ورغم أن دعوات التكفير قليلة قياسا علي عظماء عرفهم الأزهر إلا أنه لطبيعتها وخطرها وما يترتب عليها تكنس الصورة المضيئة للأزهر من أمام العيون في حياتنا جمل وعبارات جميلة يراد بها الراحة وتجد مكانا طيبا في نفوس الناس حقا. من هذه الأقوال »الأزهر هو المدرسة الوسطية السمحة في الإسلام»‬ ورغم تسليمي بذلك إلا أنه قد تغير الكثير في الأزهر فلم يعد كما يقال ونردد ونتمني. طبعا هذا التغير كانت له أسبابه التي يطول شرحها. الأزهر يختلف عن غيره من المؤسسات لأنه معني بالروح والعقل لا بشئ آخر. أول أفكارنا عن الأزهر الشريف أنه قلعة للمذهب السني رغم أن من بناه هم الشيعة الفاطميون ونعتبر ذلك انتصارا للسنة علي الشيعة ونفخر ولا نعتبره تطورا طبيعيا بعد أن زالت دولة الفاطميين الشيعية وطال العهد بعد ذلك بالدولة السنية. وحتي لو كان انتصارا فلم يكن انتصار صلاح الدين لأنه سني ولكن لأنه أقوي عتادا وكانت الدولة الفاطمية في آخر انفاسها. ولابأس من القول بانتصار المذهب السني في مصر لكن الأزهر نفسه عرف علماء أرادوا مد الجسور بين المذهبين لتنطفئ نار الفتنة المستعدة لأي تدخل خارجي لإشعالها كما يحدث الآن. وليس في إشعالها إلا الخراب والدمار والسيطرة علي ثروات العالم العربي تنعم بها الدول الأجنبية المدعمة لهذه الفتنة. ويقال إن الأزهر منارة للتقدم ولا يتذكر أحد أن من بعض رجال الأزهر خرجت الدعوات بتكفير غيرهم من أصحاب الأفكارالأخري منذ كتاب طه حسين »‬في الشعر الجاهلي» حتي تكفير الشاب محمد عبد الله نصر والقائمة طويلة. ورغم أن دعوات التكفير قليلة قياسا علي عظماء عرفهم الأزهر إلا أنه لطبيعتها وخطرها وما يترتب عليها تكنس الصورة المضيئة للأزهر من أمام العيون. فالدعوة لقتل واحد تزيد وطأتها وأثرها عن الدعوة لهداية مليون. والموضوع طويل في التكفير أو الاتهام بالردة ومن ثم الدعوة المفتوحة للقتل. لكني سأقف عند آخر ما جري وهما الحلقتان اللتان أدارهما الأستاذ وائل الإبراشي السبت والأحد الماضيين في برنامج العاشرة مساء. في أولاهما كان الشاب محمد عبد الله نصر يعترض علي بعض الأحاديث التي نسبت إلي الرسول الكريم في صحيح البخاري لأنها مسيئة للرسول فتم اتهامه هو في الحلقة من قبل علماء الازهر أنه يعادي الرسول ويردد ما يسيء إليه ولم ينفع قوله أن مايقوله هو كلام البخاري وليس كلامه وإنه يبرئ الرسول من هذا الكلام الذي يشينه. وفي الثانية كان المستشار أحمد عبده فهمي يشير إلي فتاوي وآراء من بعض الأئمة القدامي تحض علي القتل لمن يخالف بأي معصية مهما كان نوعها وعلي حرق الكنائس ونبذ الأقباط وكراهية المرأة إلي حد عدم إنفاق زوجها علي علاجها وأكل لحم العدو نيئا بشرط عدم طهوه لأن طهوه حرام ! وكلها للأسف موجودة في الكتب الدراسية لطلبة الإعدادي والثانوي الأزهري ولا أحد من الجالسين معه من علماء الأزهر يريد أن يعترف بذلك. كان دفاعهم أن هذا تراثنا ولايمكن شطبه وإن أقر بعضهم في النهاية بإمكانية التعديل لكن عن طريق علماء الأزهر فقط كأن من فعل ذلك ليس علماء الأزهر! ولم يسألوا أنفسهم هل تراثنا هو هذا العدد القليل من الكتب التي اختاروا منها أم الآلاف ،  فلماذا يختارون في التعليم ما يختارونه ولديهم الأفضل منه عشرات المرات ؟ هذه الفتاوي التي خرجت منها ومن غيرها عمليات الإنقسام في مجتمعنا المصري وعالمنا العربي ويذكيها من يريد الفرقة وعدم الإستقرار. طبعا أعرف ،  ومن علماء الأزهر من يعرف ،  أن كثيرا من المياه المتطرفة جرت في النهر. لكن المهم أن نعترف بذلك ونبدأ في فتح روافد جديدة كثير منها جدا عظيم في التراث نفسه. أما التمسك بما هو مفرق للأمة والناس فقط والدفاع عنه باستماتة فهل لهذا تفسير إلا القصد.