رعب وصرخات أمهات.. دفن أطفال قرية كاملة «أحياء تحت الفحم»
رعب وصرخات أمهات.. دفن أطفال قرية كاملة «أحياء تحت الفحم»


حكايات| رعب وصرخات أمهات.. دفن أطفال قرية كاملة «أحياء تحت الفحم»

هناء حمدي

الجمعة، 28 يناير 2022 - 01:46 م

لم يكن يومًا مختلفًا عن باقي أيام العام، فمع دقات الساعة السابعة صباحا بدأ يوم روتيني معتاد بنشاط قد يكون أكبر من المعتاد خاصة بالنسبة للأطفال فهو آخر يوم دراسي وبعد انتهائه تبدأ معه إجازة منتصف العام فكل ما يفكرون فيه وعلامات السعادة والنشاط تظهر على وجوههم هي خططهم لما سيقومون به في الإجازة.

 

ولكن مع دقات الساعة التاسعة انتهت كل هذه الخطط دون تنفيذ فنهاية الفصل الدراسي قد تحول إلى إجازة دائما فلا مدرسة بقيت ولا تلاميذ عاشوا والسبب مكب نفايات دفع تلاميذ مدرسة «بانتجلاس جونيور» أرواحهم ثمنًا له.

 

ففي 21 أكتوبر من عام 1966 أنهى انهيار جليدي مكون من 128 ألف متر من نفايات الفحم والتي تسابقت بالسقوط بسرعة تتراوح بين 17 و34 كيلومترا في الساعة أسفل تل شديد الانحدار في بلدة أبرفان البريطانية، لتدمر كل ما وجدته في طريقها من مظاهر طبيعية ومنازل ومبان ومدارس وتختطف حياة 116 طفلا جميعهم من الجالسين في فصول مدرستهم لتقضي معها على جيل كامل من أطفال البلدة لتعلن معها عن كارثة أبرفان للتعدين واحدة من أسوأ حوادث التعدين في بريطانيا.

 

 

وبلدة أبرفان تقع في مدينة ويلز البريطانية، شهدت عام 1869 وضع حجر أساس الكارثة وذلك بافتتاح منجم «مرثير فالي» للفحم الذي تطورت على يده القرية لتصبح قرية مليئة بالحياة ومزدهرة، خاصة أن الفحم في ذلك التوقيت كان أساس الثورة الصناعية والتي وصلت لذروتها عام 1920؛ حيث عمل في هذا المجال 271 ألف عامل ما دفع الكثيرون إلى العيش في القرى القريبة من مناجم الفحم، بحسب موقع «history».

 

ونتيجة هذه الهجرة لم تكن القرية قاصرة على عمال المناجم فقط ولكن أصبحت مقرا للعديد من الأسر ومنها تتطلب الأمر فتح المدارس ومراكز الترفيه والمحلات وغيرها من المظاهر الحياتية وعلى الرغم من أنه ومع حلول ستينيات القرن الماضي بدأ الاعتماد على الفحم كمصدر للطاقة يتناقص ما أدى إلى تدهور مجال تعدين الفحم إلا أنه ظل شريان الحياة لأكثر من 8 آلاف عامل وعائلاتهم في أبرفان.

 

اقرأ أيضًا| جون المبارك.. معالج روحي اعتدى على مئات النساء بهدف شفائهن

 

ولكنهم لم يكن يتوقعوا يوما أن سبب رزقهم وشريان حياتهم سيكون سببا في إنهاء حياة أطفالهم بخطأ في التخلص من نفايات تعدين الفحم والتي يتم عادة التخلص منها في منطقة تسمى «الطرف»؛ إذ كان لمنجم «مرثير فالي» 7 أطراف آخرهم رقم 7 والذي بدأ عام 1958 تم وضعه بشكل خاطئ غير مستقر على الحجر الرملي فوق منطقة كانت فوق ينابيع مياه جوفية أعلى طرف منحدر شديد الانحدار فوق القرية ومع استمرار أعمال المنجم تراكمت النفايات بشكل كبير حتى بلغت في عام 1966 أكثر من 247 ألف متر مكعب.

 

 

ومع خطورة الوضع وعدم استقرار الطرف الذي يقع مباشرة أعلى مدرسة بانتجلاس جونيور، التي تضمن 240 طالبا من أطفال القرية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و10 سنوات أعرب السكان للمسؤولين المحليين وأعضاء مجلس الفحم الوطني عن مخاوفهم من سقوط هذا الطرف على المدرسة ولكن دون جدوى حتى شهدت القرية ولمدة أسبوع متواصل سقوط أمطار غزيرة أدت إلى تراكم مياه الأمطار داخل طرف المنجم لينهار مع دقات الساعة التاسعة صباحا في يوم 21 أكتوبر من عام 1966.

 

ورغم خوف الأهالي على أبنائهم من هذا الطرف الممتلئ بنفايات المناجم إلا أنهم لم يتوقعوا أن تقع الكارثة قبل 3 ساعات من مغادرة أطفالهم للمدرسة الواقعة أسفل الطرف فلم يكن هناك أي جديد في اليوم يؤشر عن وقوع كارثة فبدى يوم طبيعي توجه الآباء إلى أعمالهم والأطفال إلى مدارسهم مع سعادة غامرة فاليوم لن يكون يوم دراسي تقليدي فهي لحظات وداع المدرسة مؤقتا لبدء إجازة منتصف العام لذلك لن يستمرا طويلا حيث قررت إدارة المدرسة بمنحهم نصف يوم فقط استثنائيا.

 

لذلك لم يمنعهم المطر الذي يتساقط منذ أسابيع من رسم خططهم لما سيفعلونه بعد انتهاء اليوم الاستثنائي ومع انتظارهم لانتهاء الدرس وعيونهم تترقب الساعة التي تسير ببطء المتلهفين توقفت تماما ليس لعطل وإنما لتسجل عند الـ 9:14 صباحا موعد الكارثة فتشبع النفايات بمياه الأمطار التي تتساقط منذ أسابيع أدت إلى تراكم مواد الفحم الناعمة على التل حتى تحولت إلى كتل طينية ضخمة اندفعت نحو المدرسة ليس قبل دخولهم إلى الفصول ولم تنتظر 3 ساعات لخروجهم وكأنها انتظرت دخول الأطفال الفصول حتى تنهار أول كتلة تضمن 128 ألف متر مكعب من النفايات لتأتي على الأخضر واليابس.

 

 

فما هي سوى لحظات سريعة بدأت بسماع الطلاب صوتا يشبه صوت الطائرة النفاثة لتدفن بعدها الرمال السوداء كل شيء في طريقها بسرعة. ولم يتدارك فيها الأطفال ما حدث حتى رد فعلهم اللاإرادي لم يسعفهم في الهروب من جحيم النفايات التي أصابت المدرسة ودمرت جدرانها وتسببت في انفجار الأنابيب ليبقى كل شيء أسفل الركام ليركض الجميع من أجل المساعدة وسط ذهول الصوت وأصوات بكاء الأمهات وتصميم الآباء على الحفر بأيديهم لتخليص أطفالهم من الجحيم على أمل استعادتهم أحياء رغم أن المنطق يؤكد استحالة الأمر.

 

وبحسب موقع «Independent» فإن القرية تحولت إلى خلية نحل ضمت متطوعين وأطباء ورجال إطفاء وعمال مناجم ورجال الشرطة في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبعد دفع الكثير من الأنقاض جانبا سمعت صرخات خافتة تبشر بوجود أطفال أحياء وبعد أسبوع من العمل أصبح الحجم الحقيقي للكارثة واضحا فمن بين 240 طفلا تضمهم المدرسة توفي 144 أي ما يزيد عن نصف أطفال القرية.

 

ليتدمر جيل كامل من أطفال مدارس ويلز ما بين متوفى وآخر خرج من تحت الأنقاض يحمل الموت بين عينيه لتنتهي براءته مع لحظات الموت ويضطر أن يكبر سريعا مع صدمة دمرت له حياته والسبب خطأ في اختيار موقع طرف النفايات دفع ثمنه هو وأصدقائه من أرواحهم.

 

 

وبعد 76 يوما من الاستماع إلى الأدلة التي تضمنت شهادة 136 شخصا توصلت التحقيقات إلى أن كارثة أبرفان تتقاسمه وبدرجات متفاوتة مجلس إدارة الفحم الوطني ومجلس القسم الجنوبي الغربي وبعض الأفراد. وذكر التقرير أن الجهل وعدم الكفاءة والفشل في الاتصالات هي ما أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة