الإثنين، 24 يناير 2022 - 06:01 م

وجوه أبلكاش، ما يبان عليها حزن، ووجوه رخام (من الرخامة) مزوقة بلون الحداد، ووجوه ماسحة الملامح لا فيها رمش ولا أهداب، يتمثلون الحزن ساعات الحزن، ومن ورا الأبواب تقطيع فى الجثمان.. مسك سيرة.
 الميت شبع موت وقبلها شبع من الحياة، وهم لا عمرهم شبعوا ولا بان عليهم شبع، ويتلذذون بطعم الجيفة، ويشربون أنخاب الوفاة، رشفة من فنجان سادة، والحزن مرسوم على الوجوه  والنهنهة بزيادة.

فى العزاء راسمين الحزن فى المراية، بلون مايل للسواد، وطرحة سودة، ومنديل أبيض لتجفيف الدموع التى تسيل.. وكأنهم حزانى لا يكفكف لهم دمع!!
 العزاءات على مدد الشوف، واللى ما يعزى يتفرج، وبث مباشر على الهواء، والعزاء منصوب فى الفسطاط (الفضاء) الكبير، والبكاء على راس الميت، وفيديو للتشيير، وكف عزاء وكلمتين للمشاهدين، حتى العزاء بقى تمثيل فى تمثيل، ودور البطولة محجوز لكبار المعزين.
 لو ذرفوا الدمعتين قبل الرحيل، ولو قالوا الكلمتين الحلوين، كانت الحياة طالت شويتين، ولاغتبط الراحل الكريم، ربما كان مات مسرور، بخلوا عليه فى الحياة بكلمتين، ولكنهم أفرطوا فى التأبين، وقالوا فى الميت ما كان يتمناه قبل الرحيل.

لماذا تدخرون الكلام الحلو المزوق؟، لماذا تبخلون بكل هذه الدموع ليوم الرحيل؟، أرجوكم اللى عنده كلمة حلوة يقولها على عين حياته، مش بعد مماته، بعد الممات لا كلمة تثقل الميزان ولا تذهب به الجنان، جنته فى حياته، ازرعوها ورود وياسمين .

طب اسألوا عنه قبل الرحيل، كان محتاج كلمة ترد الروح، وسؤال يحس إنه عايش بين الأحباب، من لم يقلها فى حياته ليوفرها بعد مماته.
 المغفور له، ذهب للرحمن الرحيم، فلا تفرق معاه ترحماتكم ولا توسلاتكم ولا تشفعاكم، والعبرة بالخواتيم.
 فقط اذكروا محاسن موتاكم دون رتوش، ودون رموش مبللة بالحزن الشفيف، اذكروها وأنتم صاغرون أمام جلال الموت، وترحموا على من كان بيننا.. ورحل.

يوم انفضضتم عنه وتشاغلتم، ويوم أشحتم بوجوهكم وهو فى أمس الحاجة لطلة، لابتسامة، لسؤال عن الحال والأحوال، لا حاجة له الآن بعزائكم، ولا بحزنكم، الحزن فى القلب.

الحزن له أيام وله طقوس ومراسم، الحزن الحقيقى.. الحزن على النفس، على المصائر، على الرحيل بعد حياة، وعلى فقد الأحباب، الموت مبقاش له جلال يا جدع، تمثيل فى تمثيل، وساعة عزاء وبعدها ساعات حياة، ولا شيء جديد سوى مزيد من مسلسلات الحزن.. بث حى على الهواء مباشرة!!