مثل هذه الأخبار والتصريحات تأتي من باب جبر الخواطر، ولكنها لاتقدم حلا لتلك المأساة التي تعيشها مصر حاليا والتي حذرت وحذر كثيرون غيري من وقوعها منذ عام مضي ما  الذي يستفيده المواطن من توجيهات رئيس الوزراء بقطع التيار الكهربائي عن منزل أسرته مثل باقي المواطنين؟ وما الذي يجنيه المواطن من تصريح وزير الكهرباء الذي يؤكد فيه أن الكهرباء تقطع في منزله شخصيا؟ مثل هذه الأخبار والتصريحات تأتي من باب جبر الخواطر، ولكنها لاتقدم حلا لتلك المأساة التي تعيشها مصر حاليا والتي حذرت وحذر كثيرون غيري من وقوعها منذ عام مضي دون أن يهتم صاحب أمر. والتفسير الإعلامي لهذه التصريحات أن الأزمة مستمرة وليس باليد حيلة. نريد أن نعرف ما لذي انتهت إليه اجتماعات الرئيس المتكررة مع الوزراء المعنيين بأزمة انقطاع الكهرباء؟ وما الحلول القريبة والمتوسطة وبعيدة الأجل التي اتخذتها الحكومة وعرضتها علي الرئيس لحل هذه الأزمة؟ فالعبرة ليست بكثرة الاجتماعات ولكن بالقدرة علي الحل. وإذا كانت الكهرباء تقطع حاليا لمدد تتراوح بين 6 و8 ساعات بالقاهره وتزيد إلي 16 ساعة في الأقاليم، فلا يمكن أبدا القبول بأن عجز الكهرباء الحالي في حدود 5000 ميجاوات فقط، لأن هذا الرقم يعني أن زمن الانقطاع المتوقع للكهرباء في حدود ساعتين أو ثلاث يوميا فقط. أعرف يقينا المشكلات التي يعاني منها قطاع الكهرباء، وهي مشاكل ليست هينة أبدا، فالشبكة لم تخضع للصيانة منذ 4 سنوات وهذا يقلل كفاءتها بنسب تصل إلي 20%، كما أن الظروف التي مرت بها البلاد خلال السنوات الأخيرة اقتصاديا وأمنيا أدت إلي توقف إنشاء محطات كهرباء جديدة، فالمحطة الواحدة سعة 1000 ميجاوات تتكلف نحو مليار دولار، ويستغرق إنشاؤها من 3 إلي 4 سنوات، وقبل 2011 كان البنك الدولي يوافق علي تمويل مشروعات الكهرباء بمصر فورا لأنها كانت مضمونة السداد، أما بعد هذا التاريخ ومع الظروف الاقتصادية التي مرت بها مصر وانخفاض التصنيف الائتماني لها فلم يعد هناك من يقبل بتمويل أي مشروعات في مصر بسهولة. والتمويلات القادمة حاليا لاستكمال مشروعات قديمة مثل محطة جنوب حلوان، وليست لانشاء محطات جديدة، وهذا يعني أن الأزمة مرشحة للتفاقم أكثر خلال السنوات القادمة. ومن المشكلات المزعجة أيضا تغيير النمط السلوكي والأخلاقي للمواطن المصري، فبعد أن كانت وزارة الكهرباء تطلب مساحات أراض لإقامة أبراج الضغط العالي الخاصة بالشبكة وتحصل عليها بمقابل مالي معقول، أصبح البعض يغالي بصورة غير مقبولة علي الإطلاق في طلب مقابل السماح لوزارة الكهرباء بإقامة برج ضغط عال في أرضه لدرجة تصل إلي عشرات أضعاف ما كانت عليه قبل 2011، والحكومة لاتجرؤ علي استخدام حق المصادرة للمنفعة العامة !! والأهم أنها بعد أن تتمكن من إنشاء البرج، يقوم الآن فصيل غير وطني بنسفه بهدف إحراج النظام الحاكم الجديد وإظهار عدم قدرته علي التعامل مع أزمة الكهرباء والاجراءات القانونية المتبعة حاليا لاتحقق أي ردع . ناهيك عن مشكلات نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات والذي يؤدي لتعطيل محطات بأكملها. كل هذه مشكلات صعبة ونعرفها جيدا، ولكن الأزمة تتفاقم، ولا أدري علي أي أساس استند المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء في تصريح له منذ شهر بقنا ان الكهرباء سوف تشهد تحسنا ملحوظا خلال 45 يوما، وقد استمعت منذ أيام لتصريح للمتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء يؤكد فيه أن الشهر القادم سوف يشهد تحسنا ملحوظا، وفوجئت أنه يستند لأن درجات الحرارة في سبتمبر تكون أقل من أغسطس، وهذا يعني بالضرورة أن التحسن المرجو ليس بسبب إجراءات جديدة ولكن بسبب التحسن المتوقع في الأحوال المناخية.. والتحسن هنا يعني أن فترات انقطاع الكهرباء سوف تقل بمعدل ساعة أو اثنتين، ولكن يظل الانقطاع مستمرا. وقد لجأت الحكومة إلي رفع أسعار الكهرباء بصورة تزامنت مع زيادة فترات انقطاعها، وكان مطلوبا أن يشعر المواطن بتحسن في الخدمة يتواكب مع رفع أسعارها. ولا أدري لماذا لم تنفذ الحكومة مشروع اللمبات الموفرة اللازمة لتقليل الاستهلاك في الشوارع والمنازل كما أعلن الرئيس السيسي أثناء حملته الانتخابية، فبريطانيا مثلا التي لا يوجد بها دعم للطاقة قامت بتوزيع 4 ملايين ونصف المليون لمبة موفرة خلال يوم واحد بأسعار زهيدة لتوفير استهلاك الطاقه وهي لا تعاني أزمة، فلماذا لا تتبني الحكومة مشروعا مماثلا وهي التي تعاني الأزمة؟ إذا كانت الدولة تريد جذب استثمارات جديدة لتحسين الوضع الاقتصادي، فمن هو المستثمر الذي سيغامر بوضع أمواله في دولة تعاني من انقطاع الكهرباء بهذا الشكل، وليس لديها خطة محكمة ومعلنة للتعامل مع الأزمة والقضاء عليها خلال فترة زمنية محددة؟ أعتقد أن الخطاب السياسي والإعلامي للرئاسة والحكومة معا في حاجة لتعديل حتي يتفق مع آمال وطموحات المواطن في عهد جديد بدأ مملوءا بالأمل والإرادة، وعدم وضوح الرؤية لحلول المشاكل سيجعل المواطن يفتر.