الإبداع الروائى
الإبداع الروائى


الإبداع الروائى بين الأدب و«قلة الأدب»

آخر ساعة

السبت، 15 يناير 2022 - 10:07 ص

حسن حافظ

ما هى حدود الإبداع؟ أم أن الإبداع طاقة بلا حدود؟ هل يحق للمبدع أن يفعل ما يشاء، ويستغل ما تمنحه له العملية الإبداعية فى التهجم على معتقدات المخالفين له؟ أم أن العملية الإبداعية لها حدودها؟ فهل هناك قيود للإبداع الروائي؟ أم أن أى هذيان يمكن حمايته بمظلة الإبداع الفضفاضة؟ كيف يمكن مواجهة ضعاف الموهبة الذين يلجأون إلى سلاح الإثارة الفجة والتهجم على الأديان من أجل الشهرة وسرعة الانتشار؟ أسئلة تطل على المشهد الروائى الذى يشهد حاليا انفجارا من حيث الكم، مع غياب للمعايير والأطر الحاكمة، فهل يحق للروائى أن يتهجم على معتقدات البعض ويتعمد أذية مشاعرهم تحت حجة حرية الإبداع؟

يدور النقاش ولا ينتهى حول مساحة الحرية الإبداعية، وهل هى بلا قيود أم أن الأوضاع الاجتماعية والثقافية يجب احترامها من قبل المبدع، وانحصر النقاش الذى اشتعل على مدار القرن العشرين، بين تيار يرى أن حرية الإبداع غير مشروطة، وتيار يرى أن الإبداع بما يتيحه من حرية يلقى بمسئولية ضخمة على المبدع تجبره على عدم استفزاز الجماهير بتعمد الإساءة لمعتقداتهم، خصوصا أن المجتمعات الغربية التى تضع القيم الرئيسية للعالم حاليا، تضع معايير حرية التعبير بما يتوافق مع مصالحها، فمرة تكون الإساءة للأنبياء مسموحة تحت مظلة الإبداع كما فعلت مجلة شارلى إبدو، ومرة نرى أنه لا حرية تعبير فى ملف معاداة السامية (معاداة اليهود)، ولا يمكن لأى مبدع أن ينكر الهولوكوست (محرقة اليهود على يد القوات النازية)، بل إن محاولة مناقشة علمية لعدد اليهود الذين راحوا فى محارق النازى، قد تؤدى بصاحبها إلى دخول محرقة لسمعته تنتهى بمنعه عن الكتابة.

ومن أشهر الروايات التى صدمت الجمهور العربى المسلم فى معتقداته رواية "آيات شيطانية" 1988، للبريطانى الهندى سلمان رشدى، والتى اعتبرت من قبل قطاع واسع من المسلمين إساءة للإسلام، والتهجم على الأديان، واستغلال حرية التعبير فى الإساءة للإسلام، وتواصلت ردود الفعل الغاضبة التى وصلت قمتها مع إصدار آية الله الخمينى فتوى بإهدار دم رشدى، وكانت رواية "وليمة لأعشاب البحر" 1983، للأديب السورى حيدر حيدر، قد أثارت بدورها الكثير من الجدل، إذ سببت موجة من الجدل فى الأوساط العربية، وسط اتهامات لحيدر باستخدام عبارات تعد إهانة للدين الإسلامى وتعمل على الخروج عليه.

وفى مصر، تعرض الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، لانتقادات بسبب بعض العبارات التى تضمنتها بعض رواياته،  ففى رواية "مولانا" ورد الكلام عن السيدة مارية القبطية زوجة وأم إبراهيم ولد الرسول عليه الصلاة والسلام، بطريقة رأى فيها البعض صورة لا تصح مع واحدة من زوجات النبى، فضلا عن اللغة المتدنية فى وصفها، مثل قوله على لسان شخصية هامشية: "هو لنا بركة إلا الست مارية القبطية، قمر مصرى من الأنفوشى وقف يثرب على رجل"، وهو ما تكرر فى رواية "رحلة الدم"، فقد جاء بشخصية صالح القبطى الذى يتعجب من أن الرسول لم يسمح له بأن يكون معه، ولا بأن يصلى من خلفه، وعرف بعدها أن المدينة تتحدث عن قبطى يخون النبى بالنوم مع مارية أم ولده، وبعدها ومع الأحداث ينتفض ابن ملجم قاتل الإمام على ويقول لصالح القبطي: وهل أنت أيها القبطى من تجرأ فلوث سرير النبى بمنيه.

الدكتور عبدالسلام الشاذلى، أستاذ النقد الأدبى الحديث والمعاصر، قال لـ "آخرساعة": "يجب أن يكون هناك أفق جمالى لا يتصدام مع الأفق الأخلاقى، وإن كان هناك بعض الفلتات التى يغفر لها فى حالة التمرد على التقاليد القديمة، مثل ثورة أبى نواس فى العصر العباسى عندما تمرد على القصيدة العربية القديمة، حين انتقد الوقوف على الأطلال كأساس بناء القصيدة فى الشعر الجاهلى، فصنع إبداعا جديدا بالتوغل فى مناطق لا أخلاقية أخذت عليه، لذا نقول إن الإبداع الأدبى يرتبط بما نسميه الحدود المعقولة فى الإبداع، والتى لا تختلف كثيرا عن الحدود الأخلاقية، ولذلك كان نجيب محفوظ يقول إن الرواية سلوك أخلاقى، فالرواية مرتبطة بالسلوك الأخلاقى، حتى لو صورت مشاهد لا أخلاقية، فيكون غرضها تنفيرنا من هذه المناظر اللا أخلاقية".

وتابع الشاذلي: "الإبداع يتطلب حرية عموما، فلا إبداع دون حرية، ولكن من قال إن الحرية مطلقة؟ فالحرية مسئولية أخلاقية وفكرية، وهو نفس ما ذهب إليه سارتر فى العديد من كتبه، ما قرره فى كتابه الشهير (ما الأدب؟)"، لافتا إلى أن الأديان تتيح التعبير عن المسكوت عنه فى ضوء الرؤية الأخلاقية، فالقاضى على الجرجانى سأل بعض القضاة عن سبب قراءة أشعار أبى نواس وهى تصف الخمر، فقال القاضي: إنه يقرؤها لكى يتطهر من الرغبة فى شرب الخمور، وهو رد يتطابق مع نظرية التطهر بالأدب، وهو ما نجده فى رواية "ثرثرة فوق النيل" لنجيب محفوظ، التى أراد بها توجيه انتقادات واضحة للمجتمع المصرى قبل نكسة 1967، وتابع: "مهما توفرت الحرية للمبدع الروائى، لكنها مسئولية على المبدع".

من جهته، يقول الدكتور نجيب عثمان أيوب، أستاذ الأدب العربى بجامعة حلوان: "أرى أن المبدع ليس إنسانا تقليديا، بل هو بؤرة للمجتمع وضمير فنى حى، أى قادر على تجسيد هوى وآمال وآلام وطموحات المجتمع وفلسفته، فهو مسئول كالخطيب على المنبر، والواعظ فى الكنيسة، والأستاذ فى الجامعة، والإعلامى على شاشة التلفاز، ويتميز الأديب أنه يمتلك أدوات فنية وإبداعية ولغته غير لغتنا، فلغته ذكية متمكنة من نقل واقعية المجتمع ولكن بالواقعية الفنية، فليس دوره نقل واقع المجتمع كالكاميرا، بل دوره أهم إذ ينقل الواقع بلغة فنية دون أن يجرح ثوابت الناس دون أن يؤذى الناس فى أعز ما يملكون فى أخلاقهم وقيمهم الاجتماعية والعرفية والدينية.

ويضيف: "الروائى مسئول عن نقل هذه الإضاءات والإشراقات الفنية الممتعة والتى تحمل رسالة مجتمعه، فهو نائب عن المجتمع يبث فيه ويؤثر فيه فى إطار علاقة جدلية بين المبدع والمجتمع، فالإنتاج الإبداعى مهما كان شكله هو ابن بيئته، ويعكسها فى عمل فنى مبدع مختلفة أشكاله، وإلا كان الفن عبثا وأداء شكليا، لذا لا أقول إن على الروائى أن يتوقف عند حدود معينة، ولكن هناك أطر وثوابت عامة للبيئة الثقافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والدينية، والعادات والتقاليد، فالإصلاح فى الخطاب الروائى يؤدى إلى تثبيت العادات الصحية ويقلب العادات السيئة لجيدة، وكل هذا بطريقة غير مباشرة، لذا أرى أن استفزاز المتلقى من قبل الفنان يقدح فى فنه وفى قدرته على أن يكون مبدعا قادرا على أن يوصل رسالته دون استفزاز المتلقى".

ويلخص أيوب رأيه قائلا: "أرى أن يراعى المبدع الثوابت الاجتماعية والدينية، ومن يقول إنه يصف الواقع، فأقول له إنها واقعية (خيبانة) لأنها تعبر عن فشل فى القدرة على صياغة فنية تحتوى المتلقى، فعلى المبدع استخدام لغة حرفية قادرة على توصيل الرسالة المرادة دون مساس بمشاعر الناس بقيمهم وعقائدهم وأخلاقياتهم".

جائزة الإبداع العــراقى ..  لطلال حسن 

الكاتب العراقى المخضرم طلال حسن، والذى يعد أحد أكبر كتاب الأطفال فى العالم العربي، فاز بجائزة الإبداع العراقى فى الدورة السادسة لها عن أدب الطفل، طلال من مواليد 1939م، وهو عضو فى نقابة الصحفيين العراقيين والاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين ونقابتى الفنانين والدراميين العراقيين، وينشر إبداعاته فى العديد من دور النشر والمجلات العربية، ومنها مجلة  فارس التى تصدر عن دار أخبار اليوم، وترأس تحريرها الزميلة هويدا حافظ، الكاتبة الصحفية والمدربة الدولية لصحافة الأطفال، ويقدم فيها بخلاف القصص باللغة العربية، سيناريو مترجم إلى اللغة الانجليزية، وجميع  قصصه فى المجلة من رسوم نجله الفنان العراقى الكبير عمر طلال .

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة