هاشيما اليابانية
هاشيما اليابانية


حكايات|هاشيما اليابانية.. من إمبراطورية صناعية إلى مدينة للأشباح

هناء حمدي

السبت، 08 يناير 2022 - 12:30 م

هل تتخيل في عالمنا المتحضر حاليا أن هناك مدنا لا تزال مدمرة رغم كل ما توصل إليه العالم من تطور وعلم؟.. صحيح أن ما نعيشه حاليا من تطور يجعل الإجابة على السؤال تنحاز للنفي إلا أن الواقع يثبت العكس.

بالفعل لا تزال هناك مدن طالها الخراب وانتهت فيها الحياة وتحولت المساكن إلى بيوت أشباح وموطن للفئران والديدان والقطط والكلاب المنسية التي تركها أصحابها خلفها لتواجه مصيرها السيئ وحيدة.

اقرأ أيضا| حكايات| في حب الغردقة.. سائح سويسري ينظف شوارع المدينة يوميا 

من جزيرة نائية مهملة إلى إمبراطورية عظمى وفي النهاية تتحول إلى أطلال منسية تلك هي مسيرة واحدة من أشهر الجزر اليابانية والتي كانت يوما من الأيام جنة تدب فيها كافة مظاهر الحياة ولوحة مثالية للنهضة الصناعية لتتحول بعدها إلى أطلال في مواجهة أمواج البحر العاتية ليطوي التاريخ تقدمها وتطورها وتتحول وكأنها إحدى حفائر زمن ما قبل التاريخ.. تلك رحلة جزيرة "هاشيما" اليابانية التي أصبحت مدينة أشباح بعدما كانت أكثر الجزر كثافة سكانية في العالم.

وبدأت قصة صعود جزيرة "هاشيما" إلى قمة المجد على يد شركة " ميتسوبيشي" التي رأت في تلك الجزيرة الصغيرة المهملة ما يدفعها إلى شرائها من الحكومة اليابانية عام 1890 وذلك بنية تحويلها إلى منجم فحم كبير وبحلول عام 1898 حفرت الشركة منجمين في الجزيرة بلغ طول كل منهما 199 متر لتبدأ معها باكورة إنتاج الفحم وفي عام 1916 أنتجت الجزيرة حوالي 150 ألف طن من الفحم.

ولأن هدف الشركة قد تحقق بدأت التوسع في إنتاجها وبدأت هجرة الأيدي العاملة إلى الجزيرة فهي فرصة لن تتكرر يوميا حتى وصل عدد العمال في عام 1916 أكثر من 3 آلاف عامل ومع الاستقرار انتقلت عائلاتهم وصارت الجزيرة مصدر جذب لآلاف السكان لتكون أكثر الجزر حياة وتم استغلال كل قطعة ارض على الجزيرة لبناء المصانع والمنازل متعددة الطوابق.

وعلى الرغم من أنه كان من الممنوع أثناء الحرب العالمية الثانية بناء مباني متعددة الطوابق بسبب المبالغ التي كان يتم إنفاقها عليها إلا أن مباني الجزيرة وصلت إلى 9 طوابق لاستيعاب العدد الهائل من السكان.

فقد وصل عدد السكان في تلك الرقعة الصغيرة والتي اعتبرها البعض ركن أساسي في الثورة الصناعية إلى 83 ألف فرد ليفوق تعداد السكان في الجزيرة تعداد سكان طوكيو العاصمة بـ 9 أضعاف لتتحول الجزيرة من مدينة صناعية بحتة إلى مدينة حضرية غير مقتصرة على عمال المناجم.

وأمام ذلك تم فتح عشرات المحلات التجارية الكبيرة والمتنزهات والمكتبات والصالات الرياضية والمطاعم وحمامات السباحة والمعابد والمسارح لتشهد معها الجزيرة أكبر قدر من الإنتاج السنوي للفحم في تاريخها فأصبحت تنتج حوالي 410 ألف طن سنويا لتصبح بذلك أهم المؤسسات الصناعية في العالم وقتها.

ولكن مع دق طبول الحرب العالمية الثانية تم إرسال الكثير من العمال وساكني الجزيرة القادرين والمؤهلين بدنيا للمشاركة في الحرب مما ترك فراغ في القوة العاملة على الجزيرة ومن أجل التعويض وسد الفراغ أمرت اليابان بعمل أسرى ومساجين الحرب في المناجم بشكل قسري واستمر الوضع هكذا حتى عام 1945 عندما تم تدمير "هيروشيما" و"ناكازاكي" بالنووي ولم تكن جزيرة "هاشيما" تبعد عن هذه المدن المدمرة سوى 15 كيلومتر مما تسبب في زعزعة جدران المباني على الجزيرة.

وبانتهاء الحرب أطلق سراح المساجين الذين أجبروا على العمل في مناجمها ازدهرت الجزيرة من جديد فقد كان الفحم الذي تنتجه يلعب دور محوري في إعادة إعمار البلد بعد الهزيمة ودخلت بذلك مناجم الفحم في "هاشيما" حقبة ذهبية من تاريخها ولكن مع ستينات القرن الماضي تحولت من قمة المجد إلى قاع الفشل فتم التحول التدريجي إلى البترول وانخفض معه الطلب على الفحم لتعلن الشركة عام 1974 غلق مناجم "هاشيما" بصورة رسمية.

وتتغير الهجرة معها فبعد أن كانت إلى الجزيرة أصبحت الهجرة من الجزيرة أساس المرحلة للبحث عن مصادر رزق جديدة لتصبح "هاشيما" بين ليلة وضحاها من مدينة مكتظة إلى مدينة أشباح خالية من الحياة باستثناء بعض المباني ومعدات التنقيب عن الفحم التي تم تركها تحت رحمة الزمن والعوامل الطبيعية تعبث بها كيفما شاءت لتتحول معها الجزيرة إلى مصدر إلهام العديد من الأفلام السينمائية مثل فيلم "Inception" كما تم استخدام "مدينة أشباح المحيط الهادئ" في فيلم جيمس بوند "Skyfall" عام 2012 لتصوير مشاهد الفيلم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة