الأصل في حرية الإعلام والتعبير أنها حق للمجتمع قبل أن تكون حق للصحفي أو الإعلامي، والفارق كبير جدا، فالمجتمع يحق له أن يعلم، والإعلامي خادم للمجتمع وليس سيدا عليه ربما يتوقع البعض أنني سوف أرد هنا علي ماكتبه في حقي الإعلامي السابق حمدي قنديل منذ أيام في نفس الصفحة، فقد طلب مني كثيرون الرد عليه خاصة مع تكرار الإساءة، ولكنني لن أفعل ذلك الآن، فقنديل رجل أصابه الكبر، وتصرفاته مفضوحة أمام الكافة، وخاصة بعد أن دعم مرسي في حادثة فيرمونت الشهيرة، بينما هو الذي يحمل لواء الناصريه تارة والليبرالية تارة أخري حسب الظروف، وهو ممن يسيئون استخدام القلم، وأنا شخصيا أتعجب من عدم إلمامه بكثير من البديهيات، أو ربما يعلمها ولكنها لاتصادف هوي عنده فيتجاهلها. وقد يأتي وقت للحديث بالتفصيل عن حمدي قنديل وأمثاله ممن تحولوا في كل العصور. ولكن الواجب يحتم علي الخوض في حديث أكثر اهمية حول صناعة الإعلام والصحافة، والتي يفترض أنها تقوم أساسا علي دقة المعلومات، فكلما كان الصحفي أو الإعلامي – في أي دولة في العالم - دقيقا فيما يقدمه من معلومات، كلما ارتفعت قيمته وزاد تأثيره، ولكن في مصر الأمر مختلف تماما، فالإعلامي ذو الصوت المرتفع أكثر قيمة وقادر علي جذب المشاهد، والصحفي القادر علي تطويع قلمه في الإساءة يثير شغف القارئ. لم تعد المعلومة أساسا في العمل الإعلامي، وأصبح الإعتماد علي الشائعات ممكنا بلا قيد مهني، ونسي عدد ليس قليل من الصحفيين والإعلاميين ان الاصل في هذه المهنة هو دقة المعلومة وسرعة توصيلها، فلجأ بعضهم للإعتماد علي المواقع الإجتماعيه الإلكترونية في استقاء المعلومات وطرحها في البرامج والصحف رغم أن هذه المواقع لايمكن الإعتماد عليها كمصادر للمعلومات، ولاحتي للصور. وأنا شخصيا امضيت الأسبوع الماضي في نفي العديد من الشائعات التي كان اسمي يرد فيها ويجري تسويقها إعلاميا كما لو كانت حقيقة واقعة حتي الآن وكأن النفي لم يكن. فمثلا قيل أنني عضو في لجنة شكلها وزير التخطيط لإعادة هيكلة مبني اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والحقيقه أن الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط هو صديق عزيز، ولو كان قد وضع إسمي في لجنة كتلك لكان أخبرني خاصة أن لقاءاتي به متكررة في مناسبات كثيرة، ولم يكن أبدا سيخفي علي أمر كهذا، وقد سئلت في عدة لقاءات عن هذا الأمر وقلت إنني لم أتشرف بالإنضمام للجنة إعادة هيكلة ماسبيرو، وحتي كتابه هذه السطور لم يحدث ذلك، ورغم هذا النفي المتكرر تجد كثيرا من الإعلاميين يتحدثون في الأمر كحقيقة واقعة وكأنهم يعرفون الأمر أكثر مني شخصيا، بل إن أحد الإعلاميين المعروفين بكلام المصاطب يتحدث عن هذه اللجنة وينتقد كل من جاء اسمه بها دون أن يسأل أحد ولاحتي دون أن يستضيف ضيفا من هؤلاء المزعوم انتماؤهم لها، فهو عادة يتكلم بمفرده ويفتي في كل الأمور باعتباره الأكثر فهما للإعلام وللسياسه المحلية والدولية والاقتصاد والعلوم الاستراتيجية والعسكرية والإجتماعية والزراعية والبيطرية وعلوم الفضاء والفلك والبحار وتزغيط البط. ومنذ ايام كنت أقضي أجازه قصيرة مع أسرتي بالساحل الشمالي، وتلقيت عدة اتصالات تليفونية من صحفيين وإعلاميين طلبا لتصريح حول الاجتماع الذي انتهي للتو- وقتها - بأحد فنادق مصر الجديدة وكنت مشاركا فيه مع نخبة من رجال السياسة المعروفين في مصر واتفقنا خلاله علي إعلان تحالف انتخابي معين، فأخبرت كل من حدثوني أنني أمام البحر بالساحل الشمالي، وبالصدفة كان أحد هذه الشخصيات في نفس المكان الذي أجلس فيه، وأن الأمر لايمكن أن يكون صحيحا، ولكن بعض هؤلاء تناول الخبر منسوبا لمصادر مجهولة باعتباره حقيقة واقعة . والأمثلة كثيرة لايتسع المجال لحصرها. والأصل في حرية الإعلام والتعبير أنها حق للمجتمع قبل أن تكون حق للصحفي أو الإعلامي، والفارق كبير جدا، فالمجتمع يحق له أن يعلم، والإعلامي خادم للمجتمع وليس سيدا عليه، فإذا أساء الإعلامي استخدام تلك الحرية وقام بتداول أخبار كاذبة أو مضللة أو ناقصة أو استخدم منبره الإعلامي في تفريغ كراهيته لآخرين، فهذه لايمكن أن تكون حرية رأي وتعبير ولكنها فوضي تدمر المجتمع، والحقيقه أن قليل جدا من الإعلاميين هم من يتبعون قواعد المهنة ويعرفون أنهم يقدمون خدمة الاعلام للمجتمع. وحرية الرأي والتعبير لاتعني أبدا عدم محاسبة الإعلامي إذا أخطأ لأن خطأ الإعلامي قد يدمر المجتمع،، وأصبح كثير من الإعلاميين يرهبون المسئولين بترويج المفهوم الخاطئ لحرية الرأي والتعبير، وأن المساس بأي صحفي أو إعلامي مهما أخطأ جريمة كبري لاتغتفر، فأصبح الإعلامي صاحب حصانة ونفوذ لا مقدم خدمة. وأصبحت صناعة الإعلام خاضعة لهوي الإعلامي والصحفي. والحقيقة بدون محاسبة تتحول الحرية إلي فوضي، والإعلام الآن يحتاج فورا إلي تنظيم ينقذه ويعيده لأصله وهو خدمه المجتمع .