د. خالد أحمد توفيق
د. خالد أحمد توفيق


كنوز | لا تتحمس كثيرًا!

عاطف النمر

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021 - 07:02 م

د. خالد أحمد توفيق

هناك من يملك القدرة على إيجاد حلول ابتكارية بسرعة، رأيت طبيبًا يحاول أن يحشر فوهة معدنية فى خرطوم مطاطى بلا جدوى، هنا قام عامل بسيط بملء كوب من الماء الساخن وضع فيه طرف الخرطوم حتى لان، ثم أدخل فيه الفوهة المعدنية بسهولة، وقد تذكرت هذا الموضوع منذ أعوام، عندما كنت أقف لدى أحد الجزارين أبتاع لحمًا، كان سعر كيلوجرام اللحم وقتها أربعين جنيهًا مما يدلك على أنها ذكرى قريبة !..

وكان الجزار يتسلى بممارسة (النصاحة) معى، وهو يسخر فى سره من أستاذ الجامعة الذى يمكنه أن يقنعه بأى شيء أو يدس له أردأ قطع اللحم، مقنعًا إياه أنها (قطعيات) نادرة لها ثمن خاص.


هنا رأيت امرأة مسنة تخطو مترنحة فى الشارع أمام محل الجزار، تعاونّا على نقلها إلى الداخل وقدم لها صبى الجزار كوب ماء، كانت امرأة بسيطة لا تكف عن البكاء، لمحت فى يدها رزمة ممزقة يطل منها ورق ابيض بحجم ورقة البنكنوت، قالت إنها من السنطة، كانت فى موقف السيارات تبغى الركوب لطنطا، عندما توقفت سيارة أمامها بها رجلان، أكبر الرجلين ناداها باسمها وقال إنه صديق ابنها وعرض عليها توصيلها لطنطا، وفى الطريق إلى طنطا أبدى الرجل الأول إعجابه بالحلى التى تلبسها، وعرض عليها أن يشترى منها هذا الذهب بخمسين ألف جنيه فوافقت على الفور، أخذ منها الذهب وناولها لفافة مليئة بالبنكنوت وعدّ لها الرزم .. ثلاث .. أربع .. خمس رزم .. مبروك.


قالت إنها ترجلت من السيارة فى طنطا سعيدة بالصفقة الذكية التى أبرمتها، وفتحت اللفافة بمجرد ابتعاد السيارة فاكتشفت أنها أوراق بيضاء غلفت بالعملة على الجانبين على طريقة السينما، كان الجزار يستمع لها فى غير تعاطف ونصحها أن تذهب لقسم الشرطة، فعرضتُ أن آخذها لهناك بسيارتى، فهمس لى من تحت شاربه الغليظ : « لا تتورط يا دكتور .. سوف تتهمك بأنك من سرق ذهبها بمجرد أن تنزل أمام القسم « .. فقلت له فى عدم فهم : « كيف ؟ «، قال : « اسمع الكلام !»، ثم مد يده طالبًا ثلاثة جنيهات ولوح بالسكين لسيارة أجرة وفتح الباب وألقى بالعجوز داخلها، ودفع للسائق الجنيهات الثلاثة، وأمره أن يأخذها إلى قسم ثان طنطا و»خلى بالك منها يا هندزة .. دى زى والدتك»، أطلت العجوز من النافذة وصاحت وهى تشير نحوى: «هو ده اللى …»، وقال الجزار وهو يزن اللحم الردىء لى : « لا يمكن تصديق قصتها، لا يوجد أحد بهذه البلاهة، هناك احتمال أنها كاذبة، وتريد توريط أفندى مثلك فى مشكلة ليدفع لها، واحتمال أن قصتها حقيقية وأنها فعلاً بهذا الغباء والطمع، من الوارد تتمسك بك وتصرخ أمام القسم لتورطك وتدفع مبلغ يعوضها، صدقنى .. نحن قمنا بالشىء الصحيح «.


تذكرت وجهها الغبى الجشع وهى تنظر من النافذة كدابّة وهى تقول « هو ده اللى….، ماذا كانت تنوى قوله ؟ «، وتذكرت رواية « يوميات نائب فى الأرياف» عندما وقف وكيل النيابة الشاب مع توفيق الحكيم يراقبان عرضًا قانونيًا أمام فلاحة مسنة أوقفوا أمامها صفًا من الرجال لتختار من قتل زوجها منهم، تجاوزت الصف كله ثم هوت بقبضتها على صدر وكيل النيابة الشاب صارخة : « غريمى! «، قال توفيق الحكيم إنه منذ ذلك الحين فقد الثقة فى قيمة العروض القانونية مع كل هذا الغباء، وشكرت الجزار وأنا أحمل قطعة اللحم الرديئة، وقلت لنفسى إنه رجل يملك قدرًا هائلاً من النصاحة، تخلص من العجوز ولم يدفع حتى ثمن سيارة الأجرة بل تقاضاه منى، ثم تخلص من ألعن قطعة لحم لديه، وقالت منال زوجتى عندما فتحت كيس اللحم: «كيف ينجح الجزار فى خداع رجل مثقف مثلك فى كل مرة ؟»، قلت وأنا أغسل وجهى: «الثقافة شىء والذكاء شىء والنصاحة شىء آخر، ما أعرفه أنه أنقذنى من مشاكل محتملة لا حصر لها، لهذا أنحنى له احترامًا وتوقيرًا، لقد استحق أن يخدعنى».


من صفحة «د. خالد توفيق» 

اقرأ أيضاً| حاضران رغم الرحيل نبيل فاروق وخالد توفيق يستقبلان قراءهما!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة