يثبت التاريخ أن مصر استطاعت تقديم تجارب وطنية فريدة عندما اكتتب ١٢٦ مصريا أسس طلعت حرب بنك مصر ١٩٢٠ برأسمال ٨٠ ألف جنيه ، استطاع أن يحدث به نقلة نوعية في تمويل المشروعات مع حرية اتخاذ القرار لا تمويل.. لا مشروعات»‬ تلخص هذه العبارة العلاقة بين المشروعات والتمويل.. فمتي توافرت الافكار البناءة تحسس المستثمرون جيوبهم وجيوب الاخرين بحثا عن رأس المال ذاتيا كان أم قروضا.. تساعد القروض ذات الشروط الميسرة علي تنفيذ المشروعات بكلفة اقل.. في حين تضع القروض التجارية عبئا اضافيا مرده ارتفاع سعر الفائدة وقصر مدة السداد.. تصنف مشروعات البنية التحتية تحت بند مشروعات كثيفة الاستثمار. فعادة تتخطي تكلفة احد مشروعات الطرق، أو شبكات الاتصالات أو محطات الطاقة، مئات الملايين من الجنيهات يصعب تنفيذها مع نمو الناتج المحلي بمعدل ادني من ٣٪ . في ذات السياق، تمثل حزم مشروعات البنية التحتية ركنا اساسيا في برنامج العمل للفترة المقبلة، تنوعت مجالاتها وتعددت اغراضها لتشمل مشروعات شرق التفريعة، وتنمية محور قناة السويس، ومحطات طاقة شمسية ونووية، والتوسع العمراني للمحافظات بالاستفادة من ظهير صحراوي، علاوة علي مراجعة شبكة الطرق، وانشاء المطارات ومحطات الكهرباء والمياه والصرف وانظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات الاجتماعية كالمستشفيات والمدارس والمساكن منخفضة التكاليف. وسواء قررت الدولة التكفل بإنشاء مشروعات البنية التحتية منفردة أو عبر شراكات أو من خلال القطاع الخاص وحده، يطارد هاجس التمويل جميع الاطراف، ومع ضعف التمويل المحلي يأتي التمويل الاجنبي المقيد بشروط والخاضع دائما وأبدا للمناخ السياسي. لذا تقدم آليات التمويل المبتكرة حلولا التنفيذ، منها الشراكة بين الجهات الحكومية والخاصة ومشروعات البناء والتملك والتشغيل والنقل وغير ذلك من آليات تخفيف ضغط الاستثمارات علي ميزانيات الدول، ليرتبط نجاح هذه المشروعات بجودة التنفيذ وتسعير عادل يضمن عائد جاذب للشركاء جميعا. تتحدد آليات تمويل المشروعات العملاقة في مصر مستقبليا في عدة بدائل، أولاها واقصرها بإقامة تكتل عدد من البنوك الوطنية كبنك مصر والأهالي والقاهرة وربما رأي بنك اقليمي المشاركة كالبنك العربي الافريقي في تكتل يؤسس لرأس مال يوجه لمشروعات البنية التحتية إما من خلال الانفاق علي حصص تمويلية مع بقائها في حوذة مالكيها لتقديمها عند الطلب بموجب اتفاقات واضحة ومحددة، أو بانشاء بنك للتنمية والاستثمار يمول مشروعات البنية التحتية مع دعوة ابناء الوطن للاكتتاب العام المفتوح لتتحول فيه الاسهم الي خزانة البنك بدلا من توجيهها الي مشروع بعينه. وتعد السندات طويلة الاجل تستحق خلال ٢٠ الي٢٥ سنة ثاني البدائل التي يمكن انتهاجها لتمويل المشروعات كثيفة الاستثمار، اذ تتميز بمستوي مخاطر منخفض، وثقة عالية من المكتتبين، حيث تمثل نحو ١٠٪ من اجمالي تمويل المشروعات عالميا، مع الاخذ في الاعتبار ما تتطلبه من قواعد تنظيمية تكسبها الثقة. ايضا تعد الصكوك الاسلامية بديلا ثالثا تنتهجة الكثير من الدول في المنطقة كوسيلة لتمويل مشروعات البنية التحتية، وتفيد بعض التقارير امكانية توفير تمويل من خلال الصكوك يقدر بعشرات المليارات من الدولار لمشروعات البنية التحتية في المنطقة العربية مقارنة بنو ١٣٠ مليار دولار عام ٢٠١٤ . كما تتضمن آليات التمويل سبل الشراكة بين القطاعين العام والخاص اعتمادا علي اداء سريع ومنضبط يميز اداء القطاع الخاص مدفوعا بالرغبة في تعظيم ارباحة.. مع توفير ضمانات سيادية ضد المخاطر السياسية لتجنب احتمالات التأجيل أو الالغاء، وتتسم آليات الشراكة بتخفيف الاعباء المالية علي الموازنة الحكومية ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الانتقالية التي تمر بها الدولة. وعلينا ان نعلم ان قوانين السوق لا تسمح بوجود فراغ استثماري، بمعني ان وجود فرص استثمار حقيقية وجادة وذات عائد مربح مرهون بتدبير روافد تساند المستثمرين الذين تتراوح مساهماتهم الذاتية بين ٢٠ الي ٣٠٪ من رأس مال المشروع، ارتفعت تحت وطأة ارتفاع مؤشر مخاطر الاستثمار الي ٤٠٪ مقابل ٦٠٪ للبنوك. كما ان غياب التمويل المحلي سوف يدعو البنوك الدولية لفرض شروطها التمويلية متعللة بحالة عدم التوازن السياسي التي عاشتها الدولة لسنوات ثلاث وتأمل ان تتعافي منها بعد اتمام الاستحقاق الرئاسي. ان انشاء بنك لمشروعات البنية التحتية تحت مسميات من قبيل بنك التنمية والاستثمار يمكنه تقديم التمويل اللازم لهذه المشروعات مع تغطية لمخاصر الاستثمار مما يحسن من قدرة هذه المشروعات للوصول للتمويلات اللازمة لها، ومن ثم تيسير بلوغ مصر لأهدافها المنظورة.