د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

لتكون من المؤمنين

الأخبار

الخميس، 23 ديسمبر 2021 - 07:19 م

أن يعود التائب إلى الذنب فى حالة واحدة، هى أن يعود اللبن المحلوب فى ضرع الشاة بعد حلبه

السبت:
المؤمنون مربوط على قلوبهم


فى سورة القصص، وفى الآية العاشرة يحدثنا ربنا عن علامة من علامات الإيمان، لا نعرفها، وكثير منا لا يحبونها؛ لأنها لا توافق هواهم، والهوى تيار جارف، يصحب صاحبه نحو الهلاك، من حيث يظن أنه فى متعة منقطعة النظير، حيث يقول تعالى: «وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين» أى أن أم موسى لما ألقت به فى اليم، وبدأ ينطلق فى اليم مبتعدا عن حضنها، كادت تصرخ مفصحة عما فى الصندوق، مسمعة الدنيا أن ابنها هو الذى ينطلق به الصندوق فى اليم، وليكن ما يكون، ساعتها ربط الله على قلبها، فتوقف لسانها عن هذا البوح، فمن علامات الإيمان أن يكون مربوطا على قلبك، وكيف تعرف أو كيف يعرف الناس أن الله قد ربط على قلبك؟ وأنك من المؤمنين، ذلك أن تجد لسانك مربوطا، غير مبعبع، فما أسوأ البعبعبة دليلا على ضعف الإيمان، وقد تربت أجيال على هذا البوح البغيض، فلا أحد يحتفظ لنفسه بكلمة لا يعرفها أحد غير الله حتى يلقاه، إن كنت على يقين أن هذا موجود على احتمال فى طفولتى، فأنا اليوم على اليقين أنه غير موجود، وذلك كما تعلمت، وكما أعلم طلابى فى الدراسات العليا أن نقول: فى مبلغ علمى، فمبلغ علمى أنه لا أحد تبل فى فمه فولة، لا ينتظر بعض الوقت حتى تبل، بل يلفظها فى سمع كل من هب ودب، لا يصبر عليها، لا يتروى حتى يتذوقها، ويختبرها، قبل أن يلفظها، شهوة التطفل تجد ما يحققها بسهولة عجيبة، دون بذل جهد، فبمجرد أن ينظر الراغب فى المعرفة والسماع إلى ذلك المهفوف يتكلم، ويقول، ويحكى، وقد يضيف إلى ما عنده مؤلفا لأن ما عنده لا يشبع المشتهى للسماع، الموظفون فى مؤسساتهم كل يحفظ بيت زميله، وإن لم يدخله فى فرح ولا عزاء، يعرف ما به من غرف، وحمامات، ومطابخ، وأين ينام، وأين ينام ولده، وما عادات الزوج؟ وما عادات الولد، وما عيوب البنت التى لم تزل صبية، والواجب أن يصان سرها، ويستر عيبها، فغدا تكبر، وتتغير، ولكن لا صبر عند أمها التى تحكى بالغرائب عنها والعجائب، فإن انتهت، وجاءت فترة النضج، وحكت عنها ذلك قوبلنا بالذى لم يخطر ببالنا يوم حكينا تافهاتها، وهو أن الذى يسمع النضج الذى تأتى من الفتاة لا يذكره، إنه يذكر الأول، ولا يتغير من ذاكرته، فإن جاءها خطيب باعده، وقال له: بلاش منها، أنا مربياها، بيجيلها صرع، ومجنونة، ومبذرة، وقليلة الأدب، فليجن المتعجل بالحكى حصاده الخبيث، فقد جنى بنفسه على ابنته، وشوه مستقبلها، بل ودمرها، وهو فى النهاية مدمر نفسه، لقد عرض عمر على أبى بكر رضى الله عنهما ابنته حفصة للزواج؛ فلم يرد عليه بنعم ولا بلا، فتأثر عمر وآلمه ذلك، فلما تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم فاتح الصديق الفاروق، وذكره بما كان، وقال له: لعلك أوجدت منى حين لم أجبك، أى تأملت بسب موقفى هذا، فقال عمر: نعم، قال: والله ما منعنى من جوابك إلا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، وما كنت بالذى يذيع سر رسول الله، سمع أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر حفصة فانتظر، هل يتزوجها؟ وماذا لو أجاب أبو بكر صاحبه، وقال له: سمعت النبى يذكرها؛ فاستبشر عمر بهذا النسب الرفيع، ولم يتزوجها النبى، ماذا سيظن عمر؟ ألا يدور برأسه أن أحدا من أصحابه صرفه عنها، لابد من الانتظار، ولكن من يقول بلابد، وكل متسرع إلى درجة مخيفة بنقل الأخبار، قبل التحقق منها، بل بنقل الأحاسيس الفارغة التى يرى من خلالها ما سوف يكون، قائلا: وبكره تقول فلان قال لى، بكره يجيلك كلامى، وقد يخلف الله ظنه، وساعتها لن يتأدب، ولن يتعلم، ولن يتأنى، بل سيجد من العلل التافهة ما يرد به، فهو لا يعرف الغيب، وما كان منه إلا من إحساس، وأنه مخطيء تمام الخطأ إذ حكى إحساسه من باب حبه وإخلاصه له، ووعد بألا يكون ذلك منه مرة أخرى، وهو فى قرار نفسه يعلم أن صاحبه سيقول له: لا يا رجل عيب وألف عيب، لازم تقول، وتقول براحتك كمان، معجنة أو كما أقول: عك يعك عكا.


الأحد: 


مات هؤلاء

كنت فى مراحل التعليم الأولية بالأزهر، وقد نشأت فى قرية كان معظم أهليها حكماء، وإن لم تطأ أقدامهم أرض معهد ولا جامعة، وكان الشائع على ألسنتهم إذا سئل أحدهم: إلى أين يا فلان، صاحى بدرى، ولابس الحتة الزفرا –أن يقول: هنا اهوه. ويرد السائل: ربنا معاك


اختفى هذا الحوار، بل مات بموت هؤلاء، وحل محله أن يرد المسئول بتفاصيل التفاصيل على من سأله، أو يقول له تلك التفاصيل دون أن يسأله، وكما نقول: من طأطأ لسلام عليكم، وأذكر أن إحدى طالباتى قد تأثرت من قديم بهذا الذى أقول، وكانت تحكى لصاحبة لها من الطأطأة إلى باى باى، وتابت إلى الله تعالى من هذا العبث الذى أدخلته فى كتابى ذنوبى منسية، وكانت النتيجة هذا الحوار:

قولى - لا إله إلا الله - يا بنت احكى -  بطلنا الحكاوى ربنا يصلح حالى وحالك - والله ما مصاحباكى - ليه، واصاحبك ليه وانت بقيت وحشة، ومش بتقوليلى حاجة، وكنت بتحكى لى كل حاجة، ممكن نحكى فى العلم، فى شيء نافع، ما رأيك؟ لا انت جرى ف عقلك حاجة، طب خليكى ف العلم بقا يا اختى، دمك بقى تقيل.  وقلت لها لا تندمى، فقد أخذت معها الشر كله، وراحت، فلا أسف على ذهب بشره، نعم هناك من لا يعرفك إلا من أجل تلك البعبعة، شهوة يود تحقيقها من خلالك، لا يعرفك إلا من أجلها، وما هو بناصح لك، ولا بمعين، إنه بق، وأذن شر، يحفظك، ويسجل مواطن ضعفك، وما أن يحدث شيء بينكما حتى يذكرك بما قلت، ويلصق بك التهم، ويفضحك، وساعتها تقول له، ولن يسمع، ولن يفهم: أنا غلطان إذ ائتمنتك على سرى، وللحق أقول ما قاله أحد الكبار من العلماء لتلميذ له شكا إليه أن له زميلا لم يحفظ سره، قال: يا بنى، لا تتعجب من صنيعه، فسرك قد هان عليك حيث خرج منك إليه، فكونه يخرج منه إلى غيره أهون، أى أنت الذى لم يكن سرك عندك غاليا، كان هينا رخيصا، ومن ثم فهو عند غيرك أرخص، وتعلم التلميذ ن وقال: صدقت يا أستاذى، واليوم قد أسمع تلك العبارة، وزيادة، صدقت، وأحسنت، وعلمت، ونفعت وأفدت، وجزاك الله خيرا، ولا حرمنى الله منك، وأنا اشك ان المسرف فى تلك العبارات سوف يتغير، أو سوف يتعلم، أو سوف يمسك بلسانه ويصونه، بل سيعود لأن فيروسا معينا انتشر فينا، وأبينا أن نتعالج منه، هذا الفيروس أفسد علينا ديننا ودنيانا، لم نرد أن نتطهر منه، وأن نتوب إلى الله تعالى كما قال: توبة نصوحا، قال فيها الزمخشرى رحمه الله فى تفسيره الكشاف: معناه أن يعود التائب إلى الذنب فى حالة واحدة، هى أن يعود اللبن المحلوب فى ضرع الشاة بعد حلبه، ومعنى هذا أنه لن يعود إلى الذنب أبدا، لأن اللبن إذا خرج من ضرع الدابة لن يعود إليه أبدا، أصبحت التوبة مجرد نطق بكلماتها: تبت إلى الله، ورجعت إلى الله، وندمت على ما فعلت، وعزمت على ألا أعود إلى ذنب أبدا، وتقبيل ظاهر الكفين، وباطنهما، والمسح على الصدر، والعين فى زيغ، لأن القلب ما زال فى زيغ، وكأن هذه التوبة لحظة تغيير مؤقتة، كأنها استراحة بين ذنبين، وفسحة بين حصتين من حصص المجون والتلف والفساد.


الاثنين:


من أثر الخيبة فى الاستفتاء

معروف فى العلم أن المستفتى يسأل المفتى ليحل له معضلة، ومعروف أن المفتى قد يحتاج إلى شيء من التفصيل يعينه على الوصول إلى الجواب السديد، فالسائل مختصر محدد كلماته، وعلى سبيل المثال: قلت لزوجتى: أنت طالق، المفتى: أتلك أول مرة؟ نعم، وقع الطلاق، ولك أن تراجعها بالقول أو الفعل مدة العدة، فإن انتهت العدة فلابد من عقد ومهر جديدين وبرضاها. واليوم، - رميت على امرأتى اليمين

ماذا قلت؟ - أصل أنا لما اتجوزتها كانت مخطوبة لابن خالتها، وابن خالتها اتجوز، وهى اتجوزتنى، يعنى كل واحد راح لحاله، وسافر ابن خالتها، وحوش قرشين واتغير حاله، واشترى فى التجمع، وبنى فى التفرق، وكانت دايما تقول لى أخباره، وأنا باقولها يا أم حبكشة بلاها أخبار بقا، ربنا يفتح عليه وعلينا وعلى أمته وعبيده، وهى تقول، وما فيش فايدة، وأتارى ابن خالتها لما ربنا اداله، ورضاه، واتحول حاله، والقرش جرى ف ايده، طلق مراته وام عياله، قامت صاحبتنا بقا تقول ايه: أيوه معاه حق يطلقها، أصلها مش وش نعمة، دا واخدها واهلها ما جابولهاش طبق، طب ربنا رزقك براجل كسيب، وسفرك، وفسحك، وركبك عربية، وجاب لك دهب خليجى نقشته حلوة حلاوة، واداكى وادى أهلك، المفروض تشيلى شبشبه فوق دماغك، وتحافظى عليه، لا ما صدقت انها خلفت منه العيلين، ونامت، ولا اهتمت بروحها، ولا سابته يشوف شغله وقعدت تفتش موبايله، ومين دى، ومين ده لحد ما زهقته يا قلب اخته ف عيشته.

أنا يا مولانا سمعت قلب أخته وبرج من نفوخى طار، قلت قلب إيه ؟ - قالت الله أيوه قلب اخته، دا ابن خالتى وزى أخويه، ومتربيين سوا، وانا كان زمانى مكانها الوقتى ومراته وام عياله. - انت بتقولى إيه، يعنى انت ندمانة بقا انك ما اتجوزتهوش! - أيوه ندمانة، حد يطول الأملة دى، أمال مبسوطة بالغلب اللى انا عايشة فيه، حياة وحشة، واللوازم الضرورية بالعافية بنجيبها، ولا بنخرج ولا بنتفسح، ولا بنشم الهوا، وعايزين ننجد المرتبة اللى بقت مطبات من يوم ما اتجوزنا، وحالها يغم - روحت رامى عليها اليمين يا مولانا

والشيخ لم يعرف ما اليمين الذى رمى به عليها، وراح يهز رأسه، وهو يستمع إلى الرواية الدرامية، ويقول، آه هى الدنيا والفلوس اللى بتغير النفوس، أى ربط على القلب يدل على أن السائل من المؤمنين، وأين تقوى الله لدى المستفتى بفتح التاءين حتى يتركه يردح، ولا يوقفه ليقول له:

ماذا قلت بالحرف، بلا رميت بلا شلت؟

فإن نطق بما قال بالحرف أفتاه، لكنها شهوة البعبعبة التى تدل على أن القلوب مفكوكة غير مربوط عليها، وإذا فكت القلوب فكت لانفكاكها الألسن، ولا نستطيع إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة