عرفت أبو العز الحريري شاباً بسيطاً يمتليء غضباً وثورة في بداية السبعينيات، عاملا مثقفا في شركة الغزل والنسيج، ودارسا منتسبا للجامعة، هو رجل عرك الحياة واشتبك مع السياسة، أصقلته التجارب وأكسبته صلابة تليق بأولي العزم، لاأحسبه استراح يوماً منذ عرفته في السبعينيات مناضلاً شاباً، كان وظل يتوهج حياة ويتدفق نشاطاً ويمتلئ بأمل التغيير والإصلاح والثورة، لم تنل منه الزنازين ولاظلم الحكم وعسف السلطة، خرج كل مرة أصلب مما كان، ولم يقعده إلا المرض وهو الذي لم يكن يستريح إلا بين الناس ووسط الجماهير. في رمضان الماضي تلقيت مكالمته التليفونية في مساء متأخر، كان كعادته صلباً يسأل عن أصدقائه ومحبيه ورفاق نضال حرص دائماً علي إشراكهم في كل عمل يستهدف صالح الوطن ومصالح الجماهير، ولطالما جاءتني مكالماته ليطلعني علي آخر مستجدات الإسكندرية وتحركاته الوطنية ويطلب مشاركتي وعدم التغيب عن ساحة العمل العام في الإسكندرية. هو لم يكن إلا صديق علي البعد يحرص علي التفتيش عن قواسم مشتركة مع كل المناضلين والسالكين في محراب الوطن. كان يعرف خريطة الوطن السياسية كما يعرف أصابع كفيه، ولم يكن تخدعه المزايدات بينما يعمد للب القضايا وقلب الأشياء. عرفت أبو العز الحريري شاباً بسيطاً يمتليء غضباً وثورة في بداية السبعينيات، عاملا مثقفا في شركة الغزل والنسيج، ودارسا منتسبا للجامعة، بدأ عصامياً ولايزال، كان مرشحاً عن مقعد العمال في دائرة كرموز التي جيش نظام السادات ضده لإسقاطه، وكان علي الضفة الأخري من دائرته الدكتور القاضي وكمال أحمد مرشحيا دائرة العطارين واللبان، وحمدي مرسي دائرة محرم بك، ومحمد البدرشيني دائرة غربال، كانوا رموزا سكندرية من اليسار المصري الأصيل علي تنوعات أفكاره من الناصرية للإشتراكية للماركسية. كنا لانزال نتلمس طريقنا في جامعة الإسكندرية: عاطف جلال رحمه الله، عبدالعزيز عمار، محمد عباس رحمه الله، يونس عبادي، ومحمود بيرم، وآخرين يجمعنا نادي الفكر الناصري مع حمدين صباحي وماجد جمال الدين وطارق النبراوي، وحمدي ياسين ومحمد عبد الله رزة، وبهاء شعبان من القاهرة. رأينا في أبوالعز والقاضي وكمال أحمد والبدرشيني مناضلين ضد سياسات الانفتاح وضرب تحالف قوي الشعب العاملة والتوجه الرأسمالي لنظام السادات وتقكيك القطاع العام وتغيير التركيبة الاجتماعية للطبقة الوسطي وسحقها لصالح هندسة هرم اجتماعي جديد تربطه مصالح مباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية وهيئة المعونة لخلق رأسمالية مزيفة متوحشة علي غرار الكومبرادور الدولي المعادي لأيدلوجيات اليسار والطبقات الفقيرة من العمال والفلاحين. كنا في ذلك الوقت نتشبث بكل عمل نضالي لايزعزع الأرض من تحت أقدامنا ولايجعلها تميد بأفكارنا في الاستقلال الوطني والحرية والعدالة الاجتماعية التي أسس لها جمال عبد الناصر. كنا نعكف في منزل عاطف جلال نعد اللافتات والمطبوعات والمنشورات والملصقات طوال النهار ثم نقوم بجولة المرور علي الدوائر الانتخابية، والمسيرات والمؤتمرات وكم تعرضنا للضرب والسحل والعنف، وتعرض الحريري للاغتيال أكثر من مرة، وعندما نجحت هذه المجموعة المحترمة بفضل أول انتخابات نزيهة نسبياً أجراها ممدوح سالم وزير الداخلية ورئيس الحكومة الأسبق، لم يتوان السادات في حل المجلس للخلاص من صداعهم ومعهم المستشار ممتاز نصار عن البداري وخالد محي الدين عن كفر شكر وكمال الدين حسين، الدمرداش العقالي، وإبراهيم شكري. ولن أكتب لك عن مسيرة أبو العز الحريري فذلك موجود علي الإنترنت، لكني أضع أمامك صفحات من تاريخ مناضل عبر العصور، أبداً لم يساوم علي مبدأ ولم يحاول المواءمة أو اعتماد أنصاف الحلول، وأذكر أنه قبل انتخابات 2000 عقد الأستاذ عصام السعدني المحامي لقاء جماهيرياً بمقر الجمعية الوطنية برمل الإسكندرية حضره أ. مصطفي بكري ومحافظ الإسكندرية عبدالسلام المحجوب وكان أبو العز وكمال أحمد والبدرشيني ضمن من حضروا لقاء محدودا في مكتب عصام السعدني المحامي مع المحافظ وبكري والمناضل الكبير رأفت نوار شيخ محامي الإسكندرية وزمرة من رموز الإسكندرية زكريا قطب وعبدالرحمن الجوهري وجمال أبوالفضل ومحمد بدير ومحمد خليل وزمرة من الشباب والمثقفين، وكان أبوالعز صريحاً وواضحاً كعادته في نقد تجربة مبارك وتوجهات سياساته. أبوالعز الذي لم يهادن أو يجامل حتي المجلس العسكري كان في مقدمة صفوف 25 يناير و30 يونيو ولم تسلم أسرته: الزوجة وأبناؤه هشام وهيثم نشطاء الثورة ولا كل من ذكرته وشخصي من تنكيل السلطة والإخوان لكنه تحمل بشجاعة الرجال، واليوم نشكر الرئيس السيسي لسؤاله عن أبوالعز ونتمني أن ينال تكريماً عاجلاً من الدولة قبل فوات الأوان. أدعوا له وصلوا من أجله.