هل اقترف إثماً وطنياً، وهل غادر مربع الوطنية حتي يخرج علينا من يضمه إلي ما يسمي زوراً وبهتاناً «قائمة الخيانة»
اللقاء الوحيد الذي جمعنا خلاصته أنت تجلس إلي مصري حتي النخاع، فلاح أصيل من « السنبلاوين «، يعيش مصر بكل جوارحه، ويحمل في قلبه لمصر كثيراً من الخيرات في مشروعات لم تجد طريقاً للنور، يكتفي بعرض الأمر، مخلصاً أميناً في العرض، لا يفرض نفسه علي الآخرين، إذا طلبوا المشورة فهو خير المستشارين، وإذا تجاهلوه لديه ما يكفيه من مهام كونية.
من لُقّب بـ «سيد القمر» لا يجيد المشي علي أرض السياسة، أرض زلقة، أعجب من استنفاد طاقة الدكتور فاروق الباز العلمية الجبارة في آراء سياسية في قضايا خلافية محل جدل سقيم، فتقطع ثيابه، ويمرغ اسمه، ويُصْلب علي حوائط « الفيس بوك «، وهو من ترنو العيون إليه، عالم في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، الباز بحر من العلوم لم نستعذب مياهه مصرياً بعد.
لماذا هبط «الباز» من القمر إلي الأرض، نعرفه عالماً في جيولوجيا القمر، لم نعرفه عالماً في ترسيم الحدود البحرية، «الباز» سقط من حالق في الصدع السياسي الذي تأسس علي فالق وطني متمثلاً في جزيرتي «تيران وصنافير»، صدع مخيف ابتلع قامات مصرية سامقة تطاول الجبال.
ما أغني عنه علمه وما كسب من مصداقية، استباحته ثعالب فيسبوكية عقورة، تلك التي لم تترك قامة إلا وأنزلتها من علياء علمها لتنهشها، تمزقها بأسنانها الحادة نِسيرة نِسيرة، صحيح لا كرامة لعالم في وطنه، ويخشي علي عالم من جاهل بقدره، راجعوا من هو الدكتور فاروق الباز قبل أن تهيلوا علي سمعته من تراب أنفسكم، أخشي أن شهادة الباز في قضية الجزيرتين جلبت عليه ما يحزنه، هذا قدر العلماء.
هل كان مطلوباً من الدكتور الباز الصمت، ويكتم الشهادة، هل اقترف إثماً وطنياً، وهل غادر مربع الوطنية حتي يخرج علينا من يضمه إلي ما يسمي زوراً وبهتاناً «قائمة الخيانة»، وإذا صمت عن هذا الذي نتتري فيه احتراباً هل كان هذا ينجيه من الحساب، هل مطلوب أن يصمت العلماء ويتحدث الجهلاء؟.. ترهيب العلماء كارثي ولا يفيد وطناً في مفترق الطرق.
لله دره، هبط من علياء العلم إلي أرض النفاق، عندي أن يجتهد الباز في تأسيس وكالة وطنية لعلوم الفضاء أبرك من شهادته السياسية، لو وضع ثِقله العلمي وتوفر علي هذا الإنجاز لكتب لاسمه الخلود، يقيناً لو طوّع علاقاته الأكاديمية والعلمية العالمية في بناء هذا الصرح لكان لمصر شأن آخر.
فاروق الباز ليس عالماً بل ثروة قومية، مثله مثل السير مجدي يعقوب وآخرين وجب عليهم مد يد العون لوطنهم المفدي، ننتظر منهم أفكاراً وإنجازات علمية، لسنا في حاجة إلي آراء سياسية، البلد فيه ما يكفيه من السياسيين ويفيض للتصدير إلي دول الجوار، 90 مليون سياسي، كم منهم من العلماء تعترف به الحوليات العلمية، والوكالات الدولية، ومراكز الأبحاث الكونية؟..
عد علي أصابع اليد الواحدة، إنجاز الدكتور الباز العلمي في وكالة « ناسا » الأمريكية يؤهله إلي إنجاز مماثل في تأسيس وكالة علوم فضائية مصرية، لماذا يضيع وقته في خلافات سياسية، لماذا يضيع علينا عالماً في ندرة صخور القمر؟.. بلاها سياسة، دع السياسة لأهلها، العلماء محرابهم المعامل، السير يعقوب يعالج قلوب الصغار في أسوان، صخب القاهرة السياسي يجلب الصداع.. بوركت فضائياً وأرضياً