يا سادة يا ممولين انظروا الي أبعد من مواقع أقدامكم، راعوا الفقر الذي يتسع من حولكم، أمنوا حياتكم وحياة أسركم ببعض من أموالكم. هذا وضع وبكل صراحة مايع وغير مفهوم ومحرض علي الخروج عن نطاق الصدق والامانة بل تفريط فيما ليس للدولة أن تفرط فيه !  نحن اكثر دول العالم تساهلا في بند الضرائب. جميع الدول الر أسمالية العتيدة غربا وشرقا ضرائب الشرائح العليا لديها بنسبة تزيد الضعف وطالع بالمقارنة بنا ومن لا يصدق ما عليه الا أن يفتح » جوجل»‬ ليعرف معلومات عن ضرائب أي دولة يختارها ويتأكد... عموما ليس هذا بموضوعنا الآن إنما هو التعاملات اليومية بين المواطنين كأفراد لنلقي عليها مزيدا من الضوء لانها واقع الامر من أشكال التهرب الضريبي وبنحو فاقع للمرارة الي حد أن كاد يكون اقتصاد آخر مواز ويتجاهل الدولة والدولة بدورها تغض الطرف حياء وخفرا! الاقتصاد الموازي مثار موضوعنا هذا... بشيء من الملاحظة نستطيع أن ندرك كم التعاملات المالية اليومية التي لا تدون ولا تسجل ولا وراءها سجلات ولا أمامها من رقيب أو حسيب سوي ضمائر أصحابها ولو أننا لا نريد الدخول في منطقة الذمة والنية والمناطق الشائكة تلك ! باختصار لندخل في الصميم: ما يعرف »‬بالايصالات» والفواتير والسجلات المعتمدة والأشياء من هذا القبيل شبه معدومة، رغم أن التعميم لا يجوز الا أنه في هذا المجال يجوز!  جميع مجالات المهن اليومية وغير اليومية، والمشتروات بانواعها من مجمل خمسين جنيها وطالع، وسائر الخدمات بكل ما يدخل في بند دخول حرة، ولا تجد من يكلف خاطره ويحفظ أولا بأول ما يدل علي ما قبضت يده ولا ما دخل جيبه... جميع المعاملات اليومية نادرا ما تجد من يسجلها في ملف ورق معتمد ومرقم ويحدد دخلا أو أجرا أو ثمنا.. لا شيء ولاورق لدي من أخذ ولا من دفع!  في مصر لدينا هنا عشرات ومئات الآلاف من الجنيهات وأكثر يتم تبادلها يوميا بهذا النحو في الهوا! تلك النوعية من التعاملات جميعها، المحال العامة بأنواعها من بقالة لصيدليات الي الجواهرجية والصياغ، هؤلاء جميعهم لا يتعاملون حسب فواتير وايصالات مرقمة في سجلات معتمدة اللهم الا فيما ندر.. جميع مكاتب الخدمات من عيادات أطباء لمكاتب محامين ومهندسين الي سائر الوان الخدمات والمن الحرة التي يرفع أصحابها أتعابهم من جانبهم متي وحيثما شاءوا، الغالبية فئات لا تخضع لنظام ضرائبي ممنهج بالنحو المتبع المفهوم ولا تخضع لغير ما تقدر الذمة والضمير أو ذمة المحاسب المختار وشطارته!.. أما عن الورش وأصحاف الحرف ممن ليست لهم ملفات ضرائبية من الأساس فحدث ولا حرج...  هذا وضع وبكل صراحة مايع وغير مفهوم ومحرض علي الخروج عن نطاق الصدق والامانة بل تفريط فيما ليس للدولة أن تفرط فيه!  مالا يقل عن مليار جنيه يوميا هي قيمة تلك التعاملات حسب تقدير خبراء السوق ! مليار جنيه متداولة كل يوم علي كل مستوي في طول البلاد وعرضها بينما حق الدولة شبه غائب!  معني ذلك أن احدا لا يريد أن يحاسب ضرائبيا بالورق والسجلات يعني بالضبط والربط والذمة مع أن من الأتعاب ما رفعوه في سنوات معدودة أضعافا دونما حسيب ولا رقيب ولا حد قال تلت التلاتة كام!.. طيب ادفع ضرائبك بالحساب والورق !  هنا يخطر التساؤل: كيف تضمن الدولة حقها بالمظبوط؟؟ تعالوا نبحث ماذا تفعل الدول الاخري في مثل هذه الاحوال... لنبدأ من واقع أن البشر هم البشر لا يفرقوا عن بعضهم البعض في كثير فلا ملائكة في هيئة بشر رغم أن بعض الأمم لها من الوعي والادراك نصيبا أكبر من غيرها، مواطنها يدرك أن حق الدولة الذي يقدمه انما يعود عليه وعلي أسرته استقرارا وطمأنينة في نهاية المطاف... لكن المجتمعات بحاجة لضوابط وقوانين وصرامة في تطبيق القوانين لتتحول مع مضي الوقت الي ثقافة اجتماعية مرعية...  لنعتبر نحن هنا بما فعلته ايطاليا منذ نحو خمس عشر عاما ازاء حال قريبة من حالنا هذه.. فكيف واجهت التهرب من ضرائب بملايين الملايين من هذه النوعية من تعاملات ؟!  أصدر البرلمان قانونا يلزم كل من يدفع نقدا يزيد عن ــ كذا ــ ضرورة أن يتلقي ايصال ـ فاتورة ومرقم بالسجل الضرائبي الذي يخص الطرف المتلقي.. هذا أو يقع ـــ الطرفان ـــ تحت طائلة القانون بعقوبة حددها التشريع، بمعني ان العقوبة في تلك الحالة تطول الطرفين من أعطي ومن أخذ ! شرع القانون لوزارة المالية أن تخصص مفتشين معتمدين ببطاقة تحقيق الشخصية لهم حق الضبطية القضائية في مهام الزيارات المفاجئة للتأكد من استيفاء الشروط، في المحال والمكاتب والورش وكل ما يدخل في نطاق الاعمال الحرة لضمان تطبيق القانون. أعرف مصريين تعرضوا علي أيامها لهذا الموقف عندما فاجأهم مندوب الضرائب أثناء خروجهم من أحد المحال الكبري في روما وطلب التأكد من وجود ايصال الشراء!.... مثل هذا القانون.يتحول مع الوقت الي نظام متبع ويتخذ مجراه بنحو طبيعي أما غير الطبيعي فهو الذي يحدث لدينا الآن من اقتصاد مواز خارج نطاق الدولة ! مثل هذا القانون يكفل اضفاء عدة مليارات لميزانية الدولة.. يا سادة يا ممولين انظروا الي أبعد من مواقع أقدامكم، راعوا الفقر الذي يتسع من حولكم، أمنوا حياتكم وحياة أسركم ببعض من أموالكم.. أردت أن أنهي هذه السطور بمثل شعبي أوروبي يختزل كل هذه المعاني في نذير وتنذير انما لا داعي هذه المرة ربما في مرة قادمة !