حين سأل  المستشار الدكتور »الشاب»‬ : ولماذا لاتسعي  أنت لأن تكون  أهم من الشافعي ومالك وابن حنبل؟! انتفض الدكتور الشاب كمن لدغته عقرب: »‬لالالالا» ما إن التفت السيد رئيس الجمهورية  إلي فضيلة شيخ الأزهر في احتفالية ليلة القدر مؤكدا  ضرورة  تجديد الخطاب الديني حتي انفجرت القنوات الفضائية بالشيوخ وخصومهم ، في جدل ساخن ينتهي إما بالخروج »‬فاصل»! أو بابتسامة عريضة لمن انتصر في الجدال! عظيم. ثم ماذا؟! الحوار الذي أجراه وائل الإبراشي علي قناة دريم  الأحد 10/8 هو الأكثر إثارة للجدل، لأن المستشار أحمد عبده أحضر معه الكتب الأزهرية  وواجه بها الدكتور مسموع، وهو أحد علماء الأزهر، وكذلك أحد تلامذته من حملة الدكتوراه . ما ميز الحوار –رغم حالة الصخب المعتادة – هو أن المستشار كان لديه شيء محدد، و هو المادة الموجودة في كتب  التعليم  الأزهري (ومنها مايبيح »‬القتل»، مثلا ، لتارك صلاة الجمعة) وطلب الرد عليها من الدكتور مسموع، لم يخل الأمر من مراوغة  في الرد، اعتدنا عليها ، وبعيدا عن التفاصيل، استرعت انتباهي ملاحظة تبدو »‬هامشية»، سأتوقف عندها: حين سأل  المستشار الدكتور »‬الشاب»  : ولماذا لاتسعي  أنت لأن تكون  أهم من الشافعي ومالك وابن حنبل؟! انتفض الدكتور الشاب كمن لدغته عقرب: »‬لالالالا»، بينما التفت إليه أستاذه بابتسامة رضا وامتنان واضح لتواضع التلميذ! هنا تحديدا تكمن »‬الكارثة»، لأن مابين »‬تواضع» العالِم، وافتقاره إلي الطموح و المغامرة العلمية شعرة رهيفة، ولن تقوم للتجديد قائمة طالما »‬لم نقطع» هذه الشعرة، وسنظل نلف و ندور في المعركة القديمة التي خاضها منذ عقود طه حسين ومن بعده نصر أبوزيد ، رحمهما الله، وغيرهما  من العلماء،  وليست  هذه »‬نبوءة» هذا ماحدث و سيظل يحدث، لا في مؤسسة عريقة كالأزهر فقط، و إنما في كل مؤسساتنا التعليمية، مالم نتخل عن »‬تقديس الماضي»، الذي صنعه بشر مثلنا يؤخذ منهم  ويرد عليهم ، ولايقتصر الأمر علي العلم فقط، الذي شرطه المغامرة والاجتهاد، وإنما علي  إحساسنا بالموسيقي والسينما والأدب، حيث الماضي  دائما هو »‬الزمن الجميل» ، الذي من فرط جماله يعمينا عن رؤية الحاضر والمستقبل، تماما كما تحكي الأسطورة اليونانية القديمة عن »‬أورفيوس» المغني الذي اختطفت الآلهة منه حبيبته، ومن فرط حبه لها خاض الأهوال بحثا عنها في مملكة الظلمات حتي رق له قلب الآلهة فسمحت له أن يأخذها معه بشرط واحد: ألاينظر إليها وهي تسير خلفه حتي يخرج من الظلمات، لكن العاشق، من فرط خوفه وشوقه، التفت ليتأكد أنها تسير وراءه بالفعل،  فاختفت إلي الأبد. يبدو أننا لانريد أن نتعلم أبدا، لا من أنفسنا ولا من الآخرين، سنظل نعتقد أننا مفتتح الكون ومنتهاه، و لن يتجدد أي شئ في رأيي، بل ربما نفقد كل هذا الإرث، الذي من فرط حبنا له سنظل ننظر وراءنا إليه خوفا من أن يختفي، حتي يختفي! ليس حل المشكلة  في حذف جزء من هنا  أوهناك، و إنما في »‬منهج» جديد، رؤية جديدة تضع »‬الماضي» في الحاضر و تهيؤه للمستقبل، وتصل مؤسساتنا التعليمية بعضها ببعض، و لم يفعل طه حسين حين قامت عليه الدنيا و لم تقعد سوي هذا! و لم يفعل نصر أبوزيد ، الذي أٌهدربعضهم  دمه سوي هذا أيضا. لاحل آخر سوي أن نكف عن تقديس الماضي، ونجتهد ونشتبك معه »‬بجدية العلماء» ونحن نغني مع  الشاعر ناظم حكمت: »‬أجمل قصائدي مالم أكتبه بعد، وأجمل البحار مالم أزره بعد، وأجمل الأطفال من لم يولد بعد ».