في البلاد المتحضرة لا توجد مثل هذه المناظر المقززة التي تثير في النفوس القرف والغثيان، فالقانون في هذه البلاد يحظر عرض الذبائح أو اللحوم المجزأة خارج المحلات العامة من    الظواهر الإنسانية التي تختص بها بلادنا، والبلاد المتخلفة ظاهرة تعليق الذبائح علي واجهة محلات الجزارة وعرضها بشكل مقزز يؤذي انظار المارة وخاصة الاطفال الصغار الذين قد يصابون بعقد نفسية تجعلهم يكرهون أكل اللحوم وهي ضرورية في المراحل الأولي من أعمارهم لبناء أجسامهم ونموها.. كما أن عرض هذه الذبائح بهذه الطريقة التي تثير الغثيان وبدون غطاء يحميها من الملوثات المنتشرة في الجو، والحشرات الطائرة بكل أنواعها من ذباب وهاموش وباعوض وغير ذلك يجعلها خطرا علي الصحة العامة. ومن الأمور الغريبة، وغير الانسانية ايضا، أنه في الوقت الذي يئن فيه الفقراء، ويشكون من عدم قدرتهم علي شراءاللحوم، لغلاء اسعارها، وتبذل فيه الحكومة أقصي جهودها لتوفيرها لهم باسعار رخيصة سواء من السودان أو الحبشة أو البرازيل أو غيرها، نجدها تسمح بتعليق اللحوم علي قارعة الطريق وفي جميع الاحياء الشعبية والراقية حتي يشاهدها الفقراء ويملأوا انظارهم منها، ويتحسروا علي حالهم وهم يرون غيرهم من القادرين يقبلون علي شرائها خاصة في المواسم والاعياد، فماذا يكون شعورهم، كيف تتلقي نفوسهم هذه المناظر؟ وما تأثير ذلك علي أعصابهم وبالتالي علي أعمالهم وانتاجهم.. لاشك أنهم سيصابون بالاحباط والنكد والحسرة وخيبة الأمل، وسوف يقارنون انفسهم- بلا وعي منهم- بهولاء القادرين الذين يقتلون اللحوم في يسر وسهولة ويلعنون اللحظة التي ولدوا فيها وجاءت بهم إلي هذه الدنيا.. وسوف تمتلئ نفوسهم بالحقد علي أكلة اللحوم التي هم محرومون منها ولا يرونها إلا معلقة أمام محلات الجزارة، وكم تمنوا أن يروها في بيوتهم! في البلاد المتحضرة لا توجد مثل هذه المناظر المقززة التي تثير في النفوس القرف والغثيان، فالقانون في هذه البلاد يحظر عرض الذبائح أو اللحوم المجزأة خارج المحلات العامة، ويفرض عرضها في فترينات داخل المحل بحيث لا تكون ظاهرة امام المارة، ومحلات الجزارة هناك تحرص علي عرض اللحوم بشكل جميل وأنيق، وكل صنف يكون علي حدة ومجهز للطهي حتي لا تبذل ربة البيت أي مجهود يذكر في اعداد الطعام وبهذه الطريقة تحمي اللحوم من التلوث وتحافظ علي مشاعر الاطفال الصغار، وترحم الفقراء من رؤية هذه المناظر المؤذية وندب حظهم السيئ! وأنا متأكد أن في مصر قانونا يمنع عرض الذبائح علي واجهة المحلات، ولكنه غير مطبق، وينص علي فرض غرامة قدرها مائة جنيه علي كل من يخالفه، وكانت هذه الغرامة تعتبر رادعة عند صدوره منذ عشرات السنين، ولكن قيمتها الآن اصبحت ضئيلة نظرا للطفرة الكبيرة التي حدثت في مستوي المعيشة، والغلاء الشديد الذي شمل كل شيء، واذا أرادت محافظة القاهرة التحري عن هذا القانون وتطبيقه فإن ذلك يستدعي اعادة النظر في نصوصه، وقيمة العقوبات التي يفرضها بحيث تتلاءم مع الظروف السائدة في الوقت الحاضر!! ظاهرة أخري غير انسانية تهدد الصحة العامة وهي عرض الخبز علي الارصفة، في جميع المناطق حتي الاحياء الراقية التي تزدحم بالسفارات الاجنبية والسائحين الذين يصمونا بالتخلف كلما رأوا الخبز معروضا بهذه الطريقة الشاذة نهبا للاتربة والقاذورات وعوادم السيارات، في حين أننا نهتم بالاحذية ونعرضها للبيع داخل فترينات من الزجاج خوفا عليها من التلوث! وقد طالبنا مرارا بحظر بيع الخبز بهذه الطريقة التي تسيء إلينا وتشكل خطورة علي صحة من يأكلونه من المواطنين بل تعرض حياتهم للخطر، ولكن لا حياة لمن تنادي ويبدو أن كبار المسئولين لايهتمون بقراءة الصحف، أو لا يشعرون بمعاناة الناس، وما يهدد صحتهم من اخطار.. ان رغيف الارصفة ما هو الا قنبلة جرثومية قد تودي بحياة من يأكله، أو تجعله عرضة للاصابة بالكثير من الأمراض. انني أناشد محافظ القاهرة د.جلال السعيد ومحافظ الجيزة د.علي عبدالرحمن اللذين أكن لهما كل التقدير والاحترام أن يلغيا هذه الظاهرة التي تهدد صحتنا، وتوصمنا أمام الاجانب بالتخلف، ويقصرا بيع الخبز علي المحلات والاكشاك والمخابز، بذلك نكون قد حسمنا مشكلة صحية مهمة وفي الوقت نفسه أنقذنا سمعتنا أمام السائحين والزائرين لبلادنا من الأجانب.