لابد من تعديل المواد الخاصة بقانون العقوبات بجريمتي التربح، والإضرار بالمال العام بإضافة نص جديد يحول دون معاقبة الموظف العام بشأن تربيح الغير أو الإضرار بالمال العام، ما لم يكن سلوكه مقروناً برشوة إن مواجهة الأزمات واقتحام المشكلات التي تواجهها مصر يستلزم قرارات إدارية وحكومية حاسمة. وللأسف فإن الجهاز الحكومي لا يزال يعاني من التردد في اتخاذ قرارات إدارية ضرورية للإصلاح علي كافة المستويات، فلا يزال استصدار التراخيص وتجديد العقود مغامرة يتجنبها المسئولون كلما أمكنهم ذلك، ولا يزال البعض يفضل الارتكان إلي القضاء لحسم المنازعات مهما كان الثمن ومهما كان حجم الإضرار بالمال العام. ولا شك أن هناك أسبابا لذلك منها عدم انضباط الإطار التشريعي بشأن المساءلة الجنائية في جرائم المال العام، وعدم اتخاذ أية إجراءات إصلاحية حقيقية لمعالجة القصور القائم في النظم الإدارية الحالية بشأن التصرف في الأراضي ومنح التراخيص ومعالجة الآثار القانونية للإخلالات التعاقدية ناهيك عن المزايدة السياسية والإعلامية فكل هذا جعل ولا يزال العديد من المسئولين غاية في التردد خشية المحاكمة الجنائية والتحرش بهم من قبل الرأي العام. لقد اتخذت الحكومة الحالية بعض الخطوات الإيجابية ولكن لا تزال هناك إجراءات إضافية واجبة وأضع هنا أمام المسئولين، عدداً من الآليات العاجلة بعضها تشريعي وبعضها الآخر إداري وتنظيمي لعلها تفيد في حل ما نواجهه من أزمات. لابد من تعديل المواد الخاصة بقانون العقوبات بجريمتي التربح، والإضرار بالمال العام بإضافة نص جديد يحول دون معاقبة الموظف العام بشأن تربيح الغير أو الإضرار بالمال العام، ما لم يكن سلوكه مقروناً برشوة فأية مخالفات قد يرتكبها الموظف العام في هذا الإطار ما لم تكن مقرونة برشوة أو منفعة تعود عليه أو علي ذويه، فإنها لا تعد جريمة جنائية. إن الإفراط في الاتهامات الجنائية لن يحقق أية حماية للمال العام وجدير بالذكر، أن التعديل الذي نقترحه لا يتضمن مساساً بالمال العام، فالمادة 116 مكرر (أ) من قانون العقوبات تعاقب بالحبس كل موظف عام يتسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بالمال العام إذا كان ذلك ناشئاً عن إهمال في أداء وظيفته أو إساءة استعمال السلطة. كما أن هناك عديداً من المواد الأخري التي تحافظ علي المال العام إلا أن نصوصها وأحكامها جاءت أكثر انضباطاً من المادتين (115) و(116 مكرر) من قانون العقوبات. ولابد من تغليط العقوبات الإدارية والمدنية علي الأخطاء، والمخالفات الإدارية التي يترتب عليها الإضرار بالمال العام حتي ولو كانت مصحوبة بحسن النية بما فيها العزل من الوظيفة وهو يقتضي كذلك تفعيل قانون محاكمة الوزراء لمساءلتهم السياسية حال ارتكابهم أخطاء جسيمة في مباشرة عملهم لا ترتبط بجرائم جنائية فالمسئولية الإدارية والمدنية واجبة حتي ولو انتفت المسئولية الجنائية. كذلك لا يجوز التجريم الجنائي للمخالفات التعاقدية، ما لم تكن هذه المخالفات مقرونة بارتكاب جريمة كالتزوير. أما التأخر في التنفيذ أو السداد فهو يثير المسئولية المدنية والإدارية. ويجب تغليظ العقوبة علي جرائم البلاغ الكاذب المتصلة بجرائم العدوان علي المال العام، فلا يجب أن نترك الحبل علي الغارب لتشويه السمعة، والتأثير السلبي علي العمل الحكومي، فهذا هو عين الإضرار بالمال العام. كما يجب تكليف الوزارات المعنية، وبخاصة الزراعة والبترول والإسكان والصناعة والسياحة بتنقيح لوائحها، ونظم العمل بها مما يشوبها من فساد وبيروقراطية وغموض، خاصة ما يتعلق بطرق التعاقد، وتسعير الأراضي، والالتزامات المالية؛ علي أن يعرض الأمر علي مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية المختصة والرأي العام خلال شهر لعرض ما تم اتخاذه من إجراءات ومبرراته لضمان الشفافية وحماية المال العام. ولابد من عادة النظر في طرق آليات عمل الأجهزة الرقابية، وبخاصة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، وأهدافها، وطرق تقييم أدائها، مع تفعيل تقاريرها ومناقشتها علانية ويجب تفعيل مشاركة ممثلي هذه الجهات في أية تعديلات تشريعية تتعلق بالمسئولية والمحاسبة الإدارية، والتعامل مع ملاحظاتها وتوصياتها بالجدية الكافية. وعلي رئيس الحكومة تكليف وزير العدل بإعادة هيكلة إدارة الخبراء بالكسب غير المشروع، وإعادة التدريب، وتكريس الاستقلالية، ذلك إذا كنا جادين في تحقيق العدالة أمام المحاكم. كما يجب كذلك تفعيل دور لجنة فض المنازعات بهيئة الاستثمار، ولجنة تسوية عقود الاستثمار، والتعامل مع ما يعرض عليها بشكل فوري وحاسم، والإفصاح عن قراراتها وآلية العمل بها، وتمثيل الأجهزة الرقابية بهذه اللجان لفترة انتقالية لحين تسوية كافة المنازعات القائمة خلال عام علي الأكثر. ويجب الإعلان عن كافة هذه المنازعات وظروفها وأسبابها، وقرارات هذه اللجان. فأخيراً، إن التواصل مع الرأي العام والإعلام بشكل صحيح أمر ضروري. فيجب الإعلان عن كافة المعلومات بشكل دقيق ودوري، ويجب أن تكون هذه المعلومات صحيحة وكافية، وأن تصدر في الوقت المناسب. فالثقة لا تنشأ إلا بالتواصل والشفافية.