من يحكم علي وزير الطيران بالفشل، عليه ان يقف اولا ويتبين كيف يدير الوزير (فنيا وسياسيا ) التضاغطات التي تحوم حول الطائرة المنكوبة في القاع السحيق

حكمان صدرا علي وزير الطيران المدني الكابتن شريف فتحي، حكم بالفشل لهفوة لفظية في ترجيح احتمال الإرهاب في سقوط الطائرة المنكوبة، وحكم بالنجاح في إدارة الأزمة التي منيت بها مصر للطيران، لا يجمع بين الفشل والنجاح سوي أمزجة وأهواء، منهم من يصدر الفشل عن هوي سياسي، ومنهم من يختم بالنجاح لهوي سياسي، وكلاهما والعدم سواء.. ما يمكث في الأرض.
وزير غير محظوظ بالمرة، كارثتان متتاليتان تضربان «مصر للطيران»، تولي حقيبة الطيران في مارس الماضي، وقبل أن يجلس علي مقعده، ضربته قنبلة الطائرة الروسية، يومها أثبت جدارة ولباقة وقدرة علي التحدث إلي العالم بمنطق ومنهج، وقيل جيد وحسن.
وقبل ان يفيق ويستفيق إلي أجندة وزارة الطيران المتخمة بالمشروعات، تسقط طائرة مصر للطيران فوق أم رأسه، من يحتمل ضربتين (كارثتين) في الدماغ، خرج كما خرج أول مرة رابط الجاش ثابت الجنان، ولكن الفوضويين في المؤتمر الصحفي أفقدوه الاتزان، وكان لا يملك ساعتها، ولا أحد يملك حرفاً من معلومة واحدة عن فقد الطائرة، محاولة عقيمة للاستنطاق.
يقينا الحكم بالفشل علي الوزير حكم جائر، الرجل يحاول لملمة الأشلاء، وضبط الإيقاع، وإيقاف سيل منهمر من الشائعات، ويخوض حرب معلومات مع اجهزة استخباراتية عتيدة في الإجرام تستهدف تلبيس التهمة إلي مصر للطيران، يذود عن الحياض، وان لم تسعفه نادرا الكلمات، إذ فجأة يقف في محاكمة صحفية علي الهواء مباشرة، والعالم يرقبه، ويتحري لفظه، ونطقه، علي الحرف، اذا تلعثم فيها « أنة وأخواتها «، واذا انحرف او انجرف في إجابة محسوبة عليه، يعدون عليه الأنفاس قبل الحروف، حتي لون وجه، إياك لونه مخطوف !!.
مثل هذه المؤتمرات الصحفية الكارثية (نسبة إلي الكارثة) امتحان جد صعب وعسير، ومرور الوزير من اختبارين كارثيين في غضون شهور بعد توفيق الله، لخبرة هائلة في مجال الطيران، الوزير الذي يتحدث في الأصل كابتن طيار، وزير من تحت السلاح، لم يأت إلي الوزارة من منازلهم، ولم يرتق صدفة، ولكنه من أبناء مصر للطيران، وأقلع وهبط علي طائراتها، وتولي من المناصب القيادية والاستشارية داخل وخارج مصر للطيران، ما يؤهله للتحليق فوق الأزمات، متجاوزا المطبات الهوائية.
من يحكم علي الوزير بالفشل، عليه ان يقف اولا ويتبين كيف يدير الوزير ( فنيا وسياسيا ) التضاغطات التي تحوم حول الطائرة المنكوبة في القاع السحيق، الوزير ووراءه الدولة المصرية يصد غائلة المتربصين بمصر للطيران، وتحميلها وزر الكارثة التي لا تحتملها دول وكيانات عملاقة، كم من شركات طيران عالمية أفلست في مثل هذه الحوادث، وكم من دول ضربت بما يشبه الزلزال جراء سقوط طائرة تحمل علمها.
ثقل المهمة يتطلب من الوزير أعصابا فولاذية، وعقلا باردا، وتحكما في مخارج الألفاظ، اللفظ يفرق كثيرا، والحساب علي طرف اللسان، الكلام المعسول غير مستحب في مثل هذه الكوارث، لا تهضمه الدوائر الإعلامية العالمية، الحديث المحدد الواضح القاطع في الوصف والتوصيف، المحكم في الدلالة، هو ما استخدمه الوزير وأقنع المراقبين الغربيين ولكن المعلقين المصريين الذين يتحدثون من بحبوحة مقاعد الدرجة الأولي لا يعجبهم الخدمة علي متن طائرات مصر للطيران.