إنه شعار «جبهة الابداع»، وطبعا لكلٍ تبني ما يشاء من شعارات، وبالتالي فإن لكل من يطالع شعارا أن يكون له رأيه، دون إرهاب أو مزايدة.

باختصار شديد فإن «الجبهة» اصدرت بيانا يطالب بإقالة عبدالواحد النبوي وزير الثقافة الذي «يستعد لإقالة رئيس هيئة الكتاب» بنص بيان صنع من د.أحمد مجاهد بطلا قوميا!

ومع كل الاحترام للدكتور مجاهد، فإن الموضوعية تحتم عدم اغفال ما يلي:

> مجاهد انتهت فترة انتدابه، وبالتالي فإن الأمر لا علاقة له بمفهوم الاقالة.

> من حق مجاهد شأنه شأن غيره عند فتح الباب لشغل الوظيفة أن يتقدم بأوراقه.

> أبسط البديهيات في الإدارة تؤكد حق المسئول في اختيار معاونيه حتي يكون حسابه عادلا.

> مشكلة مجاهد أن درجته كمدرس وليس استاذا تمثل عائقا أمام استمرار شغله لموقعه الحالي، والمفارقة المدهشة أن المسئول عن صناعة الكتاب لم يكن يملك وقتا لابحاث الترقي ليحوز درجة استاذ التي تؤهله لدرجة وكيل أول وزارة!

> من حق أي وزير أن يرفض وجود مراكز قوي تنازعه سلطاته، وتتجاوز صلاحياتها، وتتصرف فيما لا يحق لها دون تفويض، واسألوا مجاهد لماذا يصر علي أن تكون «هيئته» وزارة داخل الوزارة؟

> هل نسينا سريعا الروابط الوثيقة التي كانت تشد مجاهد لنظام مبارك وأركانه؟

بالمناسبة لا اعرف النبوي من قريب أو بعيد، ولدي عشرات الملاحظات علي ادائه، لكن تلك مسألة يمكن أن نتناولها في وقتها، إلا أن ما لا يجب ان يمردون تعليق تلك الزفة البلدي لفرض استمرار مسئول فوق رأس الوزير، ولا بأس عندي أن يغادر كلاهما ان كان ذلك الخيار في صالح النهوض بالثقافة في مصر.

هل يسامحنا رمضان؟

رمضان كريم حقا، لكن كيف نستغل كرمه في ارتكاب كل هذه التجاوزات، والخطايا- تحت لافتة الكرم- أطراف نهاره، وفي نور هلاله؟!

مرت أيامه، وانقضت لياليه بسرعة شهاب!

.. وغادرنا رمضان، فهل مضي غاضبا أم انه بكرمه تسامح مع من تجاوز، أو أخطأ، عساه أن يراجع نفسه؟

أغلب ظني انه انصرف غضبان أسفا، بعد أن افقدناه طابعه الخاص، اقصد جوهره الروحاني، بعيدا عن المظاهر الاقرب إلي قشرة رقيقة، صارت أكثر هشاشة مع الوقت، عاما وراء عام، فما ان تسقط حتي تبدو الحقيقة غاية في القسوة!

رمضان الذي كنا نعرفه زمان لم يعد يزورنا، او بالاحري لم نعد- نحن- حريصون علي ان يحل ضيفا نلقاه بما يستحقه من حفاوة، فلا طاعة وتسامح، او رحمة ومودة، ولا.. ولا..، فهل يسامحنا؟ او بدقة هل يستحق معظمنا ان يراهن علي كرمه؟

اين ضاعت- أو تاهت - بهجة وجلال أيامه، فصارت كغيرها، ما قبلها وما بعدها يشبهها!

الاستثناء يتجلي في جرعة مضاعفة من الاكل والشراب، والمسلسلات، والسهر في غير عبادة أو ذكر، ساعات وقد تسمرنا امام الشاشات و... ونهار طويل يمضي متثاقلا كما يشعر اكثرنا... و.. وتمضي الايام مسرعة رغم تلك المشاعر الغريبة!

واذا ما برزت لحظة ندم او حسرة فان مبعثها لا يعود لعدم استثمار شهر البركة في التقرب إلي الله، بمصارحة مع النفس، او سعي لترضية من اخطأنا بحقه مثلا، وانما لأن الموائد العامرة، والشاشات السافرة لم تعد كذلك، وثمة 11 شهرا طويلة تفصلنا عن عودة «اليغمة»!

< < <

لا استطيع ان اخفي او أكتم احساسا بالغربة كان يتملكني حين كنت أشاهد أي من  الاعمال الدرامية التي تسود الشاشات، يقينا ليست هذه مصر التي عشت كل عمري في ربوعها، فلا المدينة كالمدينة التي سعيت في شوارعها، وخبرت ناسها، ولا الناس هم من تعاملت معهم.

صحيح ان مصر اختلفت خلال العقود الاخيرة، لكن التحولات شيء، وما اراه عبر الشاشات شيء آخر تماما!

عنف، بلطجة، سفالة، دعارة، مخدرات، دماء، جنس، شذوذ،...،...،

عالم خيالي، ربما.. دنيا افتراضية، جائز..

هل اراد صناع الدراما- ان جاز وصفها بذلك- اختبار قدرة المشاهد علي كبح شهواته، وضبط اعصابه، وهو يري مشاهد طويلة في قلب علب الليل، وبيوت للدعارة، وغرف النوم، وحواري النفايات البشرية، وبين عائلات تعاني من أمراض نفسية تحيل المنازل إلي مصحات؟

لماذا اختفت في الغالب النماذج السوية أو القريبة من البشر الطبيعيين؟

فوضي عارمة، تدفعك لأن تتساءل في براءة أو بغضب: أين دور الدولة سواء بالانتاج أو الرقابة أو المحاسبة؟

< < <

طيب بلاها دراما، وان كنت اشك في ان معظم ما نشاهده يستحق هذا الوصف، لنقترب من البرامج، وبالطبع اشهرها سخافات المقالب «البايخة» و «الرذلة» بقلة أدب المقدم والضيف- معظم الحلقات- لتجد نفسك امام شيء يصعب تصنيفه، فهل الملايين التي ترصد لانتاجها، ومن ثم اجتذاب جزء ضخم من كعكة الاعلانات لصالحها تبرر هذه السخائم المتجاوزة لأي معقول أو مقبول؟ وبعيدا عن مقالب السخافة والاستخفاف والخفة المدعاة، يصعب ان تصادف برنامجا حواريا أو ثقافيا يجبرك علي ان تكمل متابعة حلقة واحدة منه، لأن اغلبها يقع اسيرا لمعادلات ضد الاهداف التي يجب إن تحكمها تحت وطأة الإعلان، وبالتالي يستحيل ان تجذبك لمتابعة اي منها يوميا.

وعلي ذكر الاعلانات، فانها هي الاخري حكاية ترفع الضغط، بل قد تصيب مرضي القلب بأزمة قاتلة من الغيظ المتراكم علي مدار متابعة عمل واحد، ناهيك عن مواصلة المشاهدة لعدة ساعات.

عكس ما يحدث في كل الدنيا- حتي بلاد تركب الافيال- النسبة بين زمن الدراما، أو البرامج، إلي الوقت المخصص للاعلان يكاد يكون في عداد المقدسات، لا يتجاوز الخُمس في أسوأ الأحوال، لكنهم عكسوا الآية بغباء منقطع النظير!

تكرار ممل لنفس الاعلان، سواء كان صورة أوريچينال للتسول، وفق آخر صيحة، بابتزاز المشاعر الانسانية، بدعوات للتبرع «عمال علي بطال» لدرجة تدفعك إلي التساؤل:

طيب، أين دور الوزارات المعنية؟

أين هي المسئولية الاجتماعية- التي صدعونا بها- للشركات والمليارديرات ومنهم من يدير محفظة مالية تتفوق علي موازنة دولة صغيرة؟

وبالمقابل ثمة ما يجعل القلوب تنفطر، والعيون لا تكف عن الدمع، اعلانات غاية في الاستفزاز، إلي حد العدوانية، تعرض سلعا، او خدمات لا تعني سوي طبقة النصف في المائة!

ويظل السؤال الاساسي معلقا:

هل يسامحهم، ويسامحنا، رمضان علي كل ما اقترفناه في حقه وحق أنفسنا؟

..................

اللهم تقبل منا سائر الاعمال، ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منا.. آمين.

ومضات

> ثقافة الموت، وموت الثقافة، خطان لانتاج العدم.

> ثائر واحد لايصنع ثورة، لكنه قد يلهم جيلا من الثوار.

> وهج الحب ينير، ولايحرق إلا قلب أحمق.

> عنف الحب ربما يمنحنا قصة خالدة، غير ان حب العنف يفضي الي كارثة!

> الحب الزائف- ابدا- لايدفئ بردانا.