أخبار الحوادث فى حوارها مع عم زكى حارس الموتى
أخبار الحوادث فى حوارها مع عم زكى حارس الموتى


«أخبار الحوادث» تحاور أقدم عامل في ثلاجة حفظ الموتى بالمنوفية

أخبار الحوادث

السبت، 08 يناير 2022 - 03:27 م

إيمان البلطي

لا قيمة للدنيا وأنت بداخلها، حولك جثث من رحلوا، وكلنا بلا أدنى شك راحلون لكن لم يحن أجلنا بعد، لذلك عندما قيل في الأثر الشعبي، نحن أموات تشيّع أموات، كانت هذه الجملة هي الأكثر بلاغة وتعبيرًا عن ما يدور في نفس العاملين في مشرحة حفظ الموتى بالمنوفية، على أعتابها يكمن الألم، وبداخلها يقبع الموت، وفيها الحزن نابعًا، والدموع حاضرة، حضورها طاغي في كل قصة وحكاية، وكم هي أكثر حكاياتها.

هنا من أمام أقدم ثلاجة لحفظ الموتى بالمنوفية نحدثكم، ندخل أروقتها، ونسير بين طرقاتها، ونلتقى عامليها، ونحاور أقدم عامل فيها. ذلك الذي في جعبته قصصًا كثيرة، أردنا أنا نفندها في الحوار التالي.

منذ أن دخلها قبل حوالي ثلاثين عامًا، لم يفكر عم زكي أن يرحل، ربما لاقتناعه بأن الرحيل ضجيج بلا طحين، وأن النهاية هنا، فأراد أن  يكف عن نفسه هذا العناء، وذهب بنفسه طواعية للعمل داخل المشرحة، يكفّن الموتى ويُغسّل الجثث، ويرى كم للموت من ألم في كل حكاية كان شاهدًا عليها.

منذ متى وأنت تعمل هنا في ثلاجة حفظ الموتى؟

استلمت عملي في أوائل التسعينات، ومنذ وقتها وأنا أعمل هنا دون انقطاع، بالرغم من كثرة المحاولات معي بأن أترك عملي، وبالرغم من كثرة الفرص التى كانت سانحة لي في وظائف كثيرة، لكن قلت في نفسي، عملي هذا فيه آجران، أجر الدنيا وهذا مهما كثر قليل، وأجر الآخر خيرٌ وأبقى، ولهذا أنا هنا.

أنت تتعامل يوميًا مع الموتى، ألم تأني عليك لحظات وسكنك الخوف؟

الموت عظة، وليس هناك بعد الموت عظة، والإنسان طالما أنه قريب من ربه ويخشاه، سيزرع الله الطمائنينة في قلبه زرعًا، ولن يجد الخوف سبيله إليه. وها نحن هنا، مشاهد الموتى تحيط بنا في الـ  ٢٤ ساعة، تتعدد الأسباب، منها قتل أو انتحار أو حرق او مرض وإلى آخره، ولكن في النهاية كلها موتة واحدة، وأن أجل الله قد حان، وهذه سنة الله في خلقه.

الموتى يتحركون ويتحدثون، من كثرة ما قيل عن هذه الشائعة صدقها الناس، فهل وجدت لها خلال عملك أصلا أو دليلا؟

قصة أن الميت يتكلم أو يتحرك أو أنني سمعت صوتا في الليل كلها هواجس وليست حقيقة، الميت قد فارق الحياة ولم يعد له القدرة على الحركة أو غير ذلك، وأنا خلال عملي طوال هذه السنوات لم أشاهد ميتا تم وضعه داخل رف الثلاجة وعندما جئنا لفتح الرف وجدناه مثلا موضعه قد تغير،  فكما وضعناه نجده. كل تلك الاقاويل اخترعها الآباء والأمهات في محاولة منهم لإخافتنا ونحن صغار إن بدر منا أي شقاوة، وكبرنا عليها على أنها حقيقة. وهي محض اشاعة بعيدة كل البعد عن المنطق والعقل.

خناقة على ميت!

كيف تتعاملون مع المتوفيين بطريقة غير طبيعية؟

هذا يتطلب دائما تشريح، ونحن هنا لا نستطيع أن نقترب من الجثمان أو حتى لمسه إلا بعد أن يصدر قرار النيابة بالتصريح بالدفن، وهذا القرار يصدر عندما تنتهى النيابة من عملها، ثم بعد ذلك يأتي دورنا ونضع المتوفى في الثلاجة لحين تسليمه لأهليته. عند طريق سيارة تكريم الموتي تمهيدًا لدفنه.

احكي لي أغرب المواقف التي تعرضت لها خلال عملك؟

من المواقف الغريبة اللي مرت علينا؛ أسرة متوفى بينهم خلافات كل منهم يريد أن يأخذ المتوفى لدفنه بالمقابر الخاصة به، وحدثت مشاده بين الأهلية على مكان الدفن، حتى أن خلافهم هذا امتد إلى انتزاعهم المتوفى من بين أيديهم ما بين شد وجذب، مما أضر بالكفن. كنت وقتها شاهدًا على الواقعة، وأرى كم شغلت هؤلاء الناس الدنيا في حين أنه الأجدى أن يصلوا بميتهم له إلى قبره. أول طريق الأخرة، فإكرام الميت دفنه كما يقولون.

هل تحجرت دموعك من خلال ما رأيت أم ما زال قلبك يرق وعينك تدمع؟

بالفعل تعودت، يوميا وأن أحمل الموتى بين يدي، أدخلهم الثلاجات وأكفنهم وأقوم بغسلهم، حتى صار الأمر اعتيادي بالنسبة لي، وليس هناك أى شيء يدعو إلى غير ذلك، لكن حتى أكون منصفًا، هناك أوقات كثيرة ومرات أبكي فيها بحرقة، بل أن هناك مشاهد مبكية ومحزنة  نمر بها تجعلني أبكى بكاء القلب المكلوم. 

منها عندما أجد جثة شاب صغير السن مشنوقا أو مقتولا، وأصعبها عندما أجد جثة مشوهة، عندها أقف على الدنيا وكم هى صغيرة لا تساوى جناح بعوضة.

أحكي لي عن أصعب الفترات التي مرت عليكم؟

أصعب فترة مرت علينا كان في العام الماضي ٢٠٢٠، وتحديدًا منذ ظهور وفيات حالات كورونا، وعندما تزايدت الحالات تلقيت مكالمة تليفونية من عميد كلية طب المنوفية لأن المستشفى تتبع التعليم العالى وليست تابعة لوزارة الصحة، وأبلغني العميد أنه سيتم تغسيل مرضى كورونا عندنا بالثلاجة لأن الضغط على الطب الوقائى كثيرا، عندها التزمنا باتباع الإجراءات الإحترازية والوقائية من لبس بدلة العزل، والجونتيات، وكل شئ، بالإضافة إلى استعمال المطهرات.

ما أصعب تلك المواقف التي تعرضت لها؟

من أصعب المواقف التي تعرضنا لها، كنا  نغسل جثمان شاب متوفى بكورونا، والجميع يرتدي ملابسه كاملة، وملتزمين بكل الإجراءات الوقائية، فجأة دخل علينا والد الشاب ورفض أن يلبس شئ عازل بينه وبين فلذة كبده ابنه، ارتمى عليه واحتضنه، وقبل رأسه، ونحن نحاول بكل الطرق أن نمنعه، ونقول له علشان كورونا ياحج،  يبكي ويقول ده ضناي يا ناس ويرتمي في حضن الجثمان ويقبله لدرجة ابكت جميع الموجودين، كانت من أصعب المواقف التى جعلتني أبكي بكاءًا مريرًا.

كيف تتصرفون عندما تأتيكم جثامين لأشخاص مجهولي الهوية؟

 كثيرة هي تلك الجثث التي لم يتعرف عليها أهلها، وبالنسبة لطريقة عملنا في هذه الحالة، فإنه يتم وضع الجثمان فى ثلاجة حفظ الموتى لفترة، ثم بعد ذلك ننتظر قرارا من النيابة بالدفن بمقابر الصدقة بشبين الكوم. وفي هذا السياق تحديدًا كثرت إشاعات كثيرة عن أن هذه الجثث تذهب إلي مشرحة كلية الطب من أجل التشريح، وهي فقط شائعات ليس لها اساس من الصحة، لأن الجثث التى يتم تدريس الطلبة عليها هي هياكل يتم استيرادها من الخارج، فالمتوفى لدينا هو أمانة، وأن لله استأمنا على جثمانه لحين تسليمه لأهله، لذلك نأتي لهم بالكفن والمغسل ابتغاء الثواب من لله وطمعًا فى أن يسترنا لله حين يأتي أجلنا الذي لا مفر منه.

هل سبق أن قمتم بدفن جثمان لمجهولي الهوية وعرفتهم أهله بعد الدفن؟

حدثت بالفعل، كانت جثة مسجون متوفى بالسجن وظلت جثته بالثلاجة لمدة طويلة جدا، وخوفا من أن يحدث عفن للجثه تم دفنها بمقابر الصدقة بعد قرار النيابة، وهذا بسبب تقصير أهله بالسؤال عليه بالسجن وبعد ٣٧ يومًا جاءت أسرة الشخص لاستلام الجثمان وبالفعل تم استخراج الجثمان واعطائه لأهله.

واختتم عم زكى كلامه قائلا: أن عملنا بالمكان عمل إنساني من الدرجة الأولى، تعلمنا منه الصبر، وأن تلك المشاهد المتكررة يوميًا تقربنا أكثر من رب العزة، فأنا دائمًا ما كنت أشاهد موتى وجوههم باسمة وفرحة بلقاء لله، وكنت كل ما أرى ذلك ادعو لله أن أكون ممن يرزقهم بحسن الخاتمة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة