نشأت مدعي النبوة
نشأت مدعي النبوة


الدكتور محمد عبود يكشف مدعي النبوة في الديانة اليهودية

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 21 يناير 2022 - 02:14 م

ادعاءُ النبوّة ظاهرة تاريخية متواصلة انتشرت بين أتباع كافة المجتمعات والديانات بلا تمييز، لا فرق بين يهودية أو مسيحية أو إسلام.

 وتشهد ساحات "السوشيال ميديا" طوفان من السخرية منذ  ظهر "مدّعي نبوة" لبناني، يسمى نشأت، وادّعى أن زلزال قبرص الأخير من معجزاته، وتوعد المصريين لسخريتهم منه!

 "نشأت" وأمثاله ليسوا أمرا جديدا في بلادنا، لكنهم ليسوا حكرا على مجتمعاتنا العربية أيضا، فتاريخ العقيدة اليهودية على سبيل المثال، يغص  بحالات كثيرة ادعي فيها أشخاص أنهم أنبياء أتوا لانتشال اليهود من عثراتهم السياسية والعسكرية، ومن أبرزهم حاخام يهودي يدعي "شمعون بر-كوخڤا" أي "شمعون ابن الكوكب" ادعى أنه نبي آخر الزمان، وأنه المسيح المخلص لليهود. وأعلن الجهاد ضد الرومان، في القرن الأول الميلادي، لطردهم من فلسطين، فأرسل الإمبراطور "هدريان" جيشا جراراً، وأباد يهود فلسطين، وطردهم منها شر طردة سنة 70 م، وهنا تبين لليهود كذب ادعاءات نبيهم المزعوم، فغيروا اسمه من "بر-كوخڤا" إلى "بر-كوزيڤا" أي ابن الكذابة!

وتوالى ظهور أدعياء النبوة عبر التاريخ اليهودي حتى يومنا هذا، ومن أشهرهم رجل يدعي "شبتاي تسيڤي"، وهو شخصية جمعت بين الخطورة والطرافة في الوقت نفسه. فقد ولد في مدينة أزمير التركية، وفي سن الأربعين ادعى النبوة، وغرر بجماهير واسعة من اليهود في أوروبا وأسيا وأفريقيا، ووعدهم بالتجليات الآلهية في يوم محدد، فتنازلوا عن بيوتهم، وممتلكاتهم، وباتوا في الأزقة والحارات ينتظرون المعجزات على يديه الكريمتين دون جدوى، ثم ثاروا عليه، وأرادوا الفتك به لما تبين لهم الحق. وهنا خشي "شبتاي" على حياته، فأنكر ادعاءاته، وأعلن إسلامه هو وزوجته في حضرة السلطان العثماني، وغير اسمه من "شبتاي تسيڤي" إلى محمد أفندي، وصار لقبه التركي "فاتوجي باشي إيطراق" أي خادم الأعتاب!
يمتلئ تاريخ العقيدة اليهودية أيضا برؤى ومنامات لأشخاص حددوا مواعيد لظهور نبي آخر الزمان، لكن تبددت هذه الأحلام مع اكتشاف زيف التواريخ وادعاءات الأشخاص، الأمر الذي كان يسفر عادة عن موجات ردة عن اليهودية، وكفر بخبر السماء! 

بعد اندلاع انتفاضة الأقصى بشهور ومع تزايد العمليات الفدائية ضد إسرائيل، أطل الحاخام الراحل "عوڤديا يوسيف" على مريديه في درسه الأسبوعي معلنا أنه رأى المسيح اليهودي المخلِّص في منام، وكان المسيح اليهودي يخطب في جموع غفيرة من اليهود أمام حائط البراق. وكانت فلسطين تخلو من العرب، وليس فيها غير اليهود. وطالب المسيح الحاخامات بالعمل الدؤوب على نشر تعاليم التوراة لأنه أوشك على المجيء"!

أثارت رؤيا الحاخام عوڤديا، وقتها، مشاعر الفرحة داخل إسرائيل، وخارجها وبين المتدينين اليهود. وتتابعت التعليقات، فقال الحاخام "تسيون بن موتسافي":" لم نسمع من قبل عن شخص رأى المسيح في المنام، وهذه الرؤيا تدل على أن خلاص اليهود صار أقرب مما نظن جميعا"!

وبالرغم من الكوارث التي لحقت باليهودية عبر تاريخها جراء ظهور أدعياء النبوة، لم يفكر أحد في احتمال أن الحاخام العجوز "عوڤديا" نام دون أن يشد غطائه جيدا،  بل زاد الاهتمام بحلم ليلة صيف باردة، وبات الحلم  حديث الساعة في إسرائيل! ربما لعدة أسباب أهمها المكانة غير المسبوقة التي تمتع بها الحاخام بين اليهود المتدينين الذين أشاعوا أنه صاحب كرامات، وأن الفيوضات الإلهية تتدفق من حنجرته "المباركة"، وربما بسبب مركزية الأحلام في العقيدة الدينية اليهودية نفسها، حيث تعد الأحلام أحد وسائل تلقى الوحي الإلهي لدى أنبياء اليهود، ومازالت أحلام الحاخامات تحظى باهتمام بالغ في العصر الحديث، لاسيما إذا صادف المنام ليلة السبت!

وبالطبع مرت الأيام والشهور، يا عزيزي، وملّ المريدون اليهود من طول الانتظار، وتوفّي الحاخام "عوڤديا" نفسه، ولم يظهر مسيحه المنتظر! وصار حلمه المشهور نكتة سخيفة تشبه سخافة أدعياء النبوة السابقين. نكتة يتندر عليها الإسرائيليون، وتقول عنها المفكرة العلمانية "شولاميت هرإيڤين": "سيلج الجمل من سم الخياط، ولن يظهر مسيح اليهود المخلص"!

في الأخير ظاهرة ادعاء النبوة- سواء كان المدعي نشأت أو بر- كوزيفا أو شبتاي- ظاهرة تاريخية وإنسانية لا تكاد تختفي حتى تظهر من جديد، عرفتها كافة المجتمعات والديانات. ولا نتوقع أن تختفي أو تتراجع مستقبلا. لكن العنصر الأبرز في هذه الظاهرة هو جانب المرض النفسي، فبعضُ، وليس كل، مدّعي النبوة مُصابون بمرض الفُصام، (Schizophrenia)، وهو اضطراب عقلي، يتّسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي، ومن أعراضه: اضطراب الفكر والهلاوس السمعية والبصرية، والفشل في التمييز بين الواقع والخيال.

ومن أشهر أعراض هذا المرض المُعتقدات الضلالية، كأن يظن الشخصُ في نفسَه شخصيةٌ مهمة، أو يدّعي النبوة، أو أنه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، أو المهدي المنتظر. وكل هذه الأفكار والمُعتقدات هي عرض لمرض، وليست ضعفِ إيمانٍ، أو عبارات يقولها المريض، ويعتقد فيها، وهو في كامل قواه العقلية، ومثل هؤلاء الناس أجدر بهم أن يكونوا نزلاء المصحات النفسية، لا نزلاء صفحات التواصل الاجتماعي التي تتداول ضلالتهم وهلاوسهم على مدار الساعة!
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة