ليس أكثر تأثيراً علي  أداء الإنسان من الكلمات التي يستخدمها أو التي يعمل في إطارها .. ولذلك برع الأمريكيون ، أساتذة الإعلام والتسويق، في إطلاق المصطلحات الجذابة علي ما يريدون تسويقه للآخرين ، وعلي ما يريدون من الآخرين قبوله .. الحرب علي العراق أطلقوا عليها »‬ عملية تحرير العراق» ، والحرب علي أفغانستان أطلقوا عليها »‬ عملية الحرية الدائمة» ،  والعمليات الأمريكية في الصومال أطلقوا عليها »‬ عملية استعادة الأمل» ، والحرب علي هاييتي أطلقوا عليها »‬عملية دعم الديمقراطية» .. حتي المظاهرات والاحتجاجات الواسعة التي ملأت الوطن العربي خلال عامي 2010 و2011 وكان لهم يد فيها ، أطلقوا عليها اسم »‬ ثورات الربيع العربي» .. وجميع هذه المصطلحات أسهمت في قبول هذه العمليات ، وفي التسويق الجيد لها ، رغم اعتراض البعض عليها ، ورغم وضوح الأهداف الخبيثة لها بعد ذلك .. في علم التسويق الاجتماعي والسياسي ، قاعدة أساسية تشير إلي أن حسن اختيار  الاسم أو العنوان للمشروع يسهم في نجاحه إلي حد كبير ، والأهم من ذلك أنه يحدد الإطار الذي يعمل فيه الآخرون ، ويحدد السقف الذي يطمحون إلي بلوغه .. علي سبيل المثال ، هناك فرق بين برنامج يهدف إلي »‬عبور أو اجتياز الأزمة» ، وبرنامج يهدف إلي »‬ التغلب علي الأزمة» ، بين طالب يهدف إلي »‬ النجاح» ، وآخر يهدف إلي »‬ التفوق» .. ولذلك ، ولأهمية اللغة المستخدمة في التعبير عن الأشياء ، تم تشكيل لجان دولية عديدة لتغيير المفاهيم التي لا تتفق مع الأهداف المرغوبة ، وعلي سبيل المثال ، فقد تم تغيير مصطلح »‬ المعاقين» ، إلي مصطلح »‬ متحدي الإعاقة» ،  وتم تغيير كلمة »‬ الجنس» في الإشارة إلي كون الشخص ذكراً أو أنثي إلي »‬النوع» .. وفي الولايات المتحدة ، غيروا مصطلح »‬ الآباء المؤسسين» الذي تم استخدامه لأكثر من قرنين من الزمان في الإشارة إلي مؤسسي الولايات المتحدة وواضعي دستورها إلي مصطلح »‬ المؤسسين» حتي لا يتم التمييز لصالح الآباء دون الأمهات .. لازلنا نستخدم المصطلحات الخاطئة في التعبير عن الأشياء في مصر ، لازلنا نستخدم المصطلحات الخاطئة في التعبير عن الأشياء ، مما يجعل من عملية تسويقها ، ومن عملية إقناع الآخرين بها أمراً صعباً .. خذ علي سبيل المثال الحدث الذي نعيش في ذكري حدوثه الأولي ، وأقصد به فض اعتصام رابعة العدوية ..  ولا أريد الدخول في أي تفاصيل عن دوافع هذا الاعتصام وأهدافه ، غير أن ما أريد الإشارة إليه هو عدم التوفيق في استخدام المصطلح الذي تم استخدامه في التعبير عن إنهاء هذا الاعتصام والقضاء عليه .. ركزت وسائل الإعلام علي عملية »‬الفض» ،  ونسيت العملية الأشمل التي جاء هذا الفض في إطارها .. نسيت أن المصطلح الأوفق هو عملية »‬استعادة هيبة الدولة» ، ونسيت أن المصطلح الذي يجب ذكره دائماً أثناء التغطية لهذا الحدث هو »‬ عملية تأكيد الإرادة الشعبية» ، وهما مصطلحان لا يستطيع أحد أن يجادل فيهما .. نعم .. كانت عملية »‬لاستعادة هيبة الدولة».. وكانت عملية لتأكيد أننا نعيش في دولة ولسنا نعيش في مجتمع قبلي ، أو دولة »‬جماعة» ..  هناك فرق كبير بين أن تعمل في إطار دولة ، وأن تعمل في إطار جماعة .. بين أن تكون أجزاء الدولة كلها كياناً كاملاً علي تنوع وظائفها وأهدافها ، وبين أن يكون كل جزء يعمل »‬ علي كيفه» ولا يعبر عن المجموع الكلي للدولة .. نجحنا جميعاً كدولة حين تم فض رابعة .. ونجحت الدولة كمؤسسات وككيان لا يقبل وجود إرادات متعارضة بداخله حين تم فض الاعتصام.. ونظلم أنفسنا ، ونظلم الفدائيين الذي نفذوا هذه العملية لو وصفنا ما تم بأنه مجرد فض اعتصام ، أو مجرد تفريق لجماعات لا تنتمي للدولة .. بل كان حرباً لاستعادة مفهوم الدولة من جديد ، وللمحافظة عليه ، وللعمل علي تأكيده وترسيخه .. لقد كانت حرباً لاستعادة حرية مواطنين أبرياء تم اتخاذهم كرهائن حرموا من ممارسة حقوقهم وحياتهم اليومية .. كانت حرباً لاستعادة أرض تم اقتطاعها من وطن وتحويلها الي منصة لضرب وطن بأكمله .. نريد من وسائل الإعلام أن تختار المصطلح الأدق في التعبير عن مقتضيات الحال ، وكفانا مصطلحات لا تعبر عن إنجازاتنا الحقيقية بشكل دقيق..