضه.

توهجت مواهب مى المتعددة فى مصر، سطع نجمها وتوجت على عرش الثقافة والأدب المصرى باعتبارها الأديبة البارعة، المثقفة الاستثنائية التى تجيد ست لغات، وكانت ظاهرة أدبية، وأنثوية فريدة فى عصرها، فقد ولدت مى فى مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886 لأب لبنانى مارونى وأم فلسطينية أرثوذكسية.. وقضت سنوات عمرها الأولى فى مدارس داخلية فى لبنان، ثم نزحت مع والدها ووالدتها إلى مصر فى عام 1908.. كان عمرها اثنين وعشرين عاماً .. فتاة شابة مختلفة فى كل شىء، وظلت فى مصر- التى كانت تعتبرها وطنها الأساسى- حتى توفيت فى 18 أكتوبر عام 1941.

كانت «مي» هى زهرة زمانها ودرته الفريدة، والمرأة الوحيدة التى تألقت وتفردت بثقافتها و موهبتها وسط باقة من العمالقة الرجال فى عصر لم يكن مسموحاً للمرأة أن تخرج للحياة العامة. ولم يكن متاحاً لها أن تلتقى الرجال فى ندوات ثقافية أو ملتقيات أدبية، كانت «مي» ظاهرة أدبية.. ثقافية .. أنثوية .. إنسانية! هكذا أراها، وهكذا عشت آلامها وأحلامها أثناء استغراقى فى تفاصيل حياتها وأنا أكتب سيرة روائية عن حياتها، التى صدرت فى أربع طبعات تحت عنوان «مى زيادة أسطورة الحب والنبوغ».

ظاهرة أدبية لأنها كتبت بالفرنسية، وترجمت عن الألمانية، وعلمت نفسها اللغة العربية فقرأت القرآن والشريعة - رغم أنها مسيحية - وكتبت العربية بلغة تأثرت بمزيج فريد من كل الثقافات التى قرأت بلغاتها، أتقنتها وكتبت بها.

وهى ظاهرة أنثوية .. لأنها صنعت من نفسها نموذجاً غير مسبوق بين نساء عصرها وحتى فى الأجيال التى تلت جيلها، فقد كسرت حاجز التمييز بين الرجل المبدع والمرأة المبدعة، التقت بمفكرى عصرها ورواده من الرجال وحاورتهم وناقشتهم فى كل القضايا الأدبية والفكرية بندية ومقدرة عالية، وذلك فى صالونها الشهير الذى كان منارة إشعاع وثقافة فى المجتمع المصرى فى ذلك الوقت.

ولذلك ظل شعور «اللا منتمية» يلازم هذه الكاتبة الفريدة.. فالأقطار الثلاثة التى تنتمى إليها : لبنان.. فلسطين .. مصر، كل منها يفتخر بأنها واحدة من نوابغها.. لكن أحداً من تلك الأوطان لم يعطها ما تستحق من تكريم حتى الآن.

وكثيراً ما عبرت مى بقلمها عن هذه الغصة وتلك المرارة التى تشعر بها نتيجة لهذه الغربة الدائمة وعدم الانتماء، فكتبت فى إحدى مقالاتها ذات مرة تقول: «أين وطنى»؟! ولدت فى بلد، وأبى من بلد، وأمى من بلد، وسكنى فى بلد، وأشباح نفسى تنتقل من بلد إلى بلد، فلأى هذه البلدان أنتمى، وعن أى هذه البلدان أدافع؟!.

لذلك فرحت بما أعلنه الأمين العام للمركز المارونى اللبنانى للثقافة والإعلام بالقاهرة عن تدشين «صالون مى» مطلع العام الجديد، وتنظيمه كل يوم ثلاثاء كما ظلت تفعل على مدى تسعة عشر عامًا، حتى تعرضت لأكبر مؤامرة دنيئة على يد أقرب الناس إليها!.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة