ضاع لسان الرئاسة بين تفسيرات وتأويلات وعنعنات ومرويات، دون لسان يصحح ويصوّب وينطق في الملمات، ويعبر عما تَكِنه الرئاسة من قرارات ومشروعات وطموحات
أعرف أن الدستور لم يمنع تعيين وزير للإعلام، وأعلم أيضاً أن الرئاسة ترغب فعلياً في استعادة الوزير الغائب عن التشكيلات الوزارية منذ ثورة 30 يونيو، وجري بالفعل تداول أسماء معتبرة في فترات متباعدة، تحديداً كلما أصيب الإعلام المصري بالحمي السياسية وطفق يخطرف (من الخطرفة وهي عرض مصاحب للحمي) وفي كل مرة يتم التراجع لأسباب يعلمها صاحب الأمر.
ربما صدقت مقولة نسبت لوزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف إلا قليلاً، يوم قال «أنا آخر وزير إعلام في مصر»، خلفه أنس الفقي في أواخر عصر مبارك، وافتتح عهد ما بعد يناير بأسامة هيكل، ومن بعده وزير إعلام الإخوان صلاح عبد المقصود، وهذه كانت نهاية وزارة الإعلام، بقي المبني بهياكله الإدارية ودرجاته الوظيفية وغاب الوزير.
غياب الوزير بدا تأثيره واضحاً علي شاشة ماسبيرو، وفيها وعنها يقال الكثير، وتأثيره أوضح في لعثمة لسان الحكومة المصرية، وتردد خطابها الإعلامي، وتخبط وزراء الحكومة في تصريحات لا ينظمها نظام، ولا يعبر عنها تعبيراً صائباً جملة المتحدثين في الحكومة ووزاراتها المختلفة.
أيضاً، ضياع لسان الرئاسة بين تفسيرات وتأويلات وعنعنات ومرويات، دون لسان يصحح ويصوّب وينطق في الملمات، ويعبر عما تَكِنه الرئاسة من قرارات ومشروعات وطموحات.
هل هذا كافٍ لاستعادة هذا الوزير الغائب، هل هذا هو التوقيت المناسب، هل نحن في حاجة إلي وزير إعلام متفرغ لهذه المهمة داخلياً وخارجياً، لرسم صورة مصر التي تشوهت بفعل فاعل؟.
هناك من يرسم صورة مصر بألوانه الغامقة، وينفق علي تشويه الصورة إنفاق من لا يخشي الفقر، مليارات مرصودة لاغتيال النظام المصري إعلامياً، ونحن لا نزال نفكر في تعيين وزير إعلام منوط به تنفيذ خطط إعلامية طموحة لرسم صورة مغايرة، حرب الإعلام يلزمها وزير متفرغ لمهمته، في التخطيط والتوجيه والمتابعة.
إذا كان تعيين وزير إعلام لا يروق داخلياً خشية تكرار تجارب سبقت شكلت عقدة نفسية من هذا الوزير الذي يتحكم في مفاصل الإعلام، ويقرب هذا ويبعد ذاك،ويتدخل في المحتوي علي الشاشات العامة والخاصة، ويصبح سيداً علي الإعلام، ويتحول إلي مركز قوة، فإن مثالب التجربة التي سبقت لا تحكم المستقبل، الماضي لا يحكم الحاضر، والحاضر يستشرف المستقبل.
القول بأن وزارة الإعلام من مخلفات عصر مضي، وأن دول العالم تجاوزت هذه الوزارة في سعيها الحثيث نحو تحرير الإعلام، والاكتفاء بهيئات شعبية، تقف علي رأس الإعلام من أعلي، فإن هذا يؤشر علي قصور في فهم مهمة وزير الإعلام الغائب، وجود الوزير لا يتناقض أبدا مع وجود « الهيئة الوطنية للإعلام»، لكل مهمته.
عندما « تتحنن « الحكومة علي من يقف في ظهر خططها في قنوات رجال الأعمال، وتعجز الحكومة عن تسويق أفكارها، وتشكو من تجاهل مشروعاتها، عندما تُسْتَهدف الحكومة علي مدار الساعة، ولا تدري رداً، وإن أوضحت نفت، وإن نفت زادت الطين بلة.
حكومة لسانها مقطوع كيف تصل إلي الناس علي الأقل برؤيتها، هل في الحكومة من يضطلع بهذا الدور، هل في الرئاسة من يحمل عن الرئيس عناء حديث الإنجازات والمشروعات؟.. الرئيس مضطر لمعالجة آثار السجادة الحمراء بنفسه، هل يحتمل الرئيس غيبة هذا الوزير؟.