أكدت له كذب هذا التقرير وطلبت يومها من مدير المستشفي عمل كونسلتو من كبار أساتذة الطب واشترطت عليه حضور طبيب أخبار اليوم كشاهد عيان، استجاب لطلبي وكتب الِكونسلتو بروتوكول علاج جديد، فدبت الحياة في جسده الهزيل آه..  قلتها من قلبي وأنا أري مشهداً لم أره من قبل، الزوجه الشابة داليا جابر رفيقة الرحلة للفنان مصطفي حسين تحاول أن تتعلق بمؤخرة السيارة التي تحمل جسده الطاهر، تنادي عليه لعله يسمعها لكن المسافة التي كانت تفصل بين السيارتين كانت تتباعد. لم تتعود أن تتركه فقد ظلت تصرخ، تريد أن تكون معه كما كانت تلازمه في ألامه وأوجاعه، فقد كان لها هو الابن والأب والزوج والصديق، كل شيء  في حياتها، لذلك لم تصدق أنها تودعه في هذا المشهد المهيب الي مثواه الأخير.. كان جسده يطير بفرحة اللقاء مع رب الكون، السيارة التي كانت تحمل جسده لم يتمكن قائدها من التحكم فيها فقد كانت تندفع وكأن الجسد هو الذي يدفعها بقوة.. ليسكن بجوار الرجل الذي وضع هذه النطفة فمات قبل أن يفرح بابنه، مات الأب ومصطفي في بطن أمه شهوراً حتي خرج الي النور ليكبر ويترعرع ويصبح له شأن كبير، أكبر رسامي الكاريكاتير في مصر، وكانت وصيته أن يدفن في مقبرة أبيه، ليلتقي الجسدان معاً داخل مقبرة واحدة.. - وتلتزم زوجته العظيمه »داليا»‬ بتنفيذ وصيته  فقد كان رحمه الله لا يرتاح لأحد غيرها.. فقد كانت الزوجة الوفية التي لازمته رحلة علاجه في مصر وانجلترا وأمريكا، وكانت  تنام تحت قدميه في المستشفيات، تخفف عنه الأهات والتوجعات بترتيل آيات من القراَن، ما أعظمها زوجة، لو خيروني أن أعطي وسام الوفاء لزوجة مصرية أقول اعطوه لداليا جابر بنت الأصول التي كانت تبكيه بحرقة، وهي تائهة عن الوجود لم تتصور أنها ستعود الي البيت بدونه، كانت تتصرف تصرفات تلقائيه لا يحاسبها أحد عليها لأنها هي وحدها التي انكوت بنار الفراق، كانت تمد أصابعها الي  فتحة المقبرة  بعد أن أغلقوها علي جسده الطاهر وأخذت تحفر في التراب وتحتفظ بحبات منه في يدها وهي تردد »‬مصطفي خلاص راح  مني» هينام لوحده هنا.. مع أنها تعلم أنه سينام مع والده الذي مات قبل أن يولد ولأول مرة بعد ثمانين عاماً تفتح هذه المقبرة لتستقبل الابن مصطفي حسين.. مسكينة »‬داليا» بعد أن تعيش هذا المشهد أن تعود منه بمفردها تصاحبها دعوات المعزيين لها بالصبر.. فقد كان رحمه الله هو ونيسها في هذه الدنيا، مرضه صنع منها إنسانة ثانية.. فكما شهدت أمجاده.. شهدت أيام المحنة منذ بداية رحلته مع المرض وكم من تصريحات لأطباء كبار كتبوا شهادة وفاته قبل أن يموت بسنوات ومع ذلك كانت زوجته صامدة واجهت كل التحديات معلنة أنها لن تعترف بتقارير أو تكهنات إلا بساعة الرحيل.. - أنا شخصياً عايشت هذا المشهد يوم أن دخل أحد المراكز الطبية في القبة بعد أن أجري اول عملية في القولون في أمريكا، في هذا المركز تدهورت صحته، فاتصلت بالسيد زكريا عزمي للمساعدة في استصدار قرار للعلاج في انجلترا أكد لي أن الرئيس مبارك كلف طبيب الرئاسة بتقديم تقرير عنه وإذا بالتقرير يؤكد ما جاء في تقرير المستشفي من أن حالته حرجة جدا وانها ساعات معدودة.. أكدت له كذب هذا التقرير وطلبت يومها من مدير المستشفي عمل كونسلتو من كبار أساتذة الطب واشترطت عليه حضور طبيب أخبار اليوم كشاهد عيان، استجاب لطلبي وكتب الِكونسلتو بروتوكول علاج جديد، فدبت الحياة في جسده الهزيل وإذا بزوجته »‬داليا» تصرخ من فرحتها بعودة الحياة اليه ويقوم مدير المستشفي بتصويره والملعقة في فمه كدليل علي أنه بدأ يتناول الطعام، أصررنا علي سفره فراحت زوجته لمقابلة وزير الصحة وأصرت علي علاجه في لندن وللحق اتصل الدكتور حاتم الجبلي بالمستشار الطبي الدكتور سميح عامر الذي جهز له مجموعة من كبار الأطباء لحالته.. وكان أول من اتصل مع مصطفي حسين في مستشفاه في لندن الرئيس مبارك ثم المشير طنطاوي، وبفضل رعاية الله ثم رعاية زوجته »‬داليا» وابنه »‬عصام» وبصمات وجهود الرجل العظيم الدكتور سميح عامر يعود مصطفي الي القاهرة علي قدميه ليتحدي من كتبوا شهادة وفاته.. - هذه الواقعة عمرها فعلاً خمس سنوات، أي أن الله سبحانه وتعالي كتب له عمراً جديداً فمنحه الحياة هذه السنوات الخمس تتويجاً لارادة زوجة عظيمة وولد صالح يدعو له.. وبعودة مصطفي عادت »‬صفصفة» التي كانت تضم شلة لا تتحدث لا في السياسة ولا في شئون البلد، كان شعارها الضحك والفرفشة.. ومن أعضاء الشلة البارزين عمرو موسي  والمرحوم أنيس منصور وإبراهيم فوزي واحمد شفيق والمرحوم إسماعيل ثابت والمرحوم سامي هاشم والمستشار عدلي حسين والعبد لله.. وكان مصطفي حسين هو المضيف لهذه الشلة.. وتجري السنون ويرحل مصطفي حسين في صمت ليترك ذكرياته في لوحاته وفي وجدان زوجته التي شاركته أحلي سنين عمره وفي ابنه الوحيد »‬عصام».. لقد كانت وفاته صدمة لمحبيه ولفلاح كفر الهنادوة وقاسم السماوي وعبده مشتاق.. رحم الله »‬درش» فالموت حق ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه..