< أين أنت يا عم رمضان الأصيل
الذي تربينا علي مُثُلك ومبادئك <

اللهم بلغنا رمضان، فما أجمل أيامه تسابيح وصلاة والتزاما ولكن رمضان الذي نعرفه وتربينا عليه صغارا وعشناه داخل أسرنا وبين أهالينا وجيراننا ومساجدنا ليس رمضان الذي نعرفه ونشاهد مظاهره هذه الأيام.. رمضاننا القديم لم يبق منه إلا المسائل الدينية فقط الصوم، الصلاة والتراويح والافطار والسحور وموائد الرحمن «بحق» التي كانت تتم بعيدا عن المظهرية والادعاء والله أعلم.
لرمضان الذي نعرفه فضائل كثيرة علي رأسها العودة لله والتوبة عن المعاصي وللرسول الكريم «صلي الله عليه وسلم» مقولة: كان دائما ما يرددها «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» وحديثه الشريف الواضح والثابت القول «رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي».
رمضان هو بقول الرسول الكريم شهر الأمة الاسلامية الحقة شهر التجمع والتعبد وكانت الأسر في الريف المصري في القديم تتجمع داخل الدوار، الأسرة بكامل هيئتها الجدود والآباء والأبناء والأمهات علي الإفطار والسحور وبينهما تتواءم الأفئدة وبعد الفراغ من الصلوات وقراءة القرآن والاستماع للدروس الدينية تتم قراءة القرآن عبر مساجد القري حيث يجتمع الأهل للاستماع إلي المقرءين من أبناء القرية حتي الفجر. والجميل في هذا الشهر انه لا غريب فيه فالكل معزوم علي مائدة الرحمن الواسعة، البيوت مفتوحة لكل عابر سبيل أو جار أو صديق.
ولي مع رمضان الذي نعرفه ذكريات وذكريات منذ تعلمنا الصوم وكان أهالينا يدربوننا عليه ونحن صغار. رمضان القديم الذي عشته عندما بلغت العاشرة في اوائل الستينيات كان في بيوت جدي لأمي في حي عابدين الحي الشعبي الكبير خاصة في المنطقة خلف القصر منطقة تتوسط الحسين والسيدة والغورية حيث كل ما يتعلق بالشهر الكريم.
لم تكن أساليب اللهو وقنوات الفرجة قد خرجت إلي النور في ذلك الوقت وكنا اطفالا وكان من مظاهر الفرحة في رمضان سيرنا بالفوانيس التي كان أغلبها تضيئه الشموع نتجمع كأطفال لنخرج بعد المغرب لنطوف بها الشوارع والحواري القديمة في ذلك الحي العتيق وأذكر ان والدي رحمه الله اشتري لي فانوسا كان يعمل بالحجارة وكان اعجازا في ذلك الزمن ومازلت أحتفظ به حتي الآن في منزلي يذكرني بالأيام الجميلة وكنا نقضي الوقت في الغناء «وحوي يا وحوي، بنت السلطان لابسة القفطان» ويظل ذلك حتي ساعات من الليل نفرغ فيها من الصلاة وقراءة القرآن التي ربانا أهالينا عليها وعشنا تلك الفترة الجميلة.
كانت الاذاعة المصرية هي السلوي الوحيدة في الاستماع إلي بعض البرامج الدينية الهادفة التي تزداد جرعتها مع وصول رمضان ونوادره وفوازيره وألف ليلة وليلة التي كانت تأتي مع السهرة. لم يكن الوقت يضيع إلا في العبادة والصلاة أو تحصيل الدروس والتواجد بالمساجد والاستماع للدروس الدينية.
أذكر عم صادق المسحراتي الذي تربينا علي صوته «إصحي يا نايم إصحي وحد الدايم» وكان ينادي علي أهالينا بالاسم في صوت حنون بلا نشاز وفي نغمات دافئة تدفعك دفعا إلي ترك السرير في ليالي الشتاء التي كان يأتي فيها رمضان في ذلك الوقت واختفي أمثاله مع الزمن. ولم يبق إلا النشاز الذين احترفوا الشحاذة علي حسها.
ولا أنسي عم حسين اللبان الذي كان يتخذ من إحدي الشقق في الدور الأرضي من أحد بيوتنا معملا لإعداد الزبادي في سلطانية فخار ولكنها كانت لذيذة وثمنها في ذلك الوقت «تلاتة تعريفة» «قرش صاغ ونصف» وكان محترفا في صنعها وتسويقها وكانت اشبه بالقشطة، كان يصنعها بذمة.
ولا أنسي ما كنا نطلق عليه عفريت الليل وكان يدعي مرزوق علي ما أتذكر وهو رجل كان يحمل علي كتفه سلما خشبيا يمر بكل همه لانارة فوانيس الشوارع وكانت تعمل بالجاز ويقوم بتلميعها والتأكد من جاهزيتها خاصة في ذلك الشهر الكريم ودائما ما يردد وكان رجلا كبيرا أن الشياطين تتسلسل فيه. ومازال صوت الشيخ عبده بائع الفول وهو يردد اللوز اللوز يتردد في مسامعي رغم أن أبي كان دائما ما يقوم بشرائه من محل كان يعتقد انه لا مثيل له في المنطقة مازال يعمل حتي الآن باسم أبوظريفة.
أين أنت يا عم رمضان الذي كنا نعرفك، حتي فانوسك الذي كان احد مظاهر قدومك صار أجنبيا علينا لا نري من المظاهر إلا الصلاة والتجمع في التراويح لمن لا يزال متمسكا بدينه وخلاف ذلك لا نري إلا تسابقا علي إلهاء الناس في أمور الدنيا ومساخرها بمجرد رفع اذان المغرب تجري سباقات محمومة علي المسلسلات والفوازير منذ الدقيقة الاولي وبمجرد انتهاء الاذان وحتي قبل فروغ الناس من الافطار ثم يجذبونك جذبا من برنامج لبرنامج ومن حلقة لاخري وللاسف كلها برامج تحتوي علي كمية من عدم الالتزام والخروج عن النص وحدود الأدب والاخلاق لتجد نفسك في نهاية الشهر وقد خرجت خالي الوفاض كما يقول المثل.
أين أنت يا عم رمضان الأصيل في ذلك التنافر والخصام واللهو، أين أنت يا عم رمضان القديم يا شهر التراحم وسط ذلك الجشع الذي يفرضه من يتاجرون باسمك حتي في أبسط اشيائك فأنا لا أتخيل مثلا أن يرفع بائع الزبادي سحور الصائم العلبة التي لا تحتوي علي ربع ما كان عم حسين يبيعه بتلاتة تعريفة إلي ٤ جنيهات ولا بائع الفول الذي اوصل كبشة واحدة إلي جنيهين واللي عاجبه.
عد إلينا يا عم رمضان الأصيل فقد وحشتنا.
التزام مروري مفاجئ
فجأة صار الجميع في حي المعادي حيث أقيم ملتزما بإشارات المرور، التزام فاق كل تصور، عندما تحمر يقف الكل وعندما تخضر تواصل السيارات طريقها، اختفي كسر الاشارة فلا مخالفة واحدة مع انه لا يوجد أي رجل مرور اللهم في التقاطعات الكبري، بحثت عن السبب وحرصت ان أقوم بجولات سير علي قدمي لأعرفه ليتضح انها كاميرات المراقبة المرورية التي تم زرعها علي أغلب الشوارع الرئيسية والميادين والمداخل والمخارج والكباري ومطالعها. شيء جميل ان تلتزم ان لا تخالف المرور حتي ولو كان الهدف من الكاميرات ليس تنظيمه بقدر ما هو مراقبة للحالة الأمنية في الشارع. لا بأس قطعا فهذا مطلوب خاصة في ظل الحالة الأمنية الدقيقة التي تتطلب اليقظة والحيطة في كل وقت وفي أي مكان.
وكم كنت اتمني أن يكون ذلك سلوكا نابعا منا وليس خوفا من التصوير الالكتروني الذي تستتبعه الغرامات عند التجديد وألا يكون المثل الدارج «ما نخافش إلا بعيننا» هو الذي يحكم تصرفاتنا ومواقفنا بمعني اننا لا نشعر بالخوف إلا إذا شاهدنا مصدره.
التجربة قطعا ناجحة في كل شوارع العاصمة خاصة في وسط البلد ولكن لا ادري لماذا نصر علي التقليل من نجاحها بايقاف العمل بها في بعض الأوقات بحجة الذروة والزحام ومنعا للتكدس، ألم نحسب ذلك ونحن ندفع الملايين لشرائها وتركيبها لتكون سبيلا لتحسين حالة المرور في العاصمة المختنقة؟ ألم تكن هناك دراسات مستفيضة؟
وأتساءل أيضا هل الايقاف يتم عن دراسات أم انه يحدث عشوائيا «تطلع» في دماغ الضابط المسئول فيأمر بالايقاف لتصدر الاشارات لونا واحدا هو الاصفر في كل الاتجاهات بما يعني اختلاطها بلا نظام فتتوقف الحركة وتسود الفوضي.
الواقع يطالبنا إما ان نكون جادين في تطبيق قانون المرور بكل حزم وربط، نستغل الاشارات والكاميرات - حتي ولو كان باطنها أمنياً بحتاً - بكامل طاقتها لفرض السيطرة المرورية وعلاج المشاكل المزمنة التي عشناها -ومازلنا- سنوات كثيرة بسبب الركن في الممنوع. الناس التي تخالف ناصحة عندما تجد ان الحبل «ارتخي» تدرك انه لا مخالفة فتفعل ما تشاء، تكسر الاشارة وتقف صفاً ثاناً وثالثاً. طبقنا النظرية وعلينا أن نصل بنتائجها الي ما نبغي، الأمر يحتاج الي الجدية حتي لا يصير ما نقوم به شكلاً بلا مضمون.
بالمناسبة يستفزني ونش المرور الذي يقوم بكلبشة السيارات المخالفة صفاً ثانياً أو تقف في الممنوع يقوم بذلك ويتركها مكانها حتي يصل صاحبها ليدفع الغرامة وهذا حق الدولة، الغرض من كلبشة السيارات هو منع المخالفة ولكن تركها مكانها حتي يعود صاحبها شيء غير مجد فالمخالفات تتم في نفس المكان وفي كل الأوقات وبصورة أكبر وأعتقد أن الهدف ليس جمع الغرامات بقدر ما هو منع المخالفة فالمخالف يدفع الغرامة راضيا مهما كان مبلغها ولكن علي رجال المرور أصحاب الكلابشات سحب السيارات لانها ببساطة تعوق الحركة وتلك أمام الغرامة مصيبة أكبر.
شيخوخة الدائري
هذا المشهد وقع أمام عيني، للحق «فركت» عيني وأنا لا أصدق ماحدث علي الطريق الدائري عند تقاطع القطامية، سيارة ملاكي شاهين فجأة انحرفت بشدة لتصطدم بالسور الاسمنتي الذي يفصل الطريقين القادم للمعادي والمعاكس المتجه للتجمع وطريق السويس الصدمة كانت قوية والحمد لله ان الطريق كان شبه خال إلا من بعض السيارات توقف بعضها ليتابع الموقف وظننت وظن آخرون ان السيارة الشاهين تحطمت بمن فيها ولكن المشهد كان مختلفا فنزل قائد السيارة رجل في متوسط العمر تبدو عليه «الخضة» فقط، ولكن السيارة فعلت بالسور فعل المدمر. ففي الوقت الذي كان نتوقع فيه ان السيارة تفككت فوجئنا بها تصاب بخدوش وانبعاج بسيط في الرفرف الامامي ناحية اليسار أما السور وبمساحة «٣ أمتار» كاملة انهار بالكامل بفعل الصدمة وتحول كما يقول المثل «لبسيسة» رخوة، كوم رمل لايربطه شيء، يبدو الغش الكامل فيه، لاحديد يصلب طوله ولا أسمنت كاف يمسك اركانه، أمسكت بقطعة صغيرة منه لاكتشف ان فركة بسيطة لمكوناته تجعلها تنفصل عن بعضها بمنتهي السهولة واليسر.
الصورة علي طول الطريق تثبت ان هناك خللا في بعض المناطق علي طول السور حتي التقاطعات التي تصل مابين الطرق الرئيسية للسويس والاسماعيلية او حتي الطريق الزراعي والصحراوي بطول المسافة، لاأعرف من شركة المقاولات التي تولت التنفيذ ولكن اكتشفت ان من نفذ اجزاء كبيرة من هذا السور مقاولون من الباطن ومن باطن الباطن والعيب ليس عليهم ولكن العيب كل العيب علي المسئول او المسئولين الذين قاموا بالاستلام. هل راعوا توافر كل الشروط التي تم وضعها لذلك والمواصفات الكاملة التي تضمن عمرا ليس بالقليل لهذا الطريق خاصة وان هذا السور علي ما أعتقد تم انشاؤه للحماية وليس لاي شيء آخر واذا افترضنا ان الطريق لم يمر علي بدء تشغيله أكثر من ١٥ عاما فإن التساؤل الملح يتمحور حول سبب ذلك الضعف والترهل الذي يظهر عليه عند أي مواجهة مع اي شيء حتي لو الضرب بالكف أو بالقدم الأمر يحتاج الي اعادة النظر فلا يمكن ان تهزم الشيخوخة المبكرة طريق شاب انشئ علي الأقل ليخدم عشرات السنين ليفاجئنا بالحاجة لاصلاحه لأن هناك قلة ضمير في التنفيذ وانعدام له في التسلم.
الأمر كذلك - وهنا لا أسئ للصورة الجميلة ولا للطريق الذي حل مشاكل عديدة وربط اجزاء القاهرة بعضها ببعض من حولها - يتعلق بأعمدة الإنارة التي علينا أن نعيد فحصها مرة اخري لأن بعضها آيل للسقوط لسوء حالته.
المسألة أخلاق
لي رأي في تداعيات الدولار علي السوق صحيح أن الدولار ارتفع بشكل جنوني ولكنه بفعل فاعل لا يستهدف إلا خراب مصر ولكن المسألة مسألة أخلاق وفوضي وتسيب.
ببساطة ذهبت منذ فترة لشراء بعض المتعلقات الخاصة بحمام بيتي الذي قررت أن أقوم بعملية صيانة له بعد شيخوخة زمنية أصابته بفعل الوقت حسبت «حساباتي» علي أساس ان أقوم بالشراء بمجرد توافر التمويل الكافي لذلك وضربت اخماسا في أسداس من أجل توفير المبلغ وفق ما تم بعد معاينة ما أريد شراءه من المحل المشهور وعندما «هممت» بالتنفيذ ذهبت للمحل للشراء وكانت المفاجأة السعر زائد بمقدار 40٪ عما كان مقررا من قبل عند المعاينة ووقفت حزينا أمام البائع فعلي ان أعيد مرة أخري حساباتي وأن أعود إلي بيتي حتي أدبر باقي المبلغ مجبرا بعد ان شرعت في تعديل الحمام بهدم أجزاء ورفع أخري ولا مفر من استكمال المشوار.
صدمني البائع وهو يقول لي عندما سألته عن السبب؟ وقال لي حضرتك عارف الدولار ارتفع «أد أيه؟» وفي دهشة نظرت إليه، ولكن تلك البضاعة هي هي التي عاينتها منذ شهرين، فهل الدولار رفعها داخليا علي ما أنت عارضه أم أن ذلك سينطبق علي ما هو جديد؟ وأمام حزني قال لي البائع «المندوب» كل ما أملكه أعمل لحضرتك 10٪ خصم وحسبتها واكتشفت انه كسب من حجة الدولار 30٪ عن السعر القديم خرجت وأنا أضرب كفاً بكف وفي سري أقول المسألة مسألة أخلاق مش زيادة سعر الدولار أو نقصه.
أليس هناك من يراقب الأسعار؟ أليس هناك من عليه ضبط السوق ومنع الاستغلال حتي لا يقع الناس الغلابة أمثالي ضيحة للجشع والجشعين!
أنا مع نقابتي والقانون
أنا مع نقابتي.. نقابة الصحفيين لا أرضي أن يدخلها أحد عنوة ولكني مع تطبيق القانون قبل كل شيء هناك خطأ من الجميع يجب إصلاحه وإلا.