اليوم الأخير لبائع الحمام
اليوم الأخير لبائع الحمام


د. هويدا صالح تكتب اليوم الأخير لبائع الحمام

أخبار الأدب

السبت، 01 يناير 2022 - 04:19 م

«رواية الأجيال» أو«الرواية النهرية» أو«الانسيابية» بحسب الناقد الفرنسى رومان رولان هى تشبه «نهر كبير له عدة فروع، وله انسياب طويل يصب فى بحر، وتستخدم فى الأدب دلالة على الوفرة والانسياب» ويُعدُّ نجيب محفوظ هو أول من كتبها فى الأدب العربى الحديث فى ثلاثيته الأشهر« قصر الشوق وبين القصرين والسكرية» وتوالت بعده الروايات العربية التى نطلق عليها رواية أجيال والتى تتناول سيرة حياة أجيال عدة فى أسرة واحدة أو عدة أسر بداية من الجد حتى الحفيد. وتعتبر رواية السعودى عبد العزيز الصقعبى «اليوم الأخير لبائع الحمام»، الصادرة عن دار أثر، رواية أجيال بامتياز، حيث يستهلها بسردية الابن الذى أراد أن يغير اسم ابنه فى حضرة والده تاجر«الزل والبشوت» يغيره من «دخيل الله» إلى«دخيل» لتخفيف الاسم، ثم ينطلق السرد ليستعرض الكاتب سيرة حياة أسرة« الضباوى» فى مدينة الرياض مع الحرص بالضرورة على استعراض سيرة حياة المدينة منذ خمسين عاما مع بداية قيام الدولة السعودية الحديثة وحتى الألفية الثالثة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التى طرأت على المجتمع.

يمثل دخيل الله الضباوى شريحة كبيرة من سكان هذه البقعة من الجزيرة العربية والذى يرصد الكاتب من خلال سيرته سيرة مجتمع مرّ بتغيرات ديموغرافية كثيرة:« مانع أبو دخيل، وعليان أبو راشد قريبان جدا من دخيل الله، وربما هذا القرب ليس لكون مانع هو الابن الأكبر وعليانا بن أخيه وزوج ابنته الكبرى فقط، ولكن ثمة تشابها بينه وبينها، وثمة توافق، وربما تكامل، فهؤلاء الثلاثة يمثلون رأس الهرم لعائلة كبيرة من أبناء وأحفاد وأبناء عم وأبناء خال، والبقية يكملون ذلك المثلث، وإن اقترب للقمة كل من عاشق نوح ابنى دخيل الله، ولكن يبقى لكل واحد حكايته الخاصة التى قد تبتعد قليلا عن عالم دخيل الله الضبادى. لتكون جزءا من سيرة طويلة بدأت مع ولادة دخيل الله الضبادى، وأكملها دخيل بن مانع بن دخيل الله الضبادى. بين الجد والحفيد سيرة قد يعرفها البعض، فى حيّ يُسمّى بالصالحية، فى الجنوب الشرقى من وسط الرياض. هذه الرياض الشاهد الصامت لأناس يمارسون حياة خاصة فى أحيائها، بعضهم لم يغادر أعماق المدينة، والآخر قذفته السنوات إلى الجهات الأربع شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فاختار كل اتجاه طبقة خاصة»(ص12).

يغير مانع اسم ابنه إلى دخيل ويزوجه من ابنة أخته سعاد، ابنة عليان، ويصر الجد على أن يعيشا معه حتى بعد وفاة زوجته «يمة فطيمة» الجدة.

 تختلف مسارات ومصائر الشخصيات المتناسلة، أبناء وأحفاد دخيل الله، ويستمر زمن السرد حتى يطلق دخيل بن مانع الحمام الذى كان يربيه فى بيت الجد فى الصالحية مع لحظة انعتاق روح الجد دخيل الله الضبادى وصعودها رفقة الحمام إلى السماء.

إنها سيرة الإنسان فى المكان/الرياض، وما جرى عليها من تغيرات ديموغرافية شديدة التقلب:« هذه الرياض المملوءة بأسرار الناس تبقى مكانا يحتفى بالسادة والعبيد، الأغنياء والفقراء،الناجحين والفاشلين، وبكل تأكيد تحتضن العديد ممن آثر أن يكون على هامش الحياة، يولد ويموت دون أن يحرك ساكنا فى عالم يموج بالمتغيرات. قد تختزن الرياض سيرة البعض، لكن المؤكد أن سيرة آل الضبادى تحكى قصة بعض الناس، ولكن قد لا تضيف شيئا لحكاية المدينة»(ص13).

جماليات السرد فى الرواية

إن الهوامش والعتبات النصية مدخل مهم من مداخل قراءات النصوص الروائية؛ إذ أصبح ينظر إليها بوصفها نظاماً سيميائياً وإشارياً دالاً ومكوناً جوهرياً من مكونات أى نص أدبى شأنها شأن بقية المكونات الأخرى التى تدخل فى شكل بنية أى نص وفى بناء شعريته، فليست مجرد نصوص يأتى بها الكاتب إلى فضائه النصى كحلية جمالية، بل لها خطاب لا يقل أهمية عن خطاب المتن الروائى.

لذا أفاد الصقعبى من خطاب العتبات وعرف كيف تتفاعل نصيا مع بنية النص فى الفضاء السردى؛ 

ليحدث تعالقات نصية لها خطابها الذى يجادل النص الماثل.

بدأ النص بتصديرين، دالين على عالم الرواية، ثم اتخذ من عتبة التصدير تقنية جمالية ليبدأ بها كل فصل من فصول الرواية، يقول فى التصدير الثانى، حيث جاء التصدير الأول آية قرآنية افتتح بها النص، لكن المفتتح الثانى الذى يمثل إشارة دالة على شخصية بائع الحمام، يقتبس من «صبح الأعشى: القلقشندى» :« ما رأيت أعجب من هاتف الحمام: سلم فناح، وصمت وهو مكسور الجناح، إنما الشوق لم يذكر فى كل حين، ولا يذهله مضى السنين»(ص5).

ومع بداية كل نص يكتب جملة أو عدة جمل مفتاحية تتحول إلى إشارة دلالية على محتوى النص وما يحمله من مكامن المعنى. الفصل الأول الذى يعتبر «تقدمة» سردية للعلاقة التى ربطت هذه الأجيال بداية من الجد وانتهاء بالحفيد:« أنت الأول

أنت الأعمق

كل العالم يقبع فى الأخير!»(ص7).

كما أفاد الكاتب من ضمير «الراوى كلى العلم» فى أن يتتبع سيرة العائلة المتناسلة، الجد دخيل الله ثم الأبناء مانع وعاشق ونوح والأحفاد انتهاء إلى دخيل الحفيد الذى حرر الحمام وحرر روح الجد لتنطلق إلى مسارها الأخير، فضمير الراوى كلى العلم يتيح للكاتب الانتقال فى الزمان والمكان ليسرد لنا واقع الشخصيات النفسى وعلاقاتها التى تحدث جدلا روائيا.

ورغم طول النص إلى حد ما(225) صفحة إلا أن اللغة السردية تمتعت بالسلاسة والعذوبة مما يتيح لقارئ ما أن ينهى قراءتها فى حلقة متصلة دون أن يعانى كثيرا من الحشو والفيض اللغوى الذى لا يخدم المعنى العام للنص.

الخطاب الرؤيوى

راهن الكاتب فى روايته على جرأة محمودة ومقبولة فى كشف المسكوت عنه فى المجتمع من قضايا تتعلق بالدينى والاجتماعى والنفسى، فنجده يكشف المسكوت عنه فى العلاقة بين المركز والهامش الدينى فى المجتمع، العلاقة بين السنة والشيعة، فأحد أحفاد آل الضبادى ينتقل للمنطقة الشرقية فى المملكة ويتزوج من شيعية، فيثير ذلك حفيظة المتشددين دينيا من الأسرة السنية المعتقد. كما أن انخراط بعض الأحفاد فى جماعات دينية متطرفة ساهم بعضها فى ضرب برجى التجارة العالمية وجلب الدمار على المنطقة من أهم القضايا التى عالجها.

 كما جادل الكاتب الهم السياسى وخاصة اجتياح صدام حسين للكويت وما نتج عنه من وجود أمريكى فى المملكة، وخاصة مدينة الرياض، والعلاقة بين العرب وأمريكا. ولم يغب عنه بالطبع أن يبحث عن قضية الجندرية ووضعية المرأة بين المركزية والتهميش من خلال تعرضه لقضية قيادة السيارات وخروج المرأة للاحتجاج أو حتى للعمل. وأخيرا جاءت القضية التى تطلبت منه مزيدا من الجرأة وهى قضية المثلية الجنسية ونظرة المجتمع لها من خلال قصة طارق بن عاشق حفيد الضبادى الذى اختلفت ميوله الجنسية نتيجة لاختلاف تربيته عن تربية بقية الأحفاد.

وهكذا طرح الكاتب قضايا شائكة وناقشها بهدوء دون أن يلجأ للغة مباشرة أو إخبارية، إنما جاءت فى تلافيف السرد وكان لها منطقها الجمالى الخاص، حيث تجادل الجمالى مع الرؤيوى فى نص له خصوصيته وتميزه.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة