والواقع أن الفساد السياسي الذي مارسه ورعاه وخاض فيه حسني مبارك حتي اُذنيه، يكفي دليلاً لإتهامه بخيانة الأمانة وإرتكاب جريمة الخيانة العظمي!!.. محاربة الفساد وإجتثاثه، معركة وجود بالنسبة لمصر إذا كنا جادين في الخروج من هوة التخلف السحيقة التي القي بنا فيها حسني مبارك ،»‬الأب الشرعي» للفساد والإفساد في كل مؤسسات الدولة..وإذا كان الرئيس السيسي قد أقر بـأن هناك خميرة فساد تجذرت علي مدي اربعين عاماً، فإنه يعرف أكثر من غيره أن هذه الخميرة »نفشت» وتمددت في أرض المحروسة، ولم تترك مجالا أو مؤسسة أو محافظة إلا وعششت فيها..والواقع أن الفساد السياسي الذي مارسه ورعاه وخاض فيه حسني مبارك حتي اُذنيه، يكفي دليلاً لإتهامه بخيانة الأمانة وإرتكاب جريمة الخيانة العظمي!!.. بل لا أراني مبالغاً إن قلتُ إن المعركة مع الإرهاب أيسر بما لا يقاس من مواجهة دولة الفساد التي أورثنا إياها نظام السادات/ مبارك..ففي الحرب علي الارهاب لديك عدو واضح وأسلحته مكشوفة، فضلاً عن إرادة شعبية منعقدة علي إستئصاله..أما بالنسبة للفساد فنحن نواجه جيشاً غير منظور، واخطبوطاً بلغت أذرعه القاتلة كل ركن من أرض الوطن..بل أصابت آفة الفساد قلوب ونفوس البشر لأن الإنفتاح الإقتصادي الكارثي الذي سماه الراحل أحمد بهاء الدين »‬ إنفتاح السداح مداح»، أخرج من المصريين أسوأ ما فيهم فسادت النظرة المادية للامور، وتفشت مفاهيم الفهلوة والنصب والإحتيال وصارت أحط الوسائل مشروعة لبلوغ غاية الثراء السريع!!..وضاعف من صعوبة وتعقيد المعركة، ذلك الخلل الفادح الذي أصاب معايير الصواب والخطأ، وإختلاط المفاهيم..إذ صار الكذب شطارة وبات النفاق مجاملة، والتجارة بالدين مهنة..وأصبحت كلمة الحق تطرفاً وتجاوزاً يُفسد الود ويدمر العلاقات بين الناس، وتفشي بيننا السكوت علي المُنكر والتغاضي عن الباطل، ولولا خوف الوقوع في خطيئة التعميم لصرختُ »‬ كلنا فاسدون»!!.. نحن إذاً أمام مأزق خطير لأننا نواجه الحزب الأقوي والاكثر تنظيما في مصر حتي الآن وهو حزب الفساد، ومواجهة هذا المعسكر لن تُجدي معها مجرد الرغبة أو حتي الإرادة السياسية، بل تحتاج، إضافة الي ذلك، الي رؤية شاملة للإصلاح وإجماع شعبي علي »‬التطهير والتطهر»، وخاصة أن الأذرع الإعلامية لحزب الفساد بدأت معركتها مبكراً لتشويه وشيطنة المقاتلين ضد الفساد وعلي رأسهم المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لأنه تكلم بجرأة عن سرطان الفساد..بل قرر، ولأول مرة، نشر تقارير الجهاز الرقابي الأول في البلاد في وسائل الإعلام المختلفة، إيماناً بحق الرأي العام في المعرفة، وواجب الشعب في ممارسة الرقابة علي أداء الحكومة ومؤسسات واجهزة الدولة، وهو إجراء رائد نص عليه الدستور الجديد لتحقيق الشفافية.. إتهمت حاشية الفساد، المستشار جنينة بأنه إخواني الإنتماء والهوي ولذلك فإن من مصلحته، كما يزعمون، تشويه نظام ما بعد ثورة 30 يونيو التي أسقطت الرئيس الإخواني الذي عينه !!..وحتي لو كان الرجل إخواني الهوي، وهو ما نفاه بنفسه أكثر من مرة، فيكفيه شرفاً أنه يفضح ويقاوم فساداً متجذراً ترعاه وتدعمه دولة مبارك التي ما زالت قائمة لم تُمس حتي الآن، وهو يفعل ذلك مدركاً أنه يضع يده في عُش الدبابير..وبناءً عليه، يمكن القول إن كل من يهاجمون رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الآن، هم إما فاسدون أو مستفيدون من الفساد علي اقل تقدير!!..مع العلم أن كل ما قاله وفضحه المستشار جنينة، هو نفس ما سبق أن قالته تقارير المنظمات الدولية المهتمة بكشف الفساد وتحقيق الشفافية والحكم الرشيد، والتي جعلها فساد نظام مبارك تضع مصر في أسوأ ترتيب علي مؤشراتها..وفي المقال التالي سنكشف اوجه ومظاهر الفساد التي توجب محاكمة مبارك بتهمة الخيانة العظمي..