لكن الجديد - والذي أسعدني حقاً - أن أكبر تجمع من الشباب والشابات كان لمن يريدون السفر إلي الإسماعيلية للعمل في حفر قناة السويس الجديدة دعتني الدكتورة ناهد عشري وزيرة القوي العاملة والتدريب والمصريين في الخارج لحضور اللقاء الثالث للحوار المجتمعي حول قانون العمل الجديد. وفكرة الحوار المجتمعي تبدو مثل الفريضة الغائبة في بلادنا. ما أكثر الكلام عنها لدرجة الاستهلاك. وما أقل القدرة علي تنفيذها. أو الجدية من أجل تنفيذه. رغم نبل الفكرة. وربما كانت قادرة علي إقامة صلة حقيقية بين الحكومة والناس. في حالة تنفيذ الحوار المجتمعي في كل القضايا التي تطرأ لنا. تشعر الحكومة أن الناس يمثلون ظهيراً شعبياً لها. وتجعل الناس تدرك أن الحكومة حكومتهم قبل أن تكون حكومة الدولة. مع أنه لا مانع أن تقف الحكومة في منتصف المسافة بين الدولة والناس. ولو أدركنا أهمية الحوار المجتمعي. أصبحت لدينا في كل وزارة إدارة له. وفي جميع المحافظات مسئولون عن إجرائه. ومن قبل الوزارات والمحافظات. ما الذي يمنع من وجود إدارة للحوار المجتمعي برئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وكافة الأجهزة التي تعود إليها قيادات الدولة المصرية. عند اتخاذ أي قرار يمس الحياة اليومية للناس. علي باب الوزارة بشارع يوسف عباس بمدينة نصر عدد كبير من الشباب يبحثون عن وظائف. هناك من جاء باحثاً عن وظيفة لدي الحكومة. وأيضاً من يفضل العمل لدي القطاع الخاص. لكن الجديد – والذي أسعدني حقاً – أن أكبر تجمع من الشباب والشابات كان لمن يريدون السفر إلي الإسماعيلية للعمل في حفر قناة السويس الجديدة. أشكالهم وملابسهم وكلماتهم تؤكد أنهم ليسوا جميعاً من أبناء القاهرة. لأبناء الأقاليم سمات تشير إلي بلادهم. وطريقة نطقهم للكلمات تحدد جغرافيا اللغة التي جاءوا منها. كان السؤال عن إمكانية المشاركة في العمل. وثمة مكتبة الاستعلامات يطل علي الشارع يقدم لهم الردود. وأشهد لحظة مروري عليهم أنني لم أستمع لمن يسأل عن الأجر ولا طبيعة التعيين ولا مدته. ولكنها كانت الرغبة في السفر إلي القناة والمشاركة فيما يتم هناك. لست مبالغاً عندما أقول إنني شممت رائحة الانتماء للوطن والبحث عن مشروع يشعر الإنسان أنه يشارك في بناء مستقبل بلاده. من زحام إلي زحام. من زحام الشباب الذين يبحثون عن عمل. إلي زحام لقاء الحوار المجتمعي. كان الزحام شديداً رغم اتساع القاعة. لم تزعجني ضخامة أعداد الحاضرين. ولا كثافة وسائل الإعلام التي تغطي النقاش. بل ربما اعتبرتها من الأمور المبشرة بالخير. لأن هذا معناه أن ثمة إقبالاً علي فكرة الحوار المجتمعي. لأن التصور السابق أن كل منا يريد أن يتكلم علي شكل مونولوج ولا يستمع للآخرين. وعندما ندرب أنفسنا علي الحوار مع الآخر والاستماع إليه والرد عليه. فإننا نضع لبنة أولي لبناء ديمقراطي يجب أن يكون الهدف الأخير لمعظم ما نقوم به. نسبة الاستجابة للحوار كانت أكبر مما أتوقع. عرفت من الحضور فريدة الشوباشي التي كانت تجلس علي المنصة الرئيسية بجوار الوزيرة. وشاركت في الحوار باندفاعها التلقائي وتعبيرها عما تشعر به ببساطة وسهولة وبعيداً عن غابات اللغة المتشابكة. وشاهندة مقلد. صاحبة التاريخ الطويل من النضال السياسي. ولا أدري هل جاءت باعتبارها عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ أم لاستكمال مسيرتها في الوقوف مع عمال مصر وفلاحيها والدفاع عن قضاياهم كما لو كانت قضاياها هي شخصياً؟. تمنيت لو لم يكن الجلوس في القاعة علي شكل مائدة مستديرة. حلمت لو أنه جري تقسيم الحاضرين. أصحاب الأعمال يجلسون في مكان. وممثلو  العمال لهم مكان. والقوي المجتمعية المعنية بالحوار في مكان ثالث. تتوسط كل هؤلاء الوزيرة التي تدير الحوار. ومعها مستشاريها من أهل القانون. لا أقصد التفرقة بين الناس. ولكني أتمني التمييز والتمايز في الجلوس الذي يمكن أن يحدد المواقف. حضرت مناقشات ثلاث قضايا. الأولي: المادة التي تنص في مشروع القانون الجديد علي أنه لا يجوز تشغيل العامل من قبل صاحب العمل بالسخرة. والثانية مشروع المادة الذي ينص علي أنه ليس من حق صاحب العمل إهانة العامل ولو حتي بالقول واللفظ. والثالثة: أن العمالة المؤقتة لا يمكن أن تكون أبدية. وأن شرطها ألا تزيد علي ستة أشهر فقط. لم يعجبني موقف ممثل رجال الأعمال عندما رفض القضية الأولي والثانية. ورفضه غريب ومثير للتساؤلات. فإن كان رجال الأعمال لا يشغلون العمال سخرة فما الذي يمنع وجود مثل هذه المادة في مشروع القانون الجديد. ولو أنه كانت هناك فرصة للكلام. لتساءلت عن موقف الشباب الجامعيين الذين يعملون في المطاعم والكافتيريات والمقاهي ومحطات البنزين بدون أجر. بل يتقاسمون آخر الأسبوع قيمة البقشيش. أليست هذه سخرة؟. كنت أتمني أن يكون في مشروع القانون الجديد عقوبة لرجل الأعمال الذي يشغل العاملين عنده سخره وأن تتصاعد العقوبة في حالة تكرار ذلك. أما احترام صاحب العمل للعامل ما الذي يمنع أن ينص عليه القانون بشرط أن يؤخذ اقتراح شاهندة مقلد علي أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين. أما ما قيل عن العمالة المؤقتة فيؤكد أن الوضع الحالي يتعدي المأساة. فلدينا عمالة مؤقتة تعدت السنوات الطويلة ولم تتحول من المؤقت إلي التثبيت.