ولعل أكثر ما يعكس سلبية العقلية الإخوانية وتخلفها.. هو أن الدعوة للمصالحة موجهة للدولة المصرية.. اي الحكومة.. أي السلطة الحاكمة.. وليست موجهة للشعب  الدعوة للمصالحة مثل الصياد الذي يلقي الحب للطير، فهو لا يريد نفع الطير، وإنما يريد نفع نفسه.. سيقف التاريخ طويلا.. أمام مبادرة المصالحة بين الدولة»!!« والإخوان.. وهو يقهقه.. ضاربا الأرض بقدميه.. لأن فكرة المصالح منقولة حرفيا من حكايات كليلة ودمنة. حكايات كليلة ودمنة مشحونة بمبادرات المصالحة من أجل التقاط الانفاس والاستعداد للانتقام والغدر..  وهي مصالحات أقرب للهدنة في ميادين القمال يقدمها الطرف الاضعف.. وفي كل منبت شعرة من جسمه.. أسد يمد إلي الفريسة مخلبا».. كما  يقول الشعراء. والطريف ان كل حكايات كليلة ودمنة تتفق في حكمة محددة وهي «لا تلتمس تقويم مالا يستقيم.. لأن الحجر الصلب.. لا تجرب عليه السيوف.. والعود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس». حكايات كليلة ودمنه مشحونة بحكايات مصالحات النذالة لكسب الوقت من أجل الانقضاض في الظرف المناسب.. وأبطالها من جماعات القرود أحيانا.. ومن الثعالب والذئاب والكلاب في احيان أخري. إذن.. فالمناورة تحت نقاب المصالحة.. قديمة والتاريخ مشحون بمصالحات النذالة.. من بينها علي سبيل المثال المصالحة التي عقدها الزعيم النازي هتلر مع الزعيم السوفيتي ستالين في ٢٣ اغسطس  سنة ١٩٣٩ وصدق عليها مجلس السوفيت الأعلي في ٣١ اغسطس سنة ١٩٣٩ وعرفت باسم اتفاقية عدم الاعتداء والتي اعتبرها المؤرخون نقطة التحول في تاريخ أوروبا.. واعتبرها بعض آخر بأنها نقطة التحول في تاريخ العالم.. لان التصديق علي الاتفاقية جاء قبل يوم واحد من الهجوم النازي علي بولندا. وفي ١٠ ديسمبر سنة ١٩٨٠ طالب الكاتب البولندي سيسلاف ميلوتش في حفل حصوله علي جائزة نوبل.. اعتبار يوم ٢٣ اغسطس من كل سنة.. هو يوم الأحزان التي تنكس فيه الاعلام.. في ربوع العالم. هكذا كانت نذالة المصالحة التي لا تزال شعوب العالم تعاني ويلاتها حتي لحظة كتابة هذه السطور. • • • المثير في الموضوع ان اقتراح هتلر بتوقيع اتفاق عدم الاعتداء مع ستالين جاء ضمن مخطط الحرب.. وغزو الاتحاد السوفيتي.. بما يعني أن هتلر عندما أعد عدته لغزو الاتحاد السوفيتي.. فكر في عقد اتفاق عدم اعتداء بين البلدين من باب الخداع الإستراتيجي وتنويم القيادة السوفيتية في العسل. ولا أود في هذه العجالة الدخول في تفاصيل المحادثات التي اجراها وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف.. والتي اتسمت بالاسراف في ابداء حسن النوايا.. وتبادل كلمات التعاون المشترك.. وبناء المستقبل.. مع الدولة الكبري المانيا.. الخ. لسبب بسيط هو ان السادة ضعفاء الإدراك الذين يروجون للمصالحة. يرددون نفس الكلمات والمفردات.. التي جاءت في التجارب المشابهة.. وفي حكايات كليلة ودمنه.. بل في امثالنا الشعبية التي تقول «اتمسكن حتي تتمكن»!. يضاف إلي هذه السوابق.. التي يحفل بها التاريخ.. اننا امام جماعة ترفع الشعارات الدينية من باب الخداع والتمويه.. ويرتبط تاريخها بكل ألوان الخسة والنذالة والاغتيال.. والتآمر. • • • لا توجد مرحلة واحدة من مراحل تاريخنا الحديث لم تشهد اعمال النذالة المفرطة التي ارتكبتها هذه الجماعة.. سواء في العصر الملكي الذي انتهي بحريق القاهرة والمنشآت الراقية وسط البلد في يناير ١٩٥٢..  أو في زمن جمال عبدالناصر.. بكل ما جري فيها من تفاصيل.. لم ينشر اغلبها للأسف الشديد أو في زمن أنور السادات.. الذي اغتالته الصهيونية بأيد ترفع الشعارات الإسلامية. وفي حقبة حسني مبارك.. ظهرت الميليشيات المسلحة في جامعة الأزهر سنة ٢٠٠٦ التي استعرضت قوتها في مشهد لم تكن تعرفه الجامعات المصرية التي يتلقي فيها الطلبة التعليم بالمجان.. علي نفقة البسطاء في سكان المقابر والعشوائيات الذين تفاقمت مشاكلهم طوال ٣٠ سنة من حكم مبارك.. وتحولوا إلي قنابل.. تدمر وتنتشر بينها مذاهب التطرف والعداء للمجتمع. وفي هذا الصدد لا ينبغي هنا ان نتجاهل ان الإخوان خانوا كل من وقف معهم.. وتحمس لهم ومساندهم.. ابتداء من جمال عبدالناصر في بدايات ثورة يوليو ١٩٥٢.. وحتي الذين عقدوا معهم اتفاق فندق فيرمونت. • • • الآن نحن أمام حالة منقولة حرفيا من حكايات كليلة ودمنه وتسعي للمصالحة من أجل كسب الوقت.. واعادة تنظيم الصفوف.. والسماح لسرطان الإخوان بأن يستشري في جسد الأمة.. مثل الصياد الذي يلقي الحب للطير.. فهو لا يريد نفع الطير.. وإنما يريد نفع نفسه.. علي حد ما جاء اكثر من مرة في حكايات كليلة ودمنة. بين الحيوانات والطيور والتماسيح والضفادع. إلخ. ولعل أكثر ما يعكس سلبية العقلية الإخوانية وتخلفها.. هو أن الدعوة للمصالحة موجهة للدولة المصرية.. اي الحكومة.. أي السلطة الحاكمة.. وليست موجهة للشعب صاحب الرأي الأول في هذه القضية. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه مشاعر الكراهية الشعبية ضد جماعات الإسلام السياسي.. سواء بسبب التفجيرات او نسف ابراج الكهرباء أو اغتيال الجنود.. أو العبوات الناسفة وحرق السيارات.. إلخ.. نجد ان جماعة الإخوان تتقدم بمبادرتها الساذجة للحكومة.. من اجل ما يسمي بالمصالحة.. بما يعني اجراء المصالحة مع القتلة. ولم تتقدم بمبادرة واحدة للشعب.. تحاول فيها التأسف والتندم! وفي كل الاحوال فالشعب يرفض المصالحة مع القتلة.. ولديه الدليل في حكايات كليلة ودمنة!