كما ذكرنا في المقال السابق لقد تزايدت المبادرات الدولية نحو إرساء فكر المسئولية الاجتماعية للشركات، وجاءت هذه المبادرات داعية للحفاظ علي حقوق الانسان ولتدعيم التزام الشركات بمعايير اخلاقية وقواعد حماية البيئة. وفي هذا الاطار صدرت مبادئ وقواعد إرشادية للشركات عن كل من الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والاتحاد الأوروبي. ويعتبر ميثاق الاتفاق العالمي (يناير 1999) UN Global »‬ompact من أهم المبادرات الدولية التي تهدف إلي مطالبة الشركات والمجتمع المدني الالتزام بعشرة مبادئ أساسية تشمل أهمها علي: (1) حقوق الإنسان، (2) محاربة الفساد ودعم حرية المشاركة، (3) منع عمالة الأطفال، (4) الحد من التمييز الوظيفي، (5) حماية البيئة. وبتوقيع هذه الشركات علي هذا الميثاق تلتزم بمسئوليتها الاجتماعية وفقاً لمبادئ هذا الميثاق، إلا أن الأمم المتحدة لم تضع معايير للتعرف علي مدي التزام تلك الشركات بتنفيذ هذه المبادئ. وتكثفت المبادرات الداعية لتبني الشركات لفلسفة المسئولية الاجتماعية حين تم تعرض شركات عالمية لكوارث بيئية مثل الشركات النفطية التي تسببت في كارثة التلوث النفطي للمياه في ساحل الاسكا، وأخري أخلاقية كفضائح الرشوة لشركات أمريكية أخري، بالإضافة إلي ما نتج عن الأزمات المالية لشركات وورلد كوم وانرون والتي أفصحت عن ممارسة خاطئة غير مسئولة بتلك الشركات. والحقيقة أن هناك فوائد مجتمعية عدة تعود علي الشركات نفسها من جراء تطبيق برامج فعالة للمسئولية الاجتماعية والتي تعزز من أدائها، وتنمي قدرتها التنافسية، وتعزز من سمعتها في الأوساط الاقتصادية والتجارية، وتزيد من قدرتها علي اجتذاب عمالة متميزة. ولكن للأسف مع الثورة المصرية تقلصت ممارسات المسئولية الاجتماعية ولقد قامت الدول علي مستوي العالم بتجارب مميزة في مجال المسئولية الاجتماعية للشركات مثل الولايات المتحدة والدنمارك وشيلي والهند وسنغافورة وغيرها. وعلي الرغم من تفاوت تجارب الدول في استراتيجيتها نحو المسئولية الاجتماعية إلا إنها تتفق جميعاً في تبني هذه الشركات برامج للمسئولية الاجتماعية من أجل تخفيف العبء الواقع علي حكوماتها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية سعياً لتحقيق التنمية المستدامة. وفي مصر مع تزايد معدلات الفقر، وتفاقم معدلات البطالة، وتدني مستويات الرعاية الصحية، وإنخفاض معدلات الإدخار والاستثمار، وعدم مواكبة مخرجات العملية التعليمية لمتطلبات سوق العمل، كل هذا أوجب ضرورة تضافر الجهود بين الحكومة المصرية والشركات ومنظمات المجتمع المدني لتكوين منظومة متكاملة ومستدامة للمسئولية الاجتماعية. وبدأت منظومة المسئولية الاجتماعية في مصر بتفاعل ثلاثة أطراف أساسية هي (الدولة- الشركات- منظمات المجتمع المدني). كما تم وضع الإطار المؤسسي لفكر المسئولية الاجتماعية ضمن قواعد ومعايير حوكمة الشركات في عام 2005، وتم اطلاق المؤشر المصري لمسئولية الشركات من أجل رصد وتشجيع هذا الهدف للشركات المصرية. ولكن للأسف مع أعقاب الأزمة المالية العالمية والثورة المصرية تقلصت ممارسات المسئولية الاجتماعية في شكلها المؤسسي علي الرغم من تواجد مبادرات اجتماعية مختلفة من العديد من الشركات المصرية. وما احوجنا الآن إلي مزيد من هذه المبادرات، ولكن في اطار مؤسسي تتعاون فيه هذه الشركات مع الدولة في استكمال منظومة الاستثمار في البنية الاجتماعية من مدارس ومستشفيات وتدريب مهني...الخ.  لذا ادعو السيد وزير الاستثمار إلي احياء هذه المنظومة لان توافر إدارة مختصة بمتابعة برامج المسئولية الاجتماعية ووجود فروع لها في المحافظات ليتم توسيع دائرة متابعة مباردات الشركات علي أرض الواقع، وتطوير خريطة المسئولية الاجتماعية للشركات يسد الفراغ الموجود في الخريطة الاستثمارية المصرية من قبل الدولة بما يدعم التوظيف الأمثل للبرامج الاجتماعية. إن مصر الآن بحاجة إلي تكاتف الجميع من أجل التنمية، وخفض معدلات الفقر والبطالة، وشعور المواطن بقدر عال من الولاء والانتماء والمسئولية الاجتماعية والتي تعد زاوية أساسية في عملية التنمية المستدامة.