محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

مذكرات الفقى.. التاريخ رواية ممتعة

محمد الشماع

الثلاثاء، 04 يناير 2022 - 06:19 م

مذكرات د.مصطفى الفقى كادت تخلو من الاخطاء والمحاذير التى تصيب كاتبى المذكرات الشخصية.تلك المحاذير التى تقلق المؤرخين الباحثين الذين يعتمدون على المذكرات لكتابة التاريخ

المذكرات التى طرحها المفكر والسياسى والدبلوماسى الكبير مفكر الدولة الدكتور مصطفى الفقى تمتزج فيها الرواية والسرد والتفاصيل الآخاذة عن أحداث ووقائع يرويها بطريقته وأسلوبه الخاص وقلمه الرشيق عن الشخصيات المتعددة التى قابلها وتعامل معها، وكيفية تعامله مع كافة التوجهات من سياسيين ودبلوماسيين ومفكرين ورؤساء وزعماء دول وأصحاب الرأى.

على الرغم من أن المذكرات تغلب عليها طبيعة الذكريات الحرة غير الموثقة إلا أنها ممتعة وتكشف عن ثراء شخصية الدكتور الفقى الذى اقترب من أهم الأحداث طوال خمسة عقود من أهم وأخطر فترات تاريخ مصر كان فيها د.الفقى مشاركاً وفاعلاً ومؤثراً فى تلك الأحداث بالنصح والمناقشة وتقديم المعلومة الصحيحة والرأى الصادق.

 تحكى مذكرات د.مصطفى الفقى «الرواية.. رحلة الزمان والمكان» التى صدرت مؤخرا ظروف تعرض د.الفقى لمؤامرات شخصية ووظيفية تطيح بأعتى الشخصيات إلا أنه أفلت منها بذكائه السياسى الفطرى من مواقف ومؤامرات كادت أن تكلفه حريته لفترة زمنية طويلة!
 شخصية د.الفقى ثرية متعددة الثقافات والخبرات ساعدته المناصب التى تولاها على تخطى العقبات والصعوبات ليظل نجماً على مسرح الأحداث.

ثلاث عهود وخمسه عقود

المذكرات تناولت الأحداث بموضوعية وشفافية حتى التى أخطأ فيها وتميزت بالجرأة وشجاعة الاعتراف ببعض أخطائه، كما توارى خلف الأحداث والمواقف ولم ينسب لنفسه أدواراً بطولية لم يقم بها، كما وجه عدة سهام لمن اعتبرهم خصوماً أو منافسين ناصبوه العداء.. صاحب الرواية اخترق عهود عبد الناصر مراقباً والسادات مشاهداً ومبارك مشاركاً.. أنصف السادات ولم يدن عبد الناصر ووضع ملاحظات على فترة حكم مبارك. مذكرات د.الفقى كادت تخلو من الأخطاء والمحاذير التى تصيب كاتبى المذكرات الشخصية، تلك المحاذير التى تقلق المؤرخين والباحثين الذين يعتمدون على المذكرات لكتابة التاريخ.
 يقول د.الفقى: سلكت فى كتابة المذكرات اتجاهاً جديداً ومختلفاً عن تمجيد الذات حتى أكون صادقاً أمام ضميرى وآثرت أن أكون صادقاً لا أنحاز ولا أتحدث بادعاء كاذب واعتمدت على طريقة أعطى القارئ نبذات صغيرة عن الموضوعات ولا أفرض رأيا على القارئ فجاءت كما يراها القارئ معبرة عن الواقع منصفة للأموات قبل الأحياء..

أضاف: أنا من الذين أنصفوا مبارك بشكل لم ينصفه أحد وقلت بوضوح أنه كان حاكماً وطنياً حتى النخاع وقاد سلاح الطيران ونجح فى مهمته، وقد رأينا الكثير من الأكاذيب والبعض حذف صورة الفريق سعد الدين الشاذلى من غرفة قيادة الحرب.. كذلك حدث مع مبارك!

الرواية عشرون فصلاً ومقدمة ضافية وخاتمة بالخلاصات والدروس المستفادة يسرد فيها الفقى مسيرته بحس روائى ممتع وخفة ظل ويجعل من مفردة الرواية التى اختارها عنواناً لحياته، مفردة فى مكانها، يسرد د.الفقى ما يتجاوز الـ 75 سنة من حياته وحياة مصر دون أن يغفل أى تفصيلة مهمة أو يغض الطرف عن لحظة شائكة أو يشيح بوجهه عن واقعة اشكالية، ما يجعلنا أمام مسيرة ليست فقط شفافة لكن شجاعة إن جاز التعبير، يكتب د.الفقى بصدق البوح وببراءة الاعتراف ليقدم وثيقة تاريخية حقيقية مدعومة بصور نادرة تمثل ألبوماً من السنوات المبكرة إلى اليوم.

النوم يقظاً !
 كشفت المذكرات عن عدد من الموضوعات التى تخص د.الفقى وهى أنه «يغلق عينيه يقظاً» أثناء الاجتماعات وهى التى اعتمد خصومة فى استخدامها ضده ويرد على ذلك بتلك الواقعة الغريبة أثناء اجتماع الرئيس الأسبق مبارك بقيادات الأحزاب السياسية وكان يجلس بجانب الدكتور وحيد رأفت وطال الاجتماع كثيراً، يقول: غفوت للحظات وهذه عادة معروفة عنى إلا أننى أتابع كل ما يدور رغم ذلك وكثيراً ما كان الرئيس يفاجئنى بأسئلة وأنا فى تلك الحالة، فكنت أنتبه على الفور، وأجيب عليها بشكل يثير دهشة الحاضرين وهو ما حدث فى هذا الاجتماع.. يومها دق د.وحيد رأفت بالقلم بهدوء متصوراً أنه يوقظنى من سبات عميق، فقلت له يا أستاذى العظيم أننى أعمل من الثامنة صباحا حتى العاشرة مساء بدون انقطاع، فلابد من غفوات استرخاء عابرة.. وضحكت مع القانونى الكبير.. وتلك العادة تملكتنى لأننى أنتمى إلى نوع من البشر، إذا طال الحديث أمامه وأصبح رتيباً مكرراً فإننى أغلق عينى يقظاً، حيث يبدو لمن يرانى أننى نائم، وظلت تلك عادتى منذ الطفولة.

كما عرفت شخصيات لديها مثل هذه الظاهرة النادرة نفسها أذكر منها د.يوسف والى نائب رئيس الوزراء الأسبق الذى كان يبدو أمامنا فى جلسات مجلس الشعب وكأنه نائم فى سبات عميق، بينما هو كامل اليقظة متقد الذهن حاضر البديهة.. إنها منحة إلهية أحمده عليها تفنن خصومى فى استخدامها فى محاولة للتشهير بى أحياناً. وقد التقط لى بعض المصورين الصحفيين صوراً فى البرلمان وأنا أغفو يقظاً كالمعتاد. كما أن خصومى فى الانتخابات البرلمانية يرفعون هذه الصورة فى محاولة للنيل منى، ولكنها كانت تؤدى إلى العكس.

الربع الخالى
 وأضاف: أتذكر أن السفير البريطانى الأسبق قال لى ذات مرة إن لديهم فى مجلس اللوردات مربعاً خالياً يغفو فيه الأعضاء عند الضرورة لأن جلسات المجالس النيابية تمتد أحياناً لساعات طويلة، ويصبح الاسترخاء لعدة دقائق أمراً يجدد الحيوية، ويجعل المرء قادراً على التفكير السليم.

ويحكى د.الفقى أنه كان مرافقاً للرئيس الأسبق مبارك فى زيارة له إلى مدينة أسيوط وبينما كان يجلس على المنصة فى القاعة الكبيرة أمام مئات الحاضرين من الشخصيات العامة والمهمة، قطع حديثه فجأة ونظر إليَّ فى الصف الأول أمامه قائلاً: إن مصطفى الفقى قد نام.. فانتصبت واقفاً بين ضحكات الحاضرين وتصفيقهم المتواصل. ثم سألنى الرئيس عن أحد الأرقام فى ميزانية الدولة، فوجدنى جاهزاً تماماً فصفق الحاضرون مرة ثانية.. ومع ذلك شعرت يومها بخجل شديد.. وأصبحت هذه القصة إحدى نوادر مؤسسة الرئاسة فى ذلك الوقت.

ويضيف: وحكى لى دبلوماسى زميل لى كان يعمل فى السفارة المصرية فى فرنسا أن المشير الراحل عبد الحكيم عامر قد زارهم ذات مرة وفى أحد اللقاءات الكبيرة غفا المشير «عامر» لدقائق قليلة وهو على المنصة، بفعل الإرهاق الشديد الذى كان يشعر به نتيجة الترتيبات الطويلة لتلك الزيارة المهمة.. وقد كان لقاؤه مع الطلاب المصريين هو واحد من الحوارات المهمة بينهم وبين مسئول كبير من أبناء وطنهم فى الخارج ويتذكر د.الفقى أسفاره مع عمرو موسى عندما كان وزيراً للخارجية «كنت مساعداً له أنه كان يقتنص بعض لحظات الهدوء فى المؤتمرات الكبيرة ليلبس نظارة سوداء تسمح له بأن يغلق عينيه، لدقائق، تجدد النشاط وتريح الذهن.. وقد كنا نسمى تلك النظارة السوداء «البيجامة» تعبيراً عن ارتباطها بالنوم».

النوم فى المعارك
 ويقول: كما سمعت عن السياسى البريطانى  الداهية «ونستون تشرشل» أنه كان يمارس عادة الاسترخاء نوما أثناء الجلسات المهمة بسبب الإرهاق الشديد والضغوط الكبيرة على بلاده فى غمار الحرب العالمية الثانية، خصوصا عندما كان يخاطب الشعب البريطانى قائلا:
 «لا يوجد لكم عندى إلا مزيد من العرق والدموع والدم» ويختتم د.الفقى بمعلومة قرأها فى سيرة نابليون بونابرت أنه كان ينام وهو يمتطى حصانه من أجل دقائق يختلسها فى غمار المعارك أثناء الحرب.. إنه النوم أثناء العمل ولكنه نوم مسئولين كبار!

أبناؤنا فى الخارج
 أبناؤنا المصريين العاملين فى الخارج لديهم مشاكل وصعوبات فى التعامل مع السفارات والقنصليات المصرية فى الدول التى يعملون بها، خاصة أن الكثيرين من أبنائنا فى الخارج يعزفون عن الذهاب إلى سفاراتنا وقنصلياتنا المصرية فى الخارج، رغم تعدد جهات الإشراف على أبناء المصريين العاملين بالخارج والتى تصل إلى ثلاث وزارات هى الخارجية والقوى العاملة ووزارة الهجرة والعاملين بالخارج، إلا أن البعض يرفض تسجيل اسمه بالسفارات بسبب الصعوبات التى يتعرض لها للحصول على إحدى الخدمات التى هو فى أشد الحاجة إليها، خاصة إذا تعرض لمكروه أو أزمة، رغم كل ذلك فإن حبهم لوطنهم مصر لا يفارق قلوبهم وعقولهم، بدليل أن تحويلاتهم المالية إلى مصر لا تتوقف بل تتزايد وبلغت ٣٠ مليار دولار فى أقل من عام، وهو أعلى مصدر للعملة الصعبة فى مصر..  إذا حدثت لأحدهم مشكلة فإننا نعرفها فوراً من وسائل التواصل أو الفضائيات وليس عن طريق السفارات أو القنصليات و أن التحرك لحلها يبدأ من القاهرة وليس من السفارة أو القنصلية أو مكاتبها المتعددة!

قالوا..
- الصدق عمود الدين.. وركن الأدب وأصل المروءة..  د.إبراهيم ناجى
- ليس كل سقوط نهاية.. فسقوط المطر أجمل بداية..  المهاتما غاندى
- جذوة التعليم مُرة.. ولكن الثمار حلوة.. أرسطو

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة