محمود الوردانى
محمود الوردانى


هكذا حدّثنا عيسى بن هشام ( 1 ) قيام الباشا

أخبار الأدب

الجمعة، 14 يناير 2022 - 11:28 ص

‭  ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬الكثيرون‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬‭ ‬حديث‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬المويلحي‭ ( ‬1858‭ ‬–‭ ‬1930‭ )‬،‭ ‬الذي‭ ‬اعُتبر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬نفر‭ ‬قليل‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬والمشتغلين‭ ‬بالأدب،‭ ‬أحد‭ ‬البذور‭ ‬الجنينية‭ ‬الأولى‭ ‬والمحاولات‭ ‬الباكرة‭ ‬لكتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬بالطبع‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أورده‭ ‬هؤلاء‭ ‬المؤرخون‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل‭ ‬بروايته‭ ‬‮«‬زينب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

‭  ‬أبادر‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬سريعا‭ ‬إنني‭ ‬لست‭ ‬مهتما‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬بأسبقية‭ ‬المويلحي‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬أو‭ ‬العكس،‭ ‬لكنني‭ ‬أود‭ ‬الإشارة‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬البدايات‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬المويلحي‭ ‬خلابة‭ ‬وبالغة‭ ‬الجمال‭ ‬وحديثة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬صاحبها‭ ‬لم‭ ‬يشر‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬رواية،‭ ‬وكتبها‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬كمجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬متتابعة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬مصباح‭ ‬الشرق‮»‬‭  ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬عريض‭ ‬هو‭ ‬‮«‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‮»‬‭. ‬المجلة‭ ‬كان‭ ‬يصدرهاهو‭ ‬وأبوه‭ ‬ابراهيم‭ ‬المويلحي،‭ ‬وصدر‭ ‬أول‭ ‬أعدادها‭ ‬عام‭ ‬1898‭ ‬واستمرت‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1902‭ ‬،‭ ‬بينما‭ ‬نُشرت‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬1907‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1927‭ ‬قررتها‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية،‭ ‬فتعرضت‭ ‬تلك‭ ‬الطبعة‭ ‬وماتلاها‭ ‬من‭ ‬طبعات‭ ‬للحذف‭ ‬والاستبعاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬البروفسير‭ ‬روجر‭ ‬آلن‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬الطبعة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬تحقيقه،‭ ‬ليتجنب‭ ‬الحذف‭ ‬الذي‭ ‬تعرّض‭ ‬له‭ ‬الكتاب‭.‬

‭  ‬أما‭ ‬من‭ ‬اعتبرها‭ ‬من‭ ‬بواكير‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬بوضوح‭ ‬فهو‭ ‬المستعرب‭ ‬الأمريكي‭ ‬روجر‭ ‬آلن،‭ ‬وقام‭ ‬بتحقيقها‭ ‬وتحريرها‭ ‬وقدّم‭ ‬لها‭ ‬بدرسة‭ ‬ضافية،‭ ‬وقارن‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬طبعاتها،‭ ‬ثم‭ ‬أصدرها‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬جزئين،‭ ‬وهي‭ ‬الطبعة‭ ‬التي‭ ‬أعتمد‭ ‬عليها‭ ‬هنا‭.‬

من‭ ‬جانبي‭ ‬أعتبرها‭ ‬واحدة‭ ‬بل‭ ‬مؤسسة‭ ‬للرواية‭ ‬العربية،‭ ‬وأعرب‭ ‬عن‭ ‬دهشتي‭ ‬من‭ ‬تجاهلها‭ ‬وازدرائها‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬النحو،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬الواحد‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يجد‭ ‬لها‭ ‬ذكرا‭ ‬في‭ ‬المراجع‭ ‬المختلفة‭. ‬

أدعو‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬قراءتها‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بها‭ ‬وإعادة‭ ‬اكتشافها،‭ ‬ليتبين‭ ‬الكتاب‭ ‬والقراء،‭ ‬إلي‭ ‬مدى‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬خلابا‭ ‬ومؤسسا‭ ‬لحيل‭ ‬سردية‭ ‬جريئة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فقط،‭ ‬يبدأ‭ ‬الكتاب‭ ‬بلقاء‭ ‬تم‭ ‬بالمصادفة‭ ‬بين‭ ‬أحمد‭ ‬باشا‭ ‬المنكلي‭ ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬جيش‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1805‭ ‬وحتى‭ ‬رحيله‭ ‬عام‭ ‬1848،‭ ‬وبين‭ ‬الراوي‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭ ‬وسط‭ ‬المقابر،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬الباشا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأموات‭ ‬ضائقا‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬رقاده،‭ ‬وفاجأ‭ ‬ابن‭ ‬هشام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬أمان‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬الإمام‭  ‬لتبدأ‭ ‬وقائع‭ ‬الكتاب‭ ‬الخلاب‭ ‬حقا‭. ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬هشام‭ ‬يذكر‭ ‬بوضوح‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬في‭ ‬المنام،‭ ‬لكنه‭ ‬لايعود‭ ‬لتلك‭ ‬النقطة‭ ‬مطلقا،‭ ‬بل‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مايزيد‭ ‬على‭ ‬أربعمائة‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬الكبير،‭ ‬مصطحبا‭ ‬الباشا‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬مصر‭ ‬ومواخيرها‭ ‬وأماكن‭ ‬اللهو‭ ‬بها‭ ‬ومحاكمها‭ ‬ودولاب‭ ‬حكومتها‭ ‬وأعيانها‭ ‬وفقرائها‭ ‬وأوقافها‭ ‬وحدائقها‭ ‬وشوارعها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يأبه‭ ‬بما‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬كتابه‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬مارآه‭ ‬في‭ ‬المنام،‭ ‬ويكتب‭ ‬كامل‭ ‬رحلته‭ ‬كرحلة‭ ‬واقعية‭ ‬تماما،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يخلع‭ ‬سترة‭ ‬كان‭ ‬يرتديها‭ ‬ليغطي‭ ‬بها‭ ‬الباشا‭ ‬العاري،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يرقد‭ ‬بين‭ ‬الأموات‭ ‬عاريا‭ ‬بالطبع‭!! ‬ويبدأ‭ ‬جولاته‭ ‬وأيامه‭ ‬ولياليه،‭ ‬قاصدا‭- ‬المويلحي‭ ‬بالطبع‭ -‬أن‭ ‬يزيح‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الباشا‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ومصر‭ ‬التي‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.. ‬

‭  ‬في‭ ‬العدد‭ ‬القادم‭ ‬إذا‭ ‬امتد‭ ‬الأجل،‭ ‬أواصل‭ ‬قراءة‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭...‬

[email protected]

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة