أسامة عجاج
أسامة عجاج


العراق.. قرن من الآلام والدموع

أسامة عجاج

الخميس، 06 يناير 2022 - 05:57 م

العراق دولة (تمرض)، -وقد يطول المرض- ولكنها أبدا لا تموت، حيث احتفلت بمئويتها منذ أيام، تعرضت خلالها لحروب وأزمات وتحديات كل عشر سنوات أو أكثر.

العراق، وما أدراك مع العراق، والذى كان يسمى قديما بلاد النهرين، وصل به الحال الى تلك المأساة الإنسانية التى يعيشها الشعب العراقى، وحفلت بها أرقام التقرير الذى اصدرته مفوضية حقوق الإنسان المستقلة، اعتمادا على ارقام اليونيسيف، وتوافق مع احتفالات الدولة بمرور قرن على قيامها، وكشف عن  وجود اكبر نسبة من الأيتام فى العالم بالعراق، ويصل العدد الى ٥ ملايين يتيم، بما يمثل خمسة بالمائة من ايتام العالم، كما تبلغ نسبة ذوى الإعاقة أكثر من ١٣ بالمائة، ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف، إلا أن منظمات غير حكومية ترفع الرقم الى ٤ ملايين، و٤ ملايين ونصف طفل ترزح أسرهم تحت خط الفقر، حيث نسبة الفقر تصل الى ربع عدد السكان، وحاجة البلاد الى ثلاثة ونصف مليون وحدة سكنية، وحاجة البلاد الى ٣ ونصف مليون وحدة سكنية.

مكانة خاصة
للعراق دولة وشعبا مكانة خاصة فى نفسى، فقد كانت بغداد وجهتى الأولى فى اول مهمة صحفية خارجية فى يوليو ١٩٨٣، والتى تكررت عشرات المرات منذ ذلك التاريخ وحتى الآن وأدين لها بالفضل، بأن تطورات الأحداث بها منذ اول زيارة كانت سببا رئيسًا فى ترسيخ عملى كمراسل عسكرى، ومهتم بالشأن العربى، وظل الشأن العراقى اولوية لعملى، ففى يوليو ١٩٨٣، جاءتنى دعوة دون سابق معرفة من وزارة الاعلام العراقية عبر مكتب رعاية المصالح العراقية فى القاهرة، بزيارة العاصمة بغداد للاطلاع على مجريات المعارك المحتدمة مع ايران، منذ بداية سبتمبر ١٩٨٠، وكانت اول تقاريرى بعد العودة عن استعراض كامل لشكل العمليات على جبهات القتال من الجنوب حيث البصرة، الى الشمال حيث منطقة حاج عمران، وخلال سنوات طويلة لم يكن يمر شهر وحتى أكون هناك على الجبهة، مع أى تطور جديد أو معركة من المعارك، أنقذنا الله من الموت فى العديد من المرات، نتيجة تواجدنا مع عدد من الزملاء الصحفيين من جميع انحاء العالم فلا منطقة عمليات اندلع فيها القتال فجأة، وكان فضل الله علىّ كبيرا، فقد فزت بجائزة اول مسابقة لنقابة الصحافة عن اعمال عامى ١٩٨٣ و ١٩٨٤، عن التغطية الخارجية وكانت عن زيارة قمت بها الى معسكر فى الرمادى فى وسط العراق، يضم الأسرى من الأطفال الايرانيين استمعت الى شهادتهم عن (مفاتيح الجنة) التى حصلوا عليها من قادتهم، بعد اقناعهم انه فى حالة استشهادهم، فمعهم اداة دخول الجنة، وضمت لجنة الأشراف والتحكيم، رموزا صحفية بوزن الراحلين احمد بهاء الدين  وصلاح حافظ، محمود عوض، مصطفى بهجت بدوى، والنقيب الأسبق ابراهيم نافع.. واستمرت زيارتى حتى آخر المعارك فى الزبيدات، والتى نال فيها الجيش الإيرانى هزيمة ساحقة، جعلت الإمام الخمينى فى يوليو ١٩٨٨، يعلن (تجرعه للسم) والقبول بقرار مجلس الأمن رقم ٥٩٨ والخاص بوقف إطلاق النار،  المعارك ونتائجها كانت كارثية، فقد لا يعرف بدقة اجمالى عدد الضحايا، إلا ان التقديرات تتراوح ما بين  مليون ومليونى شخص، وخرج البلدان بخسائر تصل الى ٤٠٠ مليار والمباشرة ٢٣٠ مليار دولار.

أم الكوارث
وكما ظلت أسباب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية مجهولة، وحقيقة الدور الذى لعبته دول كبرى فى الإسراع بالمواجهة مبكرا، فنفس الأمر ينطبق على (ام الكوارث) غزو العراق للكويت، حيث خرج مليون مجند من الخدمة، يحتاجون الى فرص عمل،  ومساكن وجيش كبير، شهدت قدراته فى العرض العسكرى فى يناير ١٩٩٠، فى الاحتفال بيوم الجيش، والذى حضره كل وزراء الدفاع العرب، ترافق ذلك مع انهيار اقتصادى بفعل خسائر الحرب وانخفاض اسعار البترول، فوجدت القيادة العراقية دوليا من يشجعها -وفقا لمخططاتها السابقة وجاهزة للتنفيذ، ان يغزو الدولة الجارة الكويت، ومن يريد ان يعرف المزيد فعليه ان يقرأ كتاب (القادة) لكولن باول رئيس الأركان الامريكى فى ذلك الوقت ،الذى قالها بوضوح بأنه (تم تكليف الجنرال تشوسكوف الذى عين قائدا لقوات التحالف الدولى، لتنفيذ المهمة التى قام بالتدرب عليها لسنوات طويلة، منذ انشاء قوات التدخل السريع فى بداية الثمانينيات، وقال باول (ان كل ما فعله تشوسكوف انه جاء بالخطة من على الرف) ،وقد تم تحديد مهامها للتدخل فى منطقة الخليج تحديا، وفقا لتقرير من إحدى لجان الكونجرس ترجمه للعربية الاستاذ عبدالهادي ناصف،  واشار الى ثلاث حالات، ان يكون هناك تدخل من الاتحاد السوفيتي، يؤثر على مصالح الغرب فى اى من دول الخليج، او من دولة مجاورة للخليج، مرشح لها –هكذا جاءت بالنص- العراق او اليمن الجنوبى، وكان النظام هناك ماركسيا تابعا للاتحاد السوفيتى، أو أن يحدث خلاف داخل أى من الاسر الحاكمة، يضر بمصالح الغرب، ولكن صدام حسين  (ابتلع الطعم)، وبدأت العمليات فى ١٤ يناير ١٩٩١، كما حددت واشنطن ولم تستمر سوى اسابيع حتى حققت مهمتها فى ٢١ فبراير، وفرضت علىّ الظروف ان أغطى تلك المعارك من الجهة الثانية من العمليات ،من منطقة حفر الباطن القريبة من الحدود العراقية الكويتية، مرافقا للقوات المصرية المشاركة فى حرب تحرير الكويت ، وكلى ألم، مع كل ضربة جوية من القوات الأمريكية لإحدى منشآت العراق الحيوية، كبارى وقواعد وغيرها فبعضها لى ذكريات فيها.    

وكأنها لعبة القدر، الذى فرض على العراق ان يدخل ازمة لتلد له ازمة أخرى، كل عشر سنوات فى ١٩٨٠ تبدأ الحرب مع ايران، وفى ١٩٩٠  يبدأ الغزو وخسائر الأخير مرعبة، وأرقامها مذهلة، بند التعويضات العراقية للكويت، اكثر من ٥٢ مليار دولار،  والمصادفة كانت فى اعلان محافظ البنك المركزى العراقى منذ أيام، استكمال دفع المبلغ.

العشرية الثالثة السوداء
خرج العراق من الكويت، والتى تم تحريرها ولكن المخطط مازال مستمرا، فقد دخلنا (عشرية جديدة من الأزمات) بدأت من فبراير ١٩٩١ وحتى ابريل ٢٠٠٣، حصار اقتصادى، وبدء عملية النفط مقابل الغذاء، فى اذلال متعمد للشعب العراقى، وهجمات عسكرية اتخذت اسبابا عديدة، وكلها اختلافات وأكاذيب، وقاومت الرغبة فى زيارة العراق طوال سنوات، حفلت بوفود مصرية شعبية، (ظاهرها)  دعم الشعب العراقى، (وباطنها) المتاجرة بمعاناته من رجال اعمال، وعدتُ بعد ثمانية سنوات، هذه المرة مرافقا للراحل الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام للجامعة العربية،  فى الرابع من فبراير ١٩٩٨، يومها شهدت بغداد أخرى، حزينة موحشة مظلمة، بفعل توفير الطاقة، وهى التى لم تكن تنام فى زمن الحرب مع ايران، وكانت الزيارة محاولة لحلحلة الأزمة بين واشنطن وبغداد.

الاحتلال الكارثى
وجاء اليوم الأسود، والذى مازال العراق يدفع ثمنه، فى ابريل ٢٠٠٣ عندما قرر مجموعة من الأشرار فى البيت الأبيض والبنتاجون، ان الوقت قد حان والثمرة قد نضجت، لحصد الجائزة الكبرى، بغزو العراق واحتلاله، لتبدأ المرحلة الأكثر سوداوية في تاريخ العراق الحديث، خاصة ان الهدف كان فقط التخلص من صدام حسين، دون أى رؤية متكاملة لليوم التالى، واعتماد استراتيجية، سعى إليها قادة من المعارضة العراقية، حظوا برعاية واشنطن بعد ١٩٩١، ومنها حل الجيش.. ووصلت حصيلة الاحتلال إلى مقتل مليون ونصف عراقى،وترمل أكثر من مليون امرأة، مع ٥ ملايين طفل يتيم، واكثر من ثلاث ملايين ونصف مغترب، وخسارة أكثر من ألف مليار، مع نفوذ.

إنها كارثة داعش
وعدت من جديد لبغداد، وهذه المرة فى الأسبوع الأول من يناير ٢٠١١، مرافقا للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وقضينا ايام الزيارة فى احد مبانى المنطقة الخضراء، وكانت الزيارة لبحث استعدادات بغداد للقمة، وكذلك السعى الى الإعداد لمؤتمر وفاق وطنى تحت مظلة الجامعة العربية بالقاهرة، فى منتصف فبراير ٢٠١١، وشهدت بغداد أخرى حتى فى زمن الحصار، (نفس طائفى) لم أره فى العراق، ومن السهولة أن تعرف أنك فى منطقة غالبية سكانها من الشيعة، من الرايات السوداء على المبنى، وشعارات حب الحسين، وكأنه عراق آخر بعد ترسيخ المحاصصة الطائفية والسياسية، ووجود اجنحة عسكرية لأحزاب سياسية، وبالطبع اندلاع ثورات الربيع العربى، كانت وراء تأجيل استضافة بغداد للقمة الى العام التالى، حيث شاركت فى تغطية اجتماعاتها مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربى، حيث اصرت الحكومة على عقدها فى بغداد فى مارس ٢٠١٢، ورفضت ان يكون فى اربيل فى الشمال لتأكيد فكرة الاستقرار الأمنى..  وبالطبع كان العراق على موعد مع عشرية سوداء جديدة، بصورة مختلفة هذه المرة، مع توغل تنظيم داعش فى الاستيلاء على الموصل اكبر مدينة عراقية، فى يونيو ٢٠١٤ ثم بقية المدن الشمالية، ووصلت الخسائر الاقتصادية من مائة مليار دولار وفقا للعبادى، ويحتاج العراق الى ازيد بكثير من ٨٠ مليار دولار، فقط لإعادة إعمار المناطق المتضررة من المواجهات.

وصفة العلاج  
 وجاءت انتفاضة اكتوبر٢٠١٩ الشعبية، كإجراء احتجاجى على ما وصل إليه العراق، طوال كل الحقب السابقة، ونشأت وتطورت بوصفها حركة شبابية لا قيادة لها، ضد استشراء الفساد وقد كشف الرئيس العراقى برهم صالح أنه تم تهريب اكثر من ١٥٠ مليار دولار، منذ سقوط صدام حسين فى ٢٠٠٣، مع ارتفاع معدل البطالة، وسوء الخدمات العامة.
فهل يعود العراق سريعا، نتمنى، فالشعب يستحق وقدراته ضخمة ولكنها ازمة المكونات السياسية المتمرسة خلف مصالحها حتى على جثة دولة ذات حضارة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة