دعاء زكريا
دعاء زكريا


زامر الحي لا يطرب

دعاء زكريا

الخميس، 27 يناير 2022 - 02:39 م

لا كرامة لنبى فى وطنه مقولة مأثورة نستخدمها عند إغفال أو تهميش شخصية فاعلة فى وطنها كذلك شأن العلماء أو الأدباء والكتاب والباحثين أو الأنسان العظيم الذي لا يجد في مجتمعه التقدير الكافى له أو إعطائه الاهتمام الذي يستحقه وخاصة بين ذويه وممن حوله، بل تجد الغرباء عنه هم الذين يحترمونه ويُكبرونه، ويعرفون الفضل فيه..

هكذا نجد فى بائية حافظ إبراهيم والذى كتب ابيات فى هذا السياق

أنا لولا أن لي من أمتي

خاذلا ما بتُّ أشكو النُّوَبــا

أمّة قد فتَّ في ساعدها

بغضُها الأهلَ وحبُّ الغربــا

 

وفي ذلك قال الشاعر:

(لا عيبَ لي غير أني من ديارهم

وزامر الحيّ لا تُشجي مزامره

كما عاش الشاعر التونسى ابو القاسم الشابي غريبا في وطنه، لم يجد من يفهمه او يقدره حق قدره حتى كتب في ذلك:

(الناس لا ينصفون الحي بينهم

حتى اذا ما توارى عنهم ندموا

الويل للناس من اهوائهم ابدا

يمشي الزمان وريح الشر تحتدم

لقد بدأت بهذه المقدمة التى يغلب عليها الابيات الشعرية حتى يكون دليلى على ما سأكتبه واكشف من خلاله عن الداء الذى سكن وعشش بعقولنا لعقود ماضية حتى ظهر فى تراثنا الأدبي والثقافى

إلا وهو إهمال تقدير عقول أبنائنا وتنمية مواهبهم عن طريق البحث العلمي وتقديرهم والاهتمام بتحفيز النوابغ منهم بإعطائهم مميزات تساعدهم على تنفيذهم  لاختراعاتهم  وتشكيل لجان لبحث جدوى تنفيذ تلك الاختراعات التى حصلت على براءة وهناك الكثير منها التى تأكلت أوراقها بعدما ملئت الإدارج المهملة سنين طويلة كذلك يحتاج البحث العلمى الى تخصيص ميزانية خاصة به من الدولة لتطبيق تلك الأختراعات على أرض الواقع فقد يكون منها ما يعود بالنفع على المجتمع ويصب فى الصالح العام لكن تركها لتأكلها تروس الايام والسنين يشعر هؤلاء الشباب بالأحباط ويساهم فى هروبهم للخارج لتقدرهم الدول الغربية وتحصد ثمار تلك النبتة التى ولدت على أرضنا ليأخذ خيرها غيرنا لذا نحن من نستطيع أن نحتضنهم ونكرمهم و نعمل على شحذهم ليكبر بداخلهم حب الوطن فيزيد معه الإنتماء للإرض الذى نشأ بها بدلا من هروب تلك العقول لنفاجئ بها بعد ذلك ونسمع عنها فى الخارج ويشار إليها بالبنان عالميا ونكتفى ان نعلن عن نجاح تلك الطيور المهاجرة والأمثلة كثيرة

الجميع يعرفها عندها نبدا فى الالتفات لهؤلاء العلماء لتتجلى فينا أعلى صور "عقدة الخواجة " وهى أننا لا نهتم إلا بمن حصل على أهمية من الغرب أولا وهذا الأسلوب يساهم بشكل كبير فى عملية طرد لهؤلاء العقول الفاذة والنابغة لتهاجر للخارج فنفقد معها أهم أعمدة نهضة اى دولة وتطورها لذا لابد أن تركز الدولة على الاهتمام بالبحث العلمي والتي تنعكس أهميته إيجاباً على المجتمع، من رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع ممّا يُساهم في تطويره و نموه اقتصادياً وممّا يُحقّق رفاهية أفراده. وحلّ المشكلات على كافة المستويات الاقتصادية، والسياسية، والصحية، وغيرها. وإيجاد تفسيرات للظواهر الطبيعية والتنبّؤ بها

ونأخذ هنا دولة اليابان كمثال قد نستقى منه دروس مستفادة حيث شغل البحث العلمي مكانًا مهمًا في السياسات اليابانية، وربما كان ذلك بسبب إدراك اليابان أن التقنيات الغير متطورة لديها في حقبة الحرب العالمية الثانية كانت عاملاً في هزيمتها

وكالعنقاء التي قامت من الرماد قامت اليابان في الفترة ما بين 1970 و1980 تدريجيا في فك الارتباط مع الخارج في مجال البحث العلمي والأعتماد على نفسها من خلال إنشاء مراكز بحث وجامعات متطورة في مجال البحث العلمي وهذا ما أعطى اليابان أستقلالية في مجال البحث العلمي وبنى قدرتها على تطوير منظومتها البحثية كما كان عاملا أساسيا في زيادة قوتها التنافسية وظهورها كقطب صناعي جديد في العالم

ومع بدايات عام 1980 تم إنشاء وكالة العلوم والتكنولوجيا في اليابان معلنة بذلك بدء ما يعرف بـ”عصر الإستقلال التكنولوجي لليابان وهكذا قامت الحكومة اليابانية في هذه الفترة بتوجيه جهودها إلى دعم السياسة الجديدة في مجال البحث العلمي ومع حلول عام 1986 كانت المخصصات المالية للبحث العلمي من الدخل القومي لليابان تفوق مخصصات الولايات المتحدة الأمريكية

ومن بين 1.2 مليون براءة اختراع مسجلة عالميا سنة 1985 كانت 40% من هذه الأختراعات لليابانيين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان 19% مما يقارب 120 ألف براءة اختراع مسجلة لمخترعين يابانيين.

و من أجل تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية أنفقت اليابان في تلك الفترة عام 1987 ما يقارب 39.1 مليار دولار في تطوير البحث العلمي وإنشاء المراكز البحثية والمختبرات والجامعات المتخصصة وشكل هذا المبلغ نسبة 2.9% من الدخل القومي وهي النسبة الأعلى عالميا، حيث كانت هذه الفترة وحتى سنة 2000 بمثابة العصر الذهبي لأداء البحث العلمي في اليابان

وفى عام 1995، تم تحديد سياسات ساعية لبناء دولة قائمة على العلوم الإبداعية والتكنولوجية، الأمر الذي سيؤول إلى خلق القيمة وضمان مجتمعات مرفهة وبدأت في العام التالي صياغة خطة خمسية تحت عنوان ”الخطط الأساسية للتكنولوجيا والعلوم“ لتحديد الاتجاهات المرجوة في العقد القادم.

وتم تحديد الخطط الأساسية كتوظيف العلماء في معاهد البحوث الوطنية على أساس أجل محدد المدة، ودعم 10,000 باحث بعد الدكتوراة، وتوثيق التبادل والتعاون بين الصناعات والأوساط الأكاديمية والحكومة. إلى أن اليابان كدولة صغيرة فقيرة في الموارد الطبيعية، لم يكن أمامها خيار سوى استعادة القدرة التنافسية من خلال ابتكاراتها العلمية والتكنولوجية حتى تظل رائدة على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.

وقد دعت الخطة الثانية للتكنولوجيا والعلوم الأساسية، التي اعتُمدت في عام 2000، إلى أولوية البحث والتطوير لمعالجة القضايا الوطنية والاجتماعية الرئيسية، وحددت أربع مجالات للاستثمارات الاستراتيجية من أجل النهوض بالسياسات الأساسية للمناحي العلمية والتكنولوجية في البلاد، وهي: علوم الحياة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، العلوم البيئية، تكنولوجيا النانو وتوفير المواد. ومن ثم استهداف موارد البحث والتطوير من خلال الانتقاء والتركيز على هذه المجالات ذات الأولوية.

ونجد فى التجربة اليابانية دروس عديدة لابد من الاستفادة منها خاصة في مجال البحث العلمي تلك التجربة التى ساهمت في رقي وازدهار هذه الدولة ووضعها في مصاف الدولة المتقدمة ، إنها تجربة ملهمة لنا كشعوب عربية تتوق إلى تغيير واقعها وايجاد مكان لها في منظومة الدول المتقدمة

إن نهضة أي أمة لا بد أن تكمن في أهتمامها بالعلم وشحذه من خلال توفير التمويل المادى والمعرفى للباحثين وتوفير سكن للمغتربين منهم وتحديث المعامل الخاصة بالأبحاث فى الجامعات والمعاهد حتى تواكب العصر والتطورات التى يشهدها  العالم فى كافة مجالات البحث العلمي فالأمة التي تُولي أهميةً لعلمها وباحثيها وعلمائها تَحصل على التفوق الرِيادي في الإنتاج وبالتالى تحظى بالتطورِ والنهضة والدَّولةُ التي لا تخصص ميزانياتٍ ضَخمة للبحث العلمي هي دولةٌ مستهلِكة تعتمد على ما تستورده من منتجات تامة الصنع عاجزة عن الإنتاج لتواكلها على غيرها عاشقة لتثبيت قواعد المقولة الشهيرة زامر الحى لا يطرب

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة