حمدي رزق
حمدي رزق


فيض الخاطر

رحيل ابن عمي الذى لم تلده جدتي

حمدي رزق

الجمعة، 28 يناير 2022 - 07:05 م

حتى الحروف تتمنع، والكلمات تأبى أن ترتسم، والجُمل تتمرد على السياق، وكلما أتممت جملة رفضت الانصياع لرغبتى فى البكاء فى سطور تشكل فقرات فى رثاء «ياسر» ابن عمى «  فتحى رزق «، العم الذى لم تلده جدتى، وهذا شرحه يطول فى مناسبة حزينة.
ولأنى ابن لوالد وحيد، ظللت محروما من العم وابن العم، حتى صادفت « ياسر رزق»  فى مدرج كلية الإعلام، فحمدت الله كثيرا، واغتبطت صار لى ابن عم، حنون، طيب، موهوب، طموح.. كاسر لسقوف الحلم الأخضر فى بواكير الصبا.

لم أستطع ملاحقته يوما.. كان سابقا بخطوة واسعة، من فرط حركيته، هادر، لا يهدأ، لا يستريح، كمن على قلق كأن الريح تحته.
الأطباء جميعا ومنهم أحباء، فشلوا فى إرغامه على الراحة، وفى أشد حالات المرض، كان يعافر، ويقوم على حيله، مواصلا الركض فى مشوار الحياة، ينسحب عليه قول الشاعر « أبى العلاء المعرّيّ» :» تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ فى ازْديادِ».
 قصيرة هى سنوات العمر عن إدراك المعانى الكبيرة التى كانت تمد ياسر بطاقة إيجابية، ترتسم ابتسامة عذبة حين يلقاك، يقطع بها مسافات الوحشة سريعا، هاشا باشا.

كان عاطفيا لدرجة يصعب استيعابها من الغرباء، ولكن عند المحبين كانت عنوانا لإنسان عاش ليحترق، شمعة تنحر جسدها بلهيب داخلى يشع نورًا ودفئا.. عد الجروح يا قلم، عد الجروح يا قلم واحسب جروحى كام، تقريبا صداقتنا بل إخوتنا، والتعبير دقيق، ياما سُئلت من عاديين، وطيبين، هو ياسر اخوك؟!، كنت أجيب زى أخويا، تقدر تقول ولاد أعمام، بس ياسر من إسماعيلية، وأنا من المنوفية.

بالحساب كان اللقاء الأول فى شتاء العام ١٩٨١، والأخير فى شتاء ٢٠٢٢، يربو على أربعين عاما، أربعة عقود مرت من الزمان، لم نختلف يوما، تخيل، عمرى ما زعلت من ياسر، ولا زعل منى، أصلا ياسر طيب، وابن حلال، ومتربي، كان زينة الشباب..
سبحان من له الدوام، وأنتم السابقون ونحن لاحقون، فقط الفراق صعب، زمان كان الموت بيشاور علينا من بعيد، ثم دلف إلى الزقاق، ثم دخل بيتنا، واختار، ربنا يختار من يحب إلى الجوار ..

معلوم اللى ربنا يحبه يحبب فيه خلقه، وجنازة الفضاء الإلكترونى التى صاحبت الجثمان الذى حمله الأحباء على الأعناق، ومن كل حدب وصوب، كل هذا البكاء، كل هذه الدعوات، والترحمات، الله يرحمك عزاؤك كفاك، وتلقيت فيك العزاء، سبحان من له الدوام.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة