الابن
الابن


قسوة الأب.. اغتالت براءة الابن

أخبار الحوادث

الأحد، 02 يناير 2022 - 01:49 م

فى ريعان شبابه، كان متطلعا إلى ما عند غيره، غير راضٍ بما عنده، هذا ما جلعه يسلك أى طريق يرى فيه مال، بصرف النظر عن حرمانية هذا المال من عدمه، المهم هو أن يكنز ما يستطيع، ولإن الله يمهل ولا يهمل؛ أمهله مراتٍ عديدة، وفى كل مرة كان ينذره، وهو على عينه غشاوة لا يرى إنذار الله له، منها ما كان قبل ثلاثة أشهر، عندما ابتلاه الله بمصيبة سرقة بعض البضاعة من محله كانت تقدر بنحو 20 ألف جنيه، لكن عندما عرف السارق ابتز أهله وطلب منهم دفع 80 ألف جنيه ثمن البضاعة، وكان جزاء ذلك أن ابنه الأكبر توفي بعد أيام قليلة من استلام أبيه المال، بعد مشاجرة بينهما. تفاصيل هذه الواقعة ترويها السطور التالية.

نشأ محمد في بيئة متوسطة، لكنه كان دائمًا ما يشغله المال، وهو ما جعله فى الكثير من الأحوال ناقما على بيئته، وحياته، ووصل نقمه حتى على أفراد أسرته.

الأمور تسير بشكل طبيعي فى قريته، الصباح ككل صباح، الفلاحون يعملون فى الأرض بعد شروق الشمس، وهو يرفض أن يذهب مع والده إلى الأرض الزراعية، رافضًا عمله فيها وناقمًا حتى على الذين يعملون فى الأرض، متحججًا بأن ربحها قليل، وهذا الربح لا يساوى عشر الجهد والتعب المبذول فيها.

عليه سافر إلى القاهرة حتى يعمل فيها، وانتقل من عمل إلى عمل، ومن مكان إلى مكان، حتى جاءته سفرية إلى إحدى الدول العربية، وبالفعل سافر قرابة العامين، وعاد بعدها بخفي حنين، اللهم إلا زيجته التى استطاع أن يتكفل بنصفها فيما ساعده والده فى النصف الآخر.

لم ينته الأمر على هذا، الكل يعلم حاله، وحالته المادية، لكن فى لحظة دخل قريته يقود ميكروباص جديد، قال أنه يمتلكه، حتى أسرته كانت لا تعرف أهو حقًا ملكه أم لا، واشتغل عليه فترة زمنية كبيرة، يسافر بالركاب من قريته إلى القاهرة والعكس، لم يمر على هذا الحال أكثر من عام حتى اشترى غيره، وأصبح يمتلك عدد لا بأس من السيارات.

حامت حوله الشبهات، وكثرت الأقاويل، وهو يسير فى طريقه غير عابئ بما يدور حوله، ولم ينف تلك الشائعات، بل أكدها فى مرات كثيرة، ودون الخوض فى تفاصيلها، لم ينف كون مصدر ماله من الحرام!

ثراؤه السريع هذا كان محور شك كبير، وتفاصيل عملياته المشبوهة أصبحت حديث الناس كلهم، لكن كان وجهه مكشوفا، لا يخشى مما يفعله، ولا يرجع عن ما سار فيه.

افتتح محل عطارة فى أحد شوارع الهرم، واستقطب عمالا فيه من بلدته، ظنًا منه أنهم لن يسرقوه، ولكنه كان بخيلا فى التعامل معهم، وكثيرًا ما يأكل حقوقهم، يطلب منهم أعمال شاقة فوق أعمالهم، ولأنهم صغار كانوا يرضخون لأوامره، لكن أحدهم بعدما اتفق مع بعض زملائه قرروا فيما بينهم أن يسرقوه، جزاءً عن ما فعله ويفعله معهم.

بالفعل سرقوا بعض بضاعته الموجودة فى المخازن، ولأنهم لم يكونوا على دراية بالسرقة وقعوا بسهولة فى شر أعمالهم، وتم التعرف عليهم، وبالفعل حرر محضرا ضدهم وتم القبض عليهم.

كان أهل هؤلاء العمال فور معرفتهم بما حدث ذهبوا إليه يترجوه بأن يتنازل عن القضية فى سبيل دفهم المبلغ كاملًا، عندها فكر فى طلبهم، وقال لهم بأنه على استعداد بأن يتنازل عن المحضر فى سبيل دفع 80 ألف جنيه، بالرغم من أن المدون فى المحضر أن البضاعة التى سرقت لا تقدر بأكثر من 20 ألف جنيه، لكنه طلب فوق الضعف ثلاثة أضعاف، ولم يفلحوا معه فى أن يخفضوا هذا المبلغ شيئًا.

بالفعل جمع أهالى العمال المبلغ على مراحل، ودفعوا له فى كل شهر مبلغ معين، وكان الشهر الماضر هو آخر دفعة دفعوها له.

بعد أن آخذ الأموال تنازل عن المحضر وانتهى الامر، لكن كان الكثير من أهل القرية غاضبين منه لاستغلاله هذا الموقف، لم يرحم مقدرة ذوى العمال المادية الضعيفة، والتى لأجلها يعمل هؤلاء العمال العمل عنده حتى يستطيعون أن ينفقوا على أنفسهم وأهلهم.

بعد شهر من هذه الواقعة، وبعد أن انتهى الناس من الحديث عنها وعن تفاصيلها، هدأت الأمور بعض الشيء، لكن كان فى الخفاء شيئًا ما مستترًا، شيئا مفزعا وأمرًا لا يحمد عقباه.

إنذار

على أعتاب الشهر الماضي، لم يجد محمد أى أحدًا يعمل عنده بعد تلك الواقعة السابقة، فلم يجد أمامه غير ابنه، صاحب الـ 14 عاما، والذي يدعى «أحمد».. لكن الأبن لم يكن يسير على خطوات أبيه، بل كانت بينهما الكثير من المشاكل التى لا حصر لها، ولم يكن بينهما أى توافق.

ولذلك بعد أن نزل أحمد للعمل في محل أبيه زادت المشاكل أكثر فأكثر، ولم يستطع محمد أن يحتوي ابنه وتصرفاته، بل كان سريع الغضب، وكان كثيرًا ما يضربه ضربًا مبرحًا، ويعامله أسوء معاملة، حتى أنه فى مرات كثيرة يضربه أمام الناس، ولا يراعي موقف الصغير وأثر ذلك على نفسه.

كانت العلاقة بينهما تنذر بنهاية غير متوقعة، أو قل، نهاية مفجعة، تفاصيلها غامضة ولكن ملامحها واضحة، وضوح رآه الجميع، وهو أن لطريق المال الحرام نهايات مأساوية. وتلك كانت نهاية منهم.

فى أول هذا الأسبوع، نشبت مشكلة بين الطفل وأبيه، مشكلة كبيرة رأى فيها الأب أن يقعد الأبن عن العمل، ويعود إلى البيت. عاد أحمد إلى البيت ولكنه كان خائفًا من رد فعل أبيه خوفًا كبيرًا، حتى أنه مكث على هذا الحال يومين استغلا فيه أن أبيه غير موجود فى المنزل ولا يخرج من غرفته، لكن بمجرد ما أن سمع صوت أبيه، حاول المغادرة قبل أن يقع بينهما خلاف وقبل أن يضربه أبيه كالمعتاد، لكن لم يفلح فى ذلك، بل أنه قبل أن يخرج من البيت لمحه أبيه وأمسكه، وضربه ضربًا أكثر من ذي قبل، ولم تفلح أمه أو إحدى إخوته فى أن يخلصوا الأبن من بين أيدي أبيه.

بعد ذلك دخل الأبن غرفته غارقًا فى دموعه، وأثر ما تعرض له على نفسيته واضحًا، نام على السرير وهو يكاد يستطيع أن يأخذ نفسه بصعوبة، لكن لم تكن ذلك إلا طريقة من طرق خروج الروح، وبعد لحظات مات الطفل وفارق الحياة وهو بعد لم يبلغ شبابه. مات معلنًا أنه جاء منحة لوالده ولكن رحل محنة له، تضاف إلى الكثير من محناته التى تسير فى طريقها إليه، بعدما دخل جوفه مالا ليس بحلال. وفاة ابنه الكبير كان إنذارا من الله له، لكن هل يتعظ؟ ربما.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة