مــريم العـذراء.. شفيعـــة المصريين
مــريم العـذراء.. شفيعـــة المصريين


مـريم العـذراء.. شفيعـة المصريين.. حكاية حب وحـِّدت الجميع

آخر ساعة

السبت، 25 ديسمبر 2021 - 10:40 ص

أعد الملف: حسن حافظ

مع شهر كيهك من كل عام تحتفــــل الكنيســــة المصـــرية بالســـيدة مـــريـــم العـــذراء كمقـدمة للاحتفـال بمــولد السـيد المسـيح، ويشهد الشهر المريمـــى روحــانيـات مكثفــــة وتسـابيــح وترانـيـم لا تنتهــى، ما يجعله أحــد أكثر الأشـــهر  روحــانية فى التقـويم الكنسى، لكن السيدة مريم لا تعكس فقط حالة من الصفاء الروحــى المســتدعى، بــل ترمـــز أيضا إلى وحدة المصريين جميعا، فالمسلم مع المسيحى سواء فى حب السيدة العذراء، ففى كل بيت مصرى هناك مريم صغيرة، تعبر عن توحد يعم القطر  كله فى حب مريم العذراء، التى تتحول إلى شفيعة المصريين جميعا يسألون الله باسمها، ويحبون ذكراها، فالمسلم يحتفل بها عند قراءة سورتى مريم وآل عمران، والمسيحى يترنم باسمها فى الشهر المريمى، حالة تجسد معنى الانصهار المصرى فى حب السيدة التى اختارت يوما مصر وأهلها لتهرب بوليدها بعيدا عن ملاحقة اليهود ومطاردتهم فدخلت العائلة المقدسة مصر بأمان وخرجت منها بسلام.

إذا سألت عن الشخصية محل الاحترام والتكريم عند جميع المصريين، ستجد السيدة مريم فى مقدمة القائمة القصيرة، فالسيدة العذراء جمعت المصريين على حبها، ترى الكثير من الفتيات والشابات والنساء يحملن اسم مريم، فلا تعرف ديانتها، لأن المسلم والمسيحى فى حب مريم العذراء سواء، يحتفى به المسلم عندما يرتل القرآن، وقد ذكرت فيه السيدة فى سورتين من أكبر سوره، ويخصص لها المسيحى شهر كيهك الذى نعيش فى رحابه هذه الأيام، لكى ينخرط فى التسابيح والترانيم فى الشهر المعروف بـاالشهر المريمىب، احتفالا بالعذراء قبل حلول ذكرى معجزة الميلاد.

ارتباط المصريين بمريم يعود إلى ذكرى بعيدة، جينات حضارية ما، فالاسم على ما يبدو له أصل مصرى قديم، إذ يقول الدكتور حسين عبدالبصير، عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، لـاآخرساعةب: اإن المصرية القديمة بها بعض الألفاظ القريبة من نطق مريم، فهناك فعل (مر) أو (مرى) بمعنى يحب، و(مرى) المحبوب و(مريت) المحبوبة، فعندنا اسم (مريت أمون) أى محبوبة أمون، واسم الفاعل (مرو) بمعنى المحب، و(مروت) بمعنى المُحبة، وكما ترى يمكن أن تكون هناك تحـــول للفـــظ عنــد بنى إسرائيل خصوصا أن اسم مريم ظهر فى مصر، إذ كانت أخت النبيين موسى وهارون عليهما السلام، تسمى مريم، فهل دخل الاسم إلى اللغة الآرامية؟ هذا يحتاج إلى مزيد من البحث والمقارنة بين اللغات القديمةب.

استنتاج الدكتور عبدالبصير يؤكده ما تذهب إليه الموسوعة الكاثوليكية التى يشرف عليها الفاتيكان، والتى تميل إلى ترجيح أن اسم مريم يعود إلى أصول مصرية قديمة، خصوصا أن الاسم أول ما ظهر كان فى قصة النبى موسى، وترى الموسوعة أن اسم موسى وشقيقيه هارون ومارى أى مريم جميعا أسماء مصرية قديمة، انتقلت إلى اليونانية القديمة وكذلك الآرامية، خصوصا أن اسم مارى أو مريم لم يظهر فى العهد القديم إلا مع أخت موسى ما يرجح هذه الفرضية، خاصة أن معنى الاسم مريت بمعنى الحبيبة أو المحبوبة أو العزيزة يناسب وضعية الفتاة الوحيدة لوالديها، بينما حاول البعض تفسير الاسم بتقسيمه إلى اسمين أى أن اسم مريم مركب من (yam) أى البحر، و(mar)، أى مر، بمعنى البحر المر، لكن البعض الآخر استبعد هذه الفرضية، فيما لا يزال الجدل العلمى يدور فى العالم حول أصل اسم مريم، خاصة أن الاسم دخل كل اللغات العالمية بصيغ كثيرة ومختلفة من الأصل اليونانى.

حالة السعى الدائم لتأصيل اسم مريم والوصول إلى أصله فى معابد العلم، توازيها حالة التقدير الإسلامى المسيحى للسيدة مريم، وهو واضح جدا فى النصوص المقدسة للديانتين، ففى الإسلام نجد سورة باسم مريم، وأخرى باسم أسرتها (آل عمران)، نجد العناية الربانية بمريم العذراء حتى قبل أن تولد عندما نذرتها والدتها وهى لا تزال جنينا فى رحمها، ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ آل عمران:36.

كبرت مريم العذراء فى محراب التنسك، لا تعرف إلا عبادة الله مخلصة فى ذلك ولا تشرك به أحدا، فكانت ربانية حتى أن النبى زكريا عليه السلام كان يستمد منها القوة الروحانية، ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ آل عمران: 38، وظلت مريم على حالة من سكون العبادة حتى جاءتها الملائكة بالبشرى ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ اآل عمران: 42-45ب.

لم يكن الموقف بالسهل على الفتاة الصغيرة، التى تعرف ما سيواجهها لا محالة من مجتمع سيرفض روايتها الخارقة للمألوف، سينسى المجتمع تبتلها وتفرغها سنوات عمرها للعبادة، وهو السؤال الاستفهامى الذى ذكره القرآن حكاية عن مريم إذ ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ اآل عمران: 47ب، بل إن القرآن الكريم دافع عن شرف السيدة العذراء ضد اتهامات اليهود وخوضهم فى شرفها ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ االنساء: 156ب، فقال سبحانه: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ االتحريم: 12ب.

وفى السورة التى تحمل اسم السيدة مريم، نجد تفصيلا لحملها بالسيد المسيح وعملية ولادته وذلك فى الآيات من ١٦ إلى ٢٩.

كما خصصت الأحاديث النبوية مكانة خاصة للسيدة مريم، منها ما رواه البخارى فى صحيحه عن على بن أبى طالب رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اخير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجةب، أى أن مريم وخديجة خير نساء العالمين، وروى الترمذى فى سننه عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: احسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعونب، ويرى الكثير من مفسرى القرآن وشراح الأحاديث النبوية أن مريم سيدة نساء العالمين، ويحق للمسلم التوسل بالسيدة مريم بحسب فتوى للدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق، والذى أكد فيها أن التوسل بالسيدة العذراء مريم بنت عمران، وغيرها من الصالحين والصديقين، فى الدعاء.

ولا تختلف حالة التبجيل والاحترام فى العهدين القديم والجديد عن القرآن، إذ جاءت البشارة بالسيدة العذراء وحملها دون زوج بالسيد المسيح فى العهد القديم، فى الإصحاح السابع من أشعياء ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، وفى إنجيل لوقا يأتى الذكر الأكبر للسيدة مريم: اوفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرةب إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم افدخل الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليه. الرب معك مباركة أنت فى النساء، فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، فقال لها الملاك لا تخافى يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية، فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا، فأجاب الملاك وقال لها. الروح القدس يحلُّ عليك وقوة العلى تظلك الوقا 1: 26-31.

وجاء فى إنجيل متى: أما ولادة المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس، فيوسف رجلها إذ كان بارًا ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سرًا، ولكن فيما هو متفكر فى هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له فى حلم قائلًا يا يوسف بن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس، فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله كان لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل، هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معناب امتى 1: 18-23.

وعن الحالة التى تجمع المصريين بالسيدة مـــريم، يقـول الدكتـور كمــال زاخـــر، المفكــر القبطي، لـاآخرساعةب: اتتفق المسيحية مع الإســلام فى وضعها كرمـــز ونموذج ومثال يحتذى به فى الطهارة والنقاء والتواضع والخضوع لإرادة الله، لأنه بحسب ما ذكر عنها فى الكتب المقدسة، فقد تعرضت لاختبار صعب غير مسبوق، وهو أن تلد فتاة عذراء من غير زواج ومن غير علاقة جسدية مع رجل، فى حدث لم يعرفه العالم ولن يعرف له مثيلا، فكونها تقبل بهذا الأمر الذى سيجلب عليها الكثير من المصاعب فهنا قمة التسليم بإرادة الله، وهنا الدرس الذى يصلنا من قصة السيدة مريم، والذى على كل واحد منا بأن الحياة تبدأ بالتسليم لما يريده اللهب.

ولفت زاخر: إلى أن السيدة مريم عاشت حياة تعبد لله، حتى الفترة التى عاشتها بعد السيد المسيح، والتى قاربت العشرين عاما، لم تفكر أن تسجل أقوال السيد المسيح أو تقص قصتها مع ابنها، بل ظلت فى حالة تعبد كاملةب، وأشار إلى أن شخصية السيدة مريم اتشعر وكأنها شخصية مصرية وليست من فلسطين، وبالتالى هناك حميمية بين المصريين والعذراءب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة