صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


صغيرات على الزواج.. اغتيال البراءة بـ«حجة الستر»

إيمان طعيمه

الأربعاء، 19 يناير 2022 - 02:37 م

 

«الجواز سترة للبنت.. الراجل مايعيبوش إلا جيبه.. اتجوزى بدرى وخلِّفى بدري»، عبارات لاتزال منتشرة بين كثير من الأسر والعائلات، خاصة فى المناطق الشعبية أو القرى والأرياف لإجبار الفتيات الصغيرات على الزواج أيًا كان عمرهن، دون الوعى الكافى بما يجلبه هذا الزواج من نتائج سيئة فى مختلف النواحي.

 

ووفقا لما أعلنه "الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء" فى آخر مسح سكانى فى مصر، فإن هناك 108 آلاف حالة زواج أطفال فى الفئة العمرية الأقل من 15 عاما وحتى 17 عاما.

 

وأكدت تقارير "المجلس القومى للطفولة والأمومة" أن زواج الأطفال لاتزال ظاهرة شائعة فى كثير من المناطق بمصر، وأن الفتيات الأصغر سنا من 18 عاما والمقيمات بالريف يتزوجن بنسبة 3 مرات أكثر من فتيات الحضر.

 

لسه نُوًارة
قالت الدكتورة سحر السنباطي الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، إن الفتيات هم أمل مصر وثمرة نهضتها ورفعتها ولهن الحق في العيش بكرامة والتمتع بطفولتهن.

 

وأكدت السنباطى على ضرورة مساندتهن للتفوق والتقدم والنجاح، ويعد زواج الأطفال من أخطر الإنتهاكات التي تواجهها الفتيات، وفي ظل الدعم والمساندة التي تقدمها القيادة السياسية قررت مبادرة «حياة كريمة» استهداف 14 قرية من 11 محافظة للتوعية بخطورة زواج الأطفال ورفع الوعي لدى المواطنين، وذلك ضمن حملة "لسة نُوًارة" التي يقوم بها المجلس، كما أكدت أن هذه القرى تعد نموذج مبدئي وسيتم تعميم الحملة علي الـ 1500 قرية ضمن مبادرة حياة كريمة خلال الفترة القادمة.


مشاكل بالجملة
وأضافت الدكتورة نجلاء فتحي، استشارى الصحة الإنجابية وطبيبة النساء والتوليد، إنه بحسب تعريف اليونسيف، فإن زواج الأطفال هو أى زواج يكون به أحد الطرفين أقل من 18 عاماً وهذه هى السن التى يبدأ الجسم والعقل فيها بالإكتمال، وهذا يعتبر انتهاكاً لحق الطفل أو الطفلة فى أن يعيشا عمرهما الحقيقى ويتحملان مسئوليات كبيرة لم يستعدا لها بعد.

 

وأشارت إلى أن كثيراً من الأسر تلجأ إلى زواج الفتيات الصغيرات دون أن تصل للسن القانونية، بسبب عدة أسباب منها الحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة كالحفاظ على عفة الفتاة وخوفا من العنوسة وللتخلص من العبء المادى، نتيجة ضعف مستوى دخل الأسرة وزيادة عدد أفرادها، كما أن بعض الذكور يفضل الزواج من صغيرات السن لاستغلالهن فى خدمة الأهل.

 

ومن الناحية الصحية، ترى الدكتورة نجلاء أن هناك كثيراً من الآثار السلبية التى تقع على الفتاة بسبب ذلك الزواج، وأهمها مضاعفات الحمل والولادة، خاصة فى السنة الأولى التى يبلغ فيها خطر وفاة الأطفال إلى60%، وذلك نتيجة لضعف جسم المرأة وعدم تكونيه بالكامل، فضلا عن إصابة الأم والطفل بأمراض سوء التغذية التى تتسبب فى حدوث مشاكل مستقبلية للطفل فى النمو والتركيز والذكاء، ووفقا للإحصائيات فإن 88% من الفتيات المتزوجات فى سن المراهقة لديهن صعوبة فى الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة.

 

وفى السياق ذاته قال الدكتور إسلام الحسيني، أخصائى الطب النفسي، إن زواج الأطفال هو أحد المشكلات الاجتماعية التى قد تؤثر فى كلٍ من الذكور والإناث بنسب متفاوتة، إذ تتأثر أعداد أكثر من الفتيات بهذا الشكل من العنف المجتمعي، فالفتيات اللواتى يتزوجن قبل عمر 18 عاماً، يتعرضن لمشكلات نفسية عديدة تبدأ بحرمان الطفلة من استمتاعها بطفولتها، ففى الوقت الذى تمارس قريناتها حياتهن اليومية بين الدراسة والتنزه واللعب، تكون تلك الفتاة تمارس المسئوليات اليومية الأخرى التى لا تتناسب مطلقاً مع طفولتها من مهام منزلية يومية واعتناء بالزوج، وقد يتبع ذلك حدوث حمل وولادة فى سن مبكرة، فضلا عن حرمان الكثير من هؤلاء الفتيات من استكمال دراستهن أو أدائها بشكل جيد وقد يؤثر ضعف المستوى التعليمى فى التعامل مع الأفكار والمشاعر وضغوط الحياة اليومية بشكل ناضج. كل هذا قد يجعل الفتاة أكثر عرضة لاضطرابات القلق والاكتئاب، وكذلك قد تُحرَم من حقها فى ممارسة العلاقة الحميمية الآمنة وذلك لعدم قدرتها على المطالبة بحقوقها.

 

وأضاف قائلا: "لا يمكن أن ننسى أنها قد تتلقى اللوم مرارا وتكرارا فى حال تقصيرها فى أداء المهام المتوقعة منها، وقد يجعلها ذلك أكثر عرضه للعنف وكذلك الانفصال عن الزوج فيما بعد مما قد يزيد معاناتها النفسية".
ويمكن القول إن زواج الأطفال قد يسبب مشكلات اضطرابات نفسية عديدة تحول دون تحقيق الهدف الأساسى لأى زواج وهو بناء أسره سليمة وتربية أطفال من قبل أشخاص قادرين على التربية، فكيف هو الحال إذ انتهينا بأطفال تربى أطفالا؟!

 

اقرأ أيضا: ندوة حول زواج القاصرات بمركز إعلام دمنهور 

 

مهازل توثيق عقود «زواج تحت السن» 
كشف محمد فهمي، المحامي والمدير التنفيذي لجمعية بدر سوهاج، عن أخطر العواقب التي تحدث جراء توثيق عقود الزواج المبكر، مؤكدا أن هذا الزواج يُعد في القانون زواجا عرفيا، لكن يفضل البعض خاصة في القري والأرياف أن يطلقون عليه اسم «زواج السًنة»، حتى يكون لديهم إرضاء نفسي لما يقومون به.

 

ونوه إلى أن توثيق هذه العقود تتم بطريقتين، الأولى تكون عن طريق دفتر المأذون الشرعي والذي يوثق فيه العلاقة الزوجية بعد سن 18 عام لكل من الطرفين، محررا العقد بتاريخ التسجيل فقط دون الإعتراف بفترة الزواج السابقة.

 

والطريقة الثانية تكون عن طريق المحكمة برفع دعوى لإثبات علاقة زوجية لكنها تكون مكلفة ماديا إلى حد ما فضلا عن الفترات الطويلة التي تستغرقها المحكمة للوصول للحكم والتي قد تصل لسنوات، ولذا يمتنع الكثير عن اللجوء لهذه الطريقة. 

 

وأشار فهمي أن هناك العديد من العواقب الخطيرة التي تحدث بشكل متكرر جراء هذا الزواج، وأولها هو عدم اعتراف القانون به وبالتالي لا تضمن الزوجة أي حقوق لها، وهناك حالات كثيرة توفي فيها الزوج ولم تستطع الزوجة الحصول على حقها في الميراث أو إثبات عقد زواجها من الأساس، هذا بالإضافة لحدوث الخلافات في السنة الأولى من الزواج وفي أحيانا كثيرة يصل الأمر إلى الطلاق الشفهي بدون وجود أي وثيقة رسمية تثبت وجود علاقة زوجية بين الطرفين، لذا يلجأ البعض إلى كتابة إيصال أمانة على الزوج ليكون مستند لديهم لإجباره على توثيق العقد مستقبلا، دون العلم بأن هذا الإيصال يعد باطل قانونيا لأنه يفتقد إلى أطراف التسلم والتسليم المتعارف عليها من الناحية القانونية.

 

أما توثيق شهادات ميلاد الأطفال فحدث ولا حرج، فقد يحدث التوثيق عن طريق موظف مكتب الصحة التي تربطه معرفة أو صلة وطيدة بين الأب، وبالتالي لا يتم النظر إلى وثيقة عقد الزواج ويتم التسجيل بناء على البيانات التي يقدمها الأب شفويا والتي يترتب عليها كثير من الأخطاء التي يتم اكتشافها مستقبلا ويكون إصلاحها أمرا صعبا للغاية.


أما في حالة رفض الموظف تسجيل الشهادات، فهنا يلجأ الأهل لحيل أخرى منها تسجيل شهادة المولود بأسم الجد أو العم أو أحد الأقارب الأكبر سنا، لتكون النتيجة النهائية «خلط أنساب» ومشاكل لا حصر لها، وهناك أيضا من لا يسعى لتسجيل الأبناء تماما مما يجعلهم ساقطين للقيد ولا تعلم عنهم الدولة شيئا ومن ثم تتراكم المشاكل الاجتماعية الأخرى وأبرزها الحرمان من التعليم وعمالة الأطفال والتشرد بالشوارع. 

 

القانون لا يسمح والعقوبات رادعة
أما من الناحية القانونية، أكدت الدكتورة سهير عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن القانون لا يسمح بتوثيق عقود الزواج لأىٍ من الطرفين أقل من 18 عاماً، وذلك وفقا للقانون رقم 126 لسنة 2008 الذى حدد أكثر من عقوبة على زواج الأطفال تُفرض على الموثِّق وعلى ولى الأمر التى تنص على «عقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من استورد أو صدّر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روّج أو حاز أو بث أى أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالإستغلال الجنسى للطفل، ويحكم بمصادرة الأدوات والآلات المستخدمة فى ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن 6 أشهر، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير وحسن النية».

 

ورغم وجود هذه العقوبات فى القانون المصرى لزواج الأطفال، فإنه مازال هناك الكثيرات من ضحايا الزواج المبكر، الذى يجعل بعض الأسر تقوم بالإدعاء بفقدان شهادة ميلاد الطفلة وتوثيق شهادة عرفية أو ما تُعرف بـ«شهادة التسنين» لتوثيق شهادة للطفلة أكبر من عمرها الحقيقى لتتم الزيجة بشكل رسمي.

 

الدكتورة عبلة الهواري أشارت إلى أنه لابد من التوعية الشديدة والمستمرة من قبل المؤسسات المعنية بشئون المرأة والطفل، للأهل والفتيات خاصة في القرى والأرياف والصعيد، والتعريف بخطورة ذلك على الأطفال من الناحية الصحية والنفسية وكذلك التأكيد على ضرورة الإبلاغ عند الشروع في إتمام أي زيجة قبل السن القانونية للطرفين، حتى يستطيع القانون تطبيق العقوبة والحد من تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة.

 

ومن هذا المنطلق، قد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مجلس النواب بسرعة اتخاذ إجراءات لإصدار قانون يمنع زواج الأطفال مطلقا ويكون قانونا مستقلا يضمن حقوق الفتيات للحد من هذه المشكلة نهائياً.


وعلى ذلك قامت الهواري بتعديل في بعض مواد قانون زواج الأطفال بحيث لا تسقط العقوبة بالتقادم، وتجريم زواج الأطفال وتغليظ عقوبته القانونية، وأيضا حرمان ولي الأب الذي يقوم بتزويج أطفاله أقل من 18 عام من الولاية على نسل جميع أفراد أسرته، وأخيرا تجريم هذا الفعل في لائحة المأذونين وتكون عقوبته مماثلة لعقوبة ولي الأمر وفصله من المهنة، وتم إطلاع الحكومة المصرية على هذه القانونين وفي انتظار المصادقة عليه وتطبيقه.

 

اقرأ أيضا: غرامة تصل 500 ألف جنيه.. نائبة تقدم تعديلات لتغليظ عقوبة زواج القاصرات وعمالة الأطفال


 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة