الحمامصى يتوسط محمد التابعى وهيكل أثناء زيارته لمؤسسة «الأهرام»
الحمامصى يتوسط محمد التابعى وهيكل أثناء زيارته لمؤسسة «الأهرام»


كنوز | 34 عاماً مضت على غياب «لورد» صاحبة الجلالة

عاطف النمر

الأربعاء، 26 يناير 2022 - 05:34 م

«قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا.. أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذى يبنى وينشئُ أنفـساً وعقولا» هكذا قال لنا أمير الشعراء أحمد شوقى تكريما وتخليدا لقيمة «المعلم»، واليوم يستحق أستاذنا الراحل الكبير جلال الدين الحمامصى أن نوفه التبجيلا فى ذكرى رحيله الـ 34 فهو من علم جيلى ومن هم قبل جيلى ومازالت الأجيال المتعاقبة تتعلم مما تركه لمكتبة صاحبة الجلالة الصحافة من مؤلفات علمية فى كافة فروع المهنة يتم تدريسها فى معاهد وكليات الصحافة والإعلام ومنها: «المخبر الصحفى - المندوب الصحفى - صالة التحرير - الأخبار فى الراديو والتليفزيون - وكالات الأنباء - الإدارة فى الصحف - من الخبر إلى الموضوع الصحفى - والصحيفة المثالية - صحافتنا بين الأمس واليوم» ومن مؤلفاته المهمة جدا التى تثرى المعرفة: « نزاهة الحكم - معركة الجلاء - ماذا فى السودان؟

- معركة تأميم قناة السويس - من القاتل ؟ - القربة المقطوعة - حوار وراء الأسوار - أسوار حول الحوار»، ومن حظنا أننا تلقينا على يديه فنون العمل الصحفى نظريا ومعمليا فى جريدة «صوت الجامعة» ومن بعدها الصحف القومية التى وزعنا عليها، فمنه تعلمنا الكرامة والشرف والنزاهة والحيدة والمصداقية والفصل بين الإعلام والإعلان، وعلمنا كيف نجادل ونناقش ونبحث عن الحقيقة، فمن حق الصحفى أن يعرف وأن تتاح له المعلومة الموثقة التى ينقلها للقارئ صاحب الحق الأصيل فى المعرفة، ولهذا كان يتيح لنا مساحة نمارس فيها الحوار والجدل وكان يتقبل منا الاختلاف معه وذلك بصدر رحب لكى نتمرن على أصول الحواروآداب الاختلاف.


ولأستاذنا جلال الحمامصى أياد بيضاء على صاحبة الجلالة الصحافة، ليس كمربى ومعلم فقط إنما كانت له إسهامات أخرى مازالت آثارها باقية وملموسة، فقد ساهم فى تأسيس قسم الصحافة بمعهد الإعلام الذى أصبح كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وانتشل جريدة الجمهورية من السقوط بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر الذى كلفه بتأسيس ورئاسة أول وكالة أنباء وطنية قومية «وكالة أنباء أ . ش . أ» عام 1959.

واستعان به الكاتب محمد حسنين هيكل لتأسيس مركز الدراسات الإستراتيجية والمتابعة الصحفية بمؤسسة «الأهرام»، وكتب له أن يكون هو أول من استخدم الـ 8 أعمدة فى توضيب الصحف، وإذ ما أردنا أن نتناول رحلته مع صاحبة الجلالة الصحافة والصحف التى عمل بها من الهواية للاحتراف، والصحف التى أسسها فى العهد الملكى، والصدام الذى تم بينه وبين الرئيس عبد الناصر وإيقافه عن الكتابة، وعزله من رئاسة التحرير، كل هذا يحتاج لكتاب وربما كتب تروى مشواره الثرى الطويل، بالإضافة لما كان يتناوله فى عموده الشهير من قضايا تتعلق بالوطن والمواطن.


ولكى نتعرف على ما كان يتحلى به من جراءة وشجاعة وموضوعية نقتطف بعض فقرات أول مقال كتبه بعد العودة لكتابة عموده اليومى «دخان فى الهواء» فى يناير 1974 وكان بعنوان «ما أحلى الرجوع إليه» الذى قال فيه: «لم يسبق لهذا القلم أن أحس برهبة الموقف، موقف مواجهة الجماهير كما يحس به الآن وهو يعاود الكتابة من جديد، سر الرهبة التى تسيطر على هذا القلم هو أنه اختفى منذ 14 عاما فى ظروف تعسفية، واعترف بأننى أعود إلى لقاء القراء تحت ضغط من بعض الزملاء بحجة أن مناخ اليوم أحسن من الأمس.

واعترف بأن بعض العقليات المسيطرة مازالت تضيق بالنقد وترى فيه اتجاها هداما وخروجا على ما أسموه التزاما، لكننى راجعت نفسى وعدت بذاكرتى إلى فترة قضيتها فى المعتقل مع السادات عام 1943 وجدت فيها أفكار هذا الرجل تتركز حول معنى كبير هو حرية الرأى، وضرورة إصرار كل فرد على الدفاع عن هذه الحرية مهما يكن الثمن، ولما تولى السادات الرئاسة لم يتردد فى فتح أبواب الحرية المغلقة ليقول للناس: «تكلموا كما تشاءون فلا يخاف من هذا الكلام إلا العاجز، وأنا لست عاجزا».


>>>


ويقول فى كتابه «القربة المقطوعة» الذى صدر عام 1982 : «سألنى صديق بعد عودتى من رحلة العمرة إلى الأراضى المقدسة، هل دعوت لحرية الصحافة وأنت فى بيت الله الحرام؟».


كان السؤال مفاجأة لى، على أننى قبل أن أجيب صاحبى على سؤاله بالنفى، سألت نفسى سؤالا سريعا «لماذا غاب عنى أن أدعو الله، ليحقق الحرية الكاملة لصحافة عاشت فى غيبوبة تامة لفترة طويلة من أعمارنا؟ لم أجد إجابة على سؤالى، فتطلعت إلى صديقى وهززت رأسى بالنفى، وشعرت بأن الجواب يكمن فى إيمان داخلى بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإن صحافتنا لن تكون جديرة بحرية كاملة، إلا إذا غيرنا ما بأنفسنا من عوامل كثيرة، ورواسب قديمة لعل أبرزها وأهمها هو أننا نسلم بالواقع الذى نعيشه، ونرضى بالقليل.

وليس مفروضا أن نطالب بالكلام بأن نصون حريتنا فى الصحافة وغيرها، بل المفروض أن نمارس هذا الحق بلا إذن، وأن نقاوم كل اتجاه إلى فرض وصاية من أى نوع، وليس مفروضا أن نقف على المنابر للتنبيه إلى الانحرافات، بل المفروض الإمساك بالمنحرفين لننفذ فيهم ما أقرته كل الكتب السماوية، وهذا الواقع الذى نعيشه ونقاسى منه، إنما هو أصلا من صنع الخوف الذى غرس فينا بمهارة، بحيث أصبحنا أسرى لأوضاع معينة، ولا سبيل للتغلب على فعل الشيطان بالحسرة على ما أصابنا، وإنما يكون برفض ما نحن فيه. 
>>>


ويقول فى مقدمة كتابه «حوار وراء الأسوار» الذى أحدث أزمة كبيرة أقامت الدنيا ولم تقعدها وخلفت له آثارا غير مستحبة: «هذا الكتاب ليس تاريخا، ولا أحب أن يقرأ على أنه استعراض تاريخى لفترة طويلة من حياتنا، ولكن يمكن القول بأنه عرض سريع - وأكرر كلمة سريع - لزاوية تاريخية مهمة عشتها بنفسى، وساهمت فى بعض جوانبها بجهد صحفى أحيانا وسياسى أحيانا أخرى، أو بهما معا. وكل الوقائع التى وردت فى هذا الكتاب مؤكدة، إما لأننى ساهمت فيها، وإما لأننى حققتها تحقيقا دقيقا التزمت فيه بالواقعية والأمانة، والزاوية التى ركزت عليها فى هذا الكتاب بصفة عامة هى: نزاهة الحكم، وحرية الرأى، وفاعليتهما فى نجاح النظام أو فشله».

ويقول ايضا: «ولست أدّعى أنى وضعت يدى فى مضمون هذا الكتاب على كل عيوبنا وأخطائنا أو إنجازاتنا أو وضعها على الحلول السليمة التى تصلح للتغلب عليها، وإنما أحس أننى ساهمت فى محاولة فتح الأبواب المغلفة، والدعوة إلى عمل موحد يخرجنا من الظلام الذى عشنا فيه طويلا إلى النور الذى نتعرف به على أعمالنا، ونتحسس طريقنا إلى الطهارة والحرية والعدل والمساواة، إن الكتاب يؤكد ما لمصر من تاريخ كفاح عريق، كما يؤكد أن على الشباب أن يربطوا بين ماضيهم البعيد، وبين حاضرهم الذى يعيشونه ومستقبلهم القريب.


>>>


إذا كان المفكر الكبير أحمد لطفى السيد هو أستاذ الجيل الذى زرع الكثير فى جيل من المفكرين والمثقفين، فأستاذنا جلال الحمامصى هو أستاذ الأجيال الصحفية المتعاقبة الذى ارتشف من أمير الصحافة محمد التابعى الدقة والموضوعية والنزاهة، ولهذا ناضل من أجل حرية الكلمة والصحافة، وكان محرضا للشباب لكى يعرف ماضيه ويشكل حاضره ومستقبله».


«كنوز»

إقرأ أيضاً|«التابعي» يكتب عن ليلة رأس السنة التي قضاها وحيدًا في بيته!

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة