صورة موضوعية
صورة موضوعية


حكايات| جنائز جماعية للأطفال.. كيف دمرت حلوى النعناع مدينة كاملة؟  

هناء حمدي

الأحد، 09 يناير 2022 - 07:13 م

 

كيف يمكن لحلوى أن تتسبب في تدمير مدينة كاملة؟ يمكن أن نتخيل عدة أحداث ولكن الأكثر منطقية هو أن مصنع إعداد الحلوى ونتيجة لخطأ ما انفجر ما أدى إلى تدمير المدينة التي يقع فيها. 
 

ورغم أن هذا السبب قد يكون الأقرب إلى العقل إلا أن الأمر مختلف تماما وسبب تدمير المدينة ليس خطأ تقنيا في المصنع ولكنه على طريقة فيلم "حياة أو موت" بجملته الشهيرة "لا تشرب الدواء الدواء به سم قاتل".
 

وعلى عكس الفيلم حيث تم إنقاذ "عماد حمدي" من تناول الدواء المسموم فالواقع لم يتمكن من إنقاذ حياة مئات سكان مدينة "برادفورد" في إنجلترا رغم أنه مع اكتشاف الحادثة وبدلا من استخدام الإذاعة لإنقاذ فرد كما في الفيلم تم استخدام أجراس الكنائس للتنبيه ولكن بعد فوات الأوان في أكبر حادثة تسمم شهدتها مدينة إنجليزية والسبب "حلوى النعناع".

 

ففي عام 1858 أنشأ "ويليام هارداكر" محلا لبيع الحلويات في "جرين ماركت" بـ "برادفورد" في إنجلترا وعلى مدى شهور اكتسب المحل شهرة بما يقدمه من حلوى صلبة على هيئة كرات بنكهة النعناع مميزة بألوانها البيضاء والسوداء ليتحول المحل ليكون الوجهة المفضلة لكافة أطفال المدينة وكذلك آبائهم من العمال الذين ينفقون يوميتهم بعد الانتهاء من العمل على شراء هذه الحلوى لأطفالهم.
 

وفي 30 أكتوبر من عام 1858 وفي موعد خروج العمال وكالعادة توجهوا إلى المحل لشراء حلوى النعناع وجدوا "هارداكر" قد أعلن عن بيع الحلوى بأسعار مخفضة وبخصومات كبيرة لتعويض خطأ في لون الحلوى هذا اليوم لتزداد مبيعاته ومع موعد إغلاق السوق كان " هارداكر" قد باع 5 أرطال من حلوى النعناع لتبدأ معها إعلان سلسلة وفيات طويلة لسكان المدينة بحسب موقع " atlas".
 

ففي اليوم التالي في 31 أكتوبر لقى طفلان يبلغان من العمر 8 و11 سنة مصرعهما ولم تهتم الشرطة بالواقعة في البداية حيث كان توقيت انتشار "الكوليرا" وكانت معدلات وفيات الأطفال ترتفع يوميا ما دفع الشرطة إلى إسناد وفاتهما إلى أنها أسباب طبيعية ولكن مع حلول المساء زادت نسبة الوفيات بين سكان المدينة بشكل مفاجئ فأصبح داخل كل منزل على الأقل حالة وفاة واحدة لتبدأ معها الشرطة في البحث عن السبب.
 

ومع كل هذا الوقت لم يشك أحد أن حل اللغز يكمن في قطعة حلوى النعناع حتى وصلت الشرطة إلى منزل رقم 30 بشارع "جويت" حيث توفي شقيقان يبلغان من العمر عامين 5 أعوام داخل منزلهما في مشهد عصيب حيث جلس الأب بجانب أبنائه في حالة ذهول فلا مرض لديهم ولا أسباب تجمع الاثنين لحدوث الوفاة سوى "مستحلب النعناع" لذلك أعلن والدهم "مارك بوران" في وسط صدمته أن ما جمع بين طفليه هو حلوى النعناع الذي اشتراه من "هارداكر".

 

ولتأكيد شكوكه أصر أحد أفراد الأسرة على تناول ما تبقى من الحلوى لمعرفة ما إذا كانت السبب وراء وفاة الشقيقين أم لا وما بين رفض البعض ورغبة الاخرين في اكتشاف الحقيقة أصر الشاب على تناول الحلوى ليمرض في الحال وأمام أعين الشرطة ليقطع الشك باليقين فالمشهد الدرامي الذي حدث منذ قليل يؤكد أن وراء كل هذه الحالات من الوفيات والمرضى سببها حلوى نعناع " هارداكر".

 

وفي غضون دقائق سارع أطباء المدينة لإنقاذ ما تبقى من سكان "برادفورد" ولمساعدة عشرات المرضى الباقين ولتبدأ معها رن أجراس كنائس المدينة في محاولة لتحذير أكبر عدد ممكن من الناس من الخطر ليتم كسر سبات عدد لا يحصى من الأشخاص في منتصف الليل بسبب التحذير كما تمت تغطية جدران المدينة بكثافة باحتياطات رسمية يجب اتخاذها لإنقاذ أرواح العشرات ولكن ذلك بعدما تم إعلان وفاة 22 طفلا أصغرهم عمره 17 شهرا وغيرهم من البالغين ومئات المصابين الذين أصيبوا بأمراض خطيرة.

 

لتكون بداية الحكاية قبل حادثة التسمم الجماعي بأسبوعين حيث أرسل "جوزيف نيل" بائع الحلوى بالجملة والذي يشتري منه " هارداكر" حلوى النعناع مساعده لشراء مسحوق النعناع من صيدلية يتعامل معها في "شيبلي" حيث كانت وصفة "نيل" لحلوى النعناع تتكون من مزيجا من السكر والمطاط أو اللبان مع الماء وزيت النعناع ومسحوق النعناع الذي يشبه نوعا ما مسحوق الجبس يضاف إلى المنتجات لاستبدال بعض السكر غالي التكلفة وتقليل تكلفة الإنتاج.
 

ولكن لسوء الحظ عندما أرسل نيل مساعده لشراء 12 رطلا من هذا المسحوق من صيدلي في "شيبلي" كان الصيدلي والذي اعتاد تسليم هذه المادة لنيل "تشارلز هودجسون" كان قد تعرض لمرض مفاجئ لينيب هو الآخر عنه مساعده المتدرب والذي لا يمتلك كثير من الخبرة "ويليام جودارد".
 

أراد " جودارد" ألا يرسل مساعد نيل خالي الوفاض فبدأ يبحث عن المسحوق وسط الكثير من العلب والتي تحتوي على مساحيق بيضاء اللون ليقوم "جودارد" باختيار إحدى هذه العلب غير المسماه لإخراج كميات كبيرة من المسحوق الأبيض بداخلها وإعطائها لمساعد نيل ليعطي له 12 رطلا من ثالث أكسيد الزرنيخ حيث كانت هذه الفترة في إنجلترا كل شيء سام.
 

فلم يكن من غير المألوف أن يكون الزرنيخ موجود في ورق الحائط وأقمشة الملابس وحتى يتم رشه كمنظف منزلي فكان الزرنيخ سهل الشراء وعديم الطعم والرائحة وغالبا لا تظهر آثاره إلا بعد ابتلاعه إذا كانت كمية الزرنيخ المتناولة معتدلة وليست الكمية الكبيرة المخيفة التي تم اكتشافها في حلوى النعناع.
 

وبعدها وكما هو متوقع نقل مساعد نيل بدوره الأمانة إلى "جيمس أبليتون" صانع الحلويات الذي يعمل من قبل نيل ليضيف جيمس 12 رطلا من ثالث أكسيد الزرنيخ إلى 40 رطلا من خليط الحلوى المعتادة من السكر وزيت النعناع والعلكة وبسبب هذه الكمية الكبيرة من الزرنيخ بدأت أعراضه تظهر على جيمس ولكنه افترض أنه قد أصيب بخلل في المعدة لينتج في النهاية حلوى تحتوي كل قطعة بها على سم يكفي لقتل رجل بالغ.


أقرأ المزيد :- أقدم كنفاني في مصر يروي أسرار وصناعة الكنافة

وبعد تتبع الشرطة لمسيرة الزرنيخ وكيف وصلت إلى الحلوى قررت الشرطة القبض على "جودارد " مساعد الصيدلي و "هودجسون" الصيدلي و"نيل" تاجر الحلوى بالجملة بتهمة القتل غير العمد ليتم تبرئتهم بعد ذلك في ديسمبر من نفس العام حيث لم يتمكن الادعاء من إثبات انتهاك أي قانون قائم.
 

ولكن تأثير هذه الواقعة كان أكبر من إلقاء القبض على المتسببين حيث دفعت حالات التسمم والوفاة في تمرير قانون الصيدلة التاريخي لعام 1868 والذي ضمن أن السموم المسماة لا يمكن بيعها إلا في زجاجات خاصة مصنوعة من الزجاج الملون لتوفير إشارة بصرية قوية للمحتويات مع تمييز السموم المحددة وعلى كل المتاجر الاحتفاظ بسجلات تدون فيها أسماء المشترين لها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة