نستنتج ان دائرة الفشل الأمريكي في المنطقة تحتاج منهم الي اعادة صياغة دقيقة لسياستهم. وحتي ما عرف بالدبلوماسية العامة الامريكية قد توارت خلف الاخفاق الحالي أعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية مازالت تتخبط في سياستها الخاصة بمنطقة الشرق الاوسط، وقد بدأت في هذا التخبط منذ أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ والتي دفعت الرئيس جورج بوش الابن ان يطرح سؤاله لماذا تكرهنا هذه المنطقة. كانت الاجابة واضحة وتلخصت في أن الولايات المتحدة تقدم دعما غير محدود لاسرائيل والسبب الثاني أنها تدعم بعض الأنظمة العربية التي يري البعض أنها أنظمة ديكتاتورية. وكان رد فعل البيت الابيض واضحا، حيث لا مجال للتقاعس عن دعم اسرائيل المطلق، وكان الخيار هو بداية العمل علي إحداث تغيير في المنطقة ومحاولة التعامل مع الشعوب العربية الاسلامية مباشرة واستخدام ما اطلقت عليه الادارةالامريكية الدبلوماسية العامة. لتحسين الصورة الامريكية كما كانت بداية العمل ببعض المفاهيم السياسية ومنها اعادة بناء الدول اعتقادا منهم ان ما فعلوه مع ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية قد يكون صالحا للتطبيق علي دولة مثل العراق واقصد هنا تدمير الدولة واعادة بنائها. وكانت سياسة فاشلة حيث تم تدمير العراق وفشلت أمريكا في اعادة بنائها، وتركت العراق فريسة لقوي اقليمية وفوضي داخلية غير خلاقة كانت الادارة لديها قناعة بأن مستقبل المنطقة سيكون مرهونا بسيطرة الاسلام السياسي علي الحكم، اعتقادا منها ان هذا التيار يجد شعبية كبيرة داخل معظم الدول العربية، وانه من الافضل التعامل معه وهو فوق الارض بدلا من مكافحته وهو يعمل تحت الارض وكانت تجربة افغانستان ماثلة في أذهانهم. بالفعل اعتقدت واشنطن ان جماعة الاخوان تستطيع ان تقوم بهذا الدور  في المنطقة نظرا لانها أقدم هذه الجماعات واكثرها تنظيما وان اتاحة الفرصة لهم للوصول الي الحكم في مصر من شأنه تعزيز تواجدهم في المنطقة بأثرها، وهنا اتذكر حديث بيني ود. هنري كسينجر في اسطنبول في شهر سبتمبر ٢٠١١ بعد تركي لوزارة الخارجية، وقبل وصول محمد مرسي للحكم انه اكد لي ان الاخوان سيصلون لمقعد الرئاسة وان هذا الامر لا يزعجهم، طالما انه لا يهدد أمن اسرائيل، وأعتقد ان الشواهد بعد ذلك اثبتت ان نظام الاخوان لم يسع من قريب أو من بعيد الي تهديد امن اسرائيل بل كان يسوق نفسة علي انه ولي أمر حماس ويستطيع كبح جماحها عندما يتطلب الأمر ذلك وهو ما اثبتته الأحداث بعد ذلك. ومازالت وشنطن لا تري الا استراتيجيتها المتعثرة الخاصة بالمنطقة، وعندما تنحرف هذه الاستراتيجية تحاول ايجاد مسار آخر لها المهم انها لا تري الا اهمية تصعيد تيار الاسلام لكي يحكم المنطقة وزرع بذور فتنه سنية شيعية اذا لزم الامر وتوهم هذا التيار أنه يستطيع تهديد اسرائيل أو المصالح الامريكية في المنطقة ونستطيع ان ندرك لماذا هذا الموقف المتذبذب من مصر ورغبة الشعب المصري في التخلص نهائيا من سطوة الاخوان. واعتقد ان السياسة المصرية الحالية نحو الولايات المتحدة تتعامل مع التخبط الامريكي بحكمة ورصانة وبالطبع ان هذه السياسة تنبع من ادراك ودراسة للاستراتيجية الامريكية طويلة الامد الخاصة بالمنطقة، وادراك كامل لادوات التنفيذ وقدراتها ستشكل مصر في الفترة المقبلة معضلة استراتيجية لواشنطن، فهي تعرف تماما ان مصر دولة محورية في الاقليم ولا تستطيع تجاهلها، كما ان محاولات استهدافها قد باءت بالفشل وواضح من مجريات الامور أن استمرار هذه المحاولات لن يؤثر في الموقف المصري الرافض للانصياع للفكر الامريكي. وهنا نتوقع استمرار هذا الجدل الدائر بين البلدين، والأهم ان واشنطن سترصد الخط المصري الجديد في سياستها الخارجية ومحاولات مصر بأقامة توازن دقيق مع مختلف القوي الدولية. كما انه اصبح واضحا للجميع وبصفة خاصة واشنطن أن الأمن القومي المصري خط أحمر، وأن القاهرة تعلم بدقة كل ما يحاك ضدها في الاقليم أو خارجه، وان الشعب المصري لن يقبل التفريط في أمنه القومي، ولن يسمح لأحد أن يكون أداة لهذا التفريط. واذا كانت واشنطن تشعر الآن وبدون اعتراف علني ان مخططها انتج ارهابا غير مسبوق في المنطقة، الا انها لا تعلم ان هذا الوضع أصبح مرفوضا شعبيا مثل رفض الشعب العربي لمساندتها لانظمة عربية اختفت الآن من الخارطة السياسية. نستنتج ان دائرة الفشل الأمريكي في المنطقة تحتاج منهم الي اعادة صياغة دقيقة لسياستهم. وحتي ما عرف بالدبلوماسية العامة الامريكية قد توارت خلف الاخفاق الحالي الذي أنتج لنا ارهابا لا يطيقه احد في منطقتنا. واذا جاز لنا ان نقدم النصيحة لهم، فقد يكون الأفضل العمل السريع من اجل التنمية ودفع قدرات التعليم في المنطقة اذا كانت لهم مصالح بالمنطقة فإنها لن تصان فقط بالديمقراطية، ولكن يجب ان يعلموا انها ستصان بالتنمية والتعليم والعلاقات الندية، بالاضافة الي ادارة سياسية خالصة من جانبهم لحل القضية الفلسطينية حلا عادلا يتفق مع تطلعات الشعب الفلسطيني. سيكون قدر مصر هو العمل المتواصل والدءوب لاطفاء حرائق المنطقة والتأكيد علي ضرورة العمل العربي المشترك البعيد عن المجاملات التي نشتهر بها لأن الأمر يتعلق بوجودنا وهذا لا يحمل في طياته اي مجال للتهاون أو الاستهانة بأي خطر ولو صغير. فعلي سبيل المثال ما يطلق عليه خلايا داعش أو خلايا حلوان أو غيرها في مصر يجب ان يقضي عليها فورا وهنا نسجل التقدير لجهود الاجهزة المصرية في حصر هذه الظاهرة الخطيرة، التي يجب ان تظهر في مصر باي صورة وباي شكل.. لان ظهورها يعطي اشارة سلبية في الداخل والخارج ولن نسمح بها. مصر تتعامل مع امنها القومي بدرجة عالية من الحكمة والرصانة ولذلك يجب ان يعتمد علي قوتنا الذاتية فهي صمام الامان لامننا القومي. ستعود الولايات المتحدة الي مصر، واتمني ان يكون ذلك سريعا، ولكن ثبات موقفنا واصرارنا علي انجاز خارطة المستقبل ستجعل الجميع يدركون ان مصر في الطريق الصحيح وانها حددت توجهها ولن تحيد عنه تحت أي ظرف ولن نرضي أحدا أو نجامل أحدا مقابل أمننا القومي.