الراحل الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق
الراحل الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق


وداعاً ياسر رزق

حب النــــــــــــــاس «رزق»

أخبار اليوم

الجمعة، 28 يناير 2022 - 07:33 م

رحل عن عالمنا يوم الأربعاء الماضى الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم السابق، بعد رحلة نجاح كبيرة مع القلم، وأشواط مريرة مع الألم، الذى انتصر فى النهاية، فأصاب قلب الصحافة المصرية والعربية بنوبة حزن من العيار الثقيل.
رحل الفارس الذى كان يؤمن بأن الطرح لا يحتاج علو الصوت ولا المهاترات، بل مجرد «ورقة وقلم» فقط، فتآنس بمن اتفق ولم يعادِ من اختلف معه بلفتة إنسانية وموضوعية من النادر تكرارها.
كان كاتبا استثنائيا، مقاتلا فى نصرة الوطن، يجيد فن المقال التحليلى، مع ربط رؤيته بشواهد تؤكدها، مولعا بشحن بطارية فضول القارئ لرائحة الأسرار المغمسة بالدهشة بين السطور.. حفلت حياة الرجل بمشاوير معاناة مع المرض ولكنه قطع مسافات من النجاح لم يحققه كثيرون من زملائه، فتربع على عرش قلوب من عاشروه عن قرب بفيض إنسانية ومهنية شهد بها الجميع.. فكان مشهد تشييع جثمانه تظاهرة فى حب الرجل، توثق للتاريخ أنك مهما اعتليت من مناصب لن يذكرك الناس إلا إذا كنت إنسانا.
رحم الله ياسر رزق أحد فوارس الصحافة المصرية والعربية الذين سيتوقف التاريخ عند مشوارهم الصحفى والإنسانى طويلا.

 السيرة أطول من العمر

بقلم: محمود مسلم

هناك حكمة قديمة ومتداولة تقول «السيرة أطول من العمر»، هذا ما ورد بخاطرى عندما دعانى الصديق الكاتب عمرو الخياط للكتابة عن المهنى والمخضرم والانسان ياسر رزق، الرجل الذى ستدوم سيرته طويلا رغم سنوات عمره القصير، فقد خطفه الموت فجأة ليصعق كل أصدقائه ومحبيه، فقد كان رحمه الله شغوفا بالمهنة ويملك قدرا من التواصل الإنسانى المباشر والبسيط مع الجميع.
لم أكن من جيله، أو من أصدقائه المقربين، لكن بالطبع أعتز كثيرا به، خاصة بعد أن أدينا عائليا فريضة الحج معا قبل سنوات، وشاءت الظروف أن أجلس إلى جواره فى افتتاح خط مترو الأنفاق الجديد، وطوال رحلة عبر المترو من مدينة السلام إلى محطة هليوبوليس، حكى لى عن قصة سفره إلى فرنسا لإجراء جراحة، مشيدا بموقف الدولة المصرية معه بكل مؤسساتها وأجهزتها.. واسترجع معى ذكريات رحلة العلاج بكل معاناتها حامدا شاكرا كرم الله عليه فى هذه اللحظات الصعبة.

نجاح رزق ومهنيته وإنسانيته فى كل إصدار عمل به لم يكن محل جدل، فهو أبرز أبناء جيله نجاحا فى مهنة الصحافة، من خلال رئاسته لتحرير معشوقته الأخبار أو مجلة الإذاعة والتليفزيون أو المصرى اليوم.. فى كل مكان ذهب إليه كانت له بصمة، وكان النجاح حليفه والأهم أنه ترك فى كل مكان أثرا إنسانيا، انعكس على ما رأيته فى جنازته التى اكتظت بمختلف الاتجاهات السياسية وتنوع الأجيال.
 حين جاورنى خلال جنازة والدى العام الماضى لم أندهش، هذه عادته، وهذا سلوكه الإنسانى الذى اعتدناه، الآن أتذكر اتصاله بى قبل يومين من وفاته، كان يتأكد من العنوان ليرسل لى كتابه الجدير بالقراءة «سنوات الخماسين»، والذى حرك مياها كثيرة منذ صدوره.. يتردد صوته فى أذنى وانا أترحم عليه، كانت المكالمة الأخيرة، والأغرب أن أدخل مكتبى بعد خبر الوفاة بساعات فأجد ظرفا عليه اسم ياسر رزق وداخله الكتاب، يستهله بكلمات طيبة على سبيل الإهداء، وكأنها كلمات الوداع.

من حق زوجته الكاتبة الكبيرة أمانى ضرغام وأولاده وأسرته وتلاميذه أن يترحموا عليه، ويحزنوا وإن كان من حقهم أيضا أن يفتخروا بما حققه فى بلاط صاحبة الجلالة لأنه من القلائل الذين جمعوا بين المهنية وحب الناس من خلال انتخابه فى مجلس نقابة الصحفيين، ويفخروا ايضا بموقفه الصارم ضد جماعة الاخوان الإرهابية الخائنة وهو شرف لكل من سلك هذا الطريق ، وأن يعتبروا حملة شماتتهم فى ميزان حسناته.. من حق كل المحبين لياسر رزق -قبل أن يستغرقوا فى الحزن-التفكير فى تخليد ذكراه بجوائز تحمل اسمه سواء فى نقابة الصحفيين أو مؤسسة أخبار اليوم،لأن فى مسيرته دروسا كثيرة، الأجيال الجديدة أحوج ما يكون إليها.

الباحث عن الحقيقة

بقلم: أحمد موسى

ياسر رزق الكاتب والصحفى الباحث عن الحقيقة خلال سنوات عمله فى بلاط صاحبة الجلالة ومدافعا شرسا عن حقوق الصحفيين، وقد تزاملنا فى عضوية مجلس نقابة الصحفيين لمدة ٤ سنوات بين ٢٠٠٣ وحتى ٢٠٠٧، كان حريصا على حضور كل الاجتماعات والمناقشات ويسجل مواقفه حتى لو كانت ستسبب له المشاكل وقد حدث فى بعضها وتمسك بما كان يصدر عنه، إنه ياسر رزق الكاتب والصحفى والفارس النبيل المدافع عن مصر وأهلها ..دعواتنا له بالرحمة والمغفرة .. كان قلمه لتوعية الناس وليس لخداعهم .. كانت كلماته دفاعا عن الدولة المصرية والحفاظ على هويتها . كان معينا للمظلومين والكادحين، ورفض ان يكون معينا أو داعما للظالم المستبد الجاسوس محمد مرسى وجماعته المجرمة...

منذ أن عرفت الراحل ياسر رزق قبل نحو ٢٥ عاما وهو يؤدى دورا عظيما فى خدمة وطنه، كان مشغولا بهموم مصر وصاحبة الجلالة ويبحث دوما عن المعلومة والخبر ويحقق الانفرادات لصحيفة الأخبار، انشغل بالوطن الأكبر وهو محرر عسكرى وحتى أصبح رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم العملاقة، ياسر رزق كان صحفيا متميزا ومهنيا رفيعا حمل على عاتقه مواجهة طيور الظلام من جماعة الإخوان الإرهابية وكل من خان مصر، كان يقول كلمة الحق فى كل مكان ولا يقول سوى ما هو مؤمن به.

كان ضيفى يومى ٤ و٥ يناير فى حوار مطول على يومين ليكشف أسرار وخفايا ما تضمنه كتابه المهم (سنوات الخماسين). ياسر رزق فى هاتين الحلقتين وبعد الانتهاء منهما قال لى: أفضل ما قدمت وشرحت ومنحتنى المساحة للحديث والشرح فوصلت رسالتى التى كنت أريدها، وأضاف: لقد أكتفيت بالحوار معك عن الكتاب ولن أظهر قريبا وسأترك الناس هى التى تتحدث عما دونته من شهادتى عن سنوات عشناها جميعا..
رحم الله الاخ والصديق الغالى ياسر رزق...

ياسر رزق.. وأمراض مهنة الصحافة

بقلم: عماد الدين حسين

غالبية الصحفيين الذين يخلصون لمهنتهم وعملهم ولديهم الشغف والجرى وراء الأخبار وكل ما هو جديد، قد يصابون بالأمراض التقليدية مثل الضغط والسكر حينما يقتربون من الخمسين.

لكن ياسر رزق وبسبب إهماله الشديد فى حق نفسه بدأ يصاب بهذه الأمراض مبكرا وقبل حتى أن يبلغ الأربعين.
ياسر كان يعانى من الضغط والسكر ومشاكل عديدة فى القلب، إلى أن أصيب بالمرض اللعين فى رئتيه قبل حوالى ٦ سنوات، وذهب إلى فرنسا لإجراء عملية دقيقة نجحت إلى حد كبير فى تخفيف الألم بعد ازالة ثلاثة ارباع الرئة اليسرى وثلاثة من اضلاع الكتف.

ياسر كان مدخنا شرها بشكل لا يمكن تصديقه،خصوصا لشخص لديه هذه الأمراض. والأسوأ أنه لم يكن يتناول الأكل الصحى إلا قليلا حينما يعود لبيته.
والصورة الراسخة فى ذهنى عندما كنت أزوره فى مكتبه هى الأكلات السريعة والمياه الغازية والسجائر.
حينما أجرى ياسر عملية إزالة الورم فى فرنسا وافق على التوقف عن التدخين على مضض لكن فجأة وقبل شهور عاد إلى التدخين مرة أخرى وبصورة أكثر شراهة.

تحدثت معه عشرات المرات، منها مرتان بحضور على خير، والموضوع الأساسى هو ضرورة أن يتوقف عن التدخين، وإلا فإنه كمن يحاول الانتحار.
وأعرف أن عشرات من أصدقائه المخلصين فعلوا ذلك، وحاولوا، لكننا فشلنا جميعا بسبب إصراره، وذات مرة قال لى بلغة لم أعهدها فيه: «خلاص أنا تعبت».

فى تقديرى أن أى شخص يفترض أن يفعل المستحيل للحفاظ على صحته، حتى يستمتع بحياته، لكن بعض الأصدقاء المشتركين قالوا لى إن السيجارة ربما كانت آخر بعض المتع القليلة فى حياته، رغم أنها أداة قتل مع سبق الإصرار والترصد.
كان ياسر صحفيا مبدعا وصنايعى من الدرجة الأولى ومهموما بمعرفة الجديد طوال الوقت. المشكلة لدى الكثيرين منا، أنهم يربطون بين الشخص ومدى توافقه مع قناعاتهم الشخصية، وبالتالى فكل المختلفين مع ياسر رزق فى مواقعه السياسية لا يدركون أنه كان صحفيا موهوبا وصنايعى وأسطى بجد ومعجون بحب المهنة، لكن للأسف الشديد فإن هذه الموهبة الفذة قضى عليها إهمال ياسر المستمر فى عدم الاهتمام بصحته. وبالتالى وعندما يكون لديك موهبة خارقة، فقد لا يمكنك ان تستغلها جيدا بسبب تدهور الصحة.

آخر مرة قابلت ياسر رزق كانت ظهر يوم الإثنين قبل الماضى أمام مسجد فاطمة الشربتلى بالتجمع الخامس للمشاركة فى تشييع جثمان المهندس شادى عبدالمنعم سعيد. كانت معه زوجته الكاتبة الصحفية أمانى ضرغام.واعتذرت له عن عدم حضورى لحفل توقيع كتابه «سنوات الخماسين» لسفرى للخارج وقتها. وقلت له اتقِ الله فى صحتك، لأنه كاد أن يقع أكثر من مرة خلال حضوره منتدى الشباب الأخير فى شرم الشيخ، فى الفندق الذى كان يقيم فيه.
وحينما رأيناه فى اليوم التالى كان التعب باديا على وجهه.
أما آخر ما رأيته من ياسر رزق فهو مشهد لافت حيث ابدى غضبه من بعض المصورين الذين يصرون على تصوير أسرة الدكتور عبدالمنعم سعيد لدى خروجها من المسجد.

هو قال لهم بصوت عال بحضور زملاء آخرين منهم علاء ثابت: «انتم بتعلمونا صحافة جديدة منعرفهاش»!!!.
مات ياسر ورحل عنا لأن هذا قدر الله وكلنا ذاهبون. لكن الدرس الأبرز من وفاته لكل الزملاء العاملين فى هذه المهنة: اهتموا بصحتكم مثلما تهتمون بمهنتكم!
أعزى نفسى وجميع الأصدقاء وأسرة ياسر الصغيرة وأسرة «اخبار اليوم» وكل محبيه وعارفى فضله.

انتهت المسيرة وبقيت السيرة العطرة

بقلم: محمد على خير

(عمرى ورائى والباقى لى منه لا يذكر) هكذا قال لى ياسر رزق أثناء زيارتى له فى منزله برفقة ثالثنا عماد الدين حسين، كان رزق عائدا لتوه من الخارج بعد إجراء عملية جراحية كبرى بعد إصابة رئته بالمرض الخبيث.. يكتبون دوما عن الراحلين كأنهم ليسوا بشرا بل ملائكة، هكذا انطباعاتى عن كلمات الرثاء لكن المفارقة أن ياسر رزق هو هكذا، فلم يغتب أحدا أمامى وكان حسن الظن بكل الناس، ساعد كثيرين وخذله كثيرون.

الدراما فى قصة حياة ياسر كثيرة، كنا طلابا صغار السن بالمدينة الجامعية وكان ياسر يشاركنا السهر بعد العودة من التدريب فى مؤسسة أخبار اليوم العريقة، وجدناه يشكو دائما من معدته وكانت بداية متاعبه الصحية، التى زادت بعدها بأمراض كثيرة مثل إصابته بمرض السكرى ثم أعقبته الأزمات القلبية التى اجبرت قلبه على تركيب 8 دعامات وكان مسك ختام أمراضه اصابته بسرطان الرئة بسبب شراهته فى التدخين.. تمتع ياسر بحب كثيرين لنقاء سريرته وطيب قلبه لكن من سبقونا قالوا إذا لم تجد لك عدوا واحدا فى حياتك فاعلم انك فاشل، لكن ياسر رزق كان ناجحا بامتياز، منذ صغره كان مولعا بالعمل الصحفى وبالمهنة والسهر فى الجريدة بشكل دائم. احترق بلهيب المهنة وأحرقته دهاليزها.

هو النقابى المتميز الذى حملته أصوات الجمعية العمومية ثلاث دورات كاملة إلى مجلس نقابة الصحفيين لمدة 12 سنة متواصلة وكان له دوره البارز خلال هذه السنوات.. هو الكاتب المتميز بكتاباته السياسية التى يعتمد فيها على المعلومات وغزاراتها، كما أنه من خلال مقالاته كان يستشرف المستقبل فى قضايا متعددة، ورغم انه يكتب ويرأس صحيفة قومية الا انه كان منفتحا على كافة القوى السياسية بل انه استكتب كثيرين من أصحاب الرأى المختلف مع بعض التوجهات العامة للدولة، لذا حظى رزق باحترام الجميع.. فى صلاة الجنازة على جسده الضعيف، وجدت حضورا  وتنوعا من كافة المؤسسات الصحفية، تقريبا كانت جميعها ممثلة فى الجنازة، تعبيرا عن محبة كبيرة اكتسبها ياسر رزق على مدار سنوات طويلة من عمله الصحفى.

التقيت ياسر مع عماد الدين حسين فى المنتدى الدولى للشباب الذى انعقد مؤخرا فى مدينة شرم الشيخ، ولاحظنا شحوب وجهه وقلنا له وجهك مرهق جدا يا ياسر، فاجأنا انه لم ينم طوال ليلتين بسبب إصابة والدته الفاضلة بجلطة فى المخ وانه قلق على صحتها، لا نعرف الان حال هذه الأم إذا علمت بوفاة فلذة كبدها وابنها البكرى.

عاد ياسر رزق من شرم الشيخ واطمأن على والدته ثم دعانا إلى حفل توقيع كتابه (سنوات الخماسين) فى دار الأوبرا المصرية وكانت الندوة التى سبقت رحيله بعدة أيام بمثابة الوداع الجماهيرى والصحفى له.. عندما تمر فوق كوبرى أكتوبر سوف ترى بعض لافتات الدعاية لكتاب ياسر الأخير، تشعر الان ان متابعة ياسر الصحفية والإعلامية قبل وفاته وبكثافة كانت نذيرا بقرب رحيل هذا القلب الطيب الذى لم يحمل حقدا لأحد.

فى أحد مؤتمرات الشباب التى عقدت بمحافظة الإسماعيلية منذ أربع سنوات، اتفقنا ثلاثتنا (ياسر وعماد الدين حسين وكاتب هذه السطور) أن نقيم معا فى شقة فندقية وبالفعل وفرت لنا إدارة الفندق هذه الشقة، وجلسنا عدة أيام سويا نستعيد فيها ذكريات كثيرة.. حدثنا ياسر رزق فى هذه الأيام عن أحلامه ومستقبله المهنى الذى يخطط له وكان حاضرا فى ذهنه ضرورة تسجيل تاريخ مصر الذى عايشه فى ثورتين (يناير ويونيو) وبالمناسبة فقد جهز ياسر ثلاثة كتب للطباعة وبدأها بالجزء الأول سنوات الخماسين الذى جرى طرحه مؤخرا.

ياسر رزق كان مقتنعا بكل ما يكتبه وعندما يكتب مؤيدا للدولة المصرية وداعما لها فتلك قناعاته، وعندما يكتب عن الجيش المصرى العظيم فذلك من واقع خبراته كمراسل عسكرى منذ 35سنة، وعندما يكتب مؤيدا لدولة يونيو ورئيسها فإنه يكتب عن اقتناع تام.

سيبقى ياسر رزق خالدا كمعنى لقيم الوفاء والنبل والشهامة وإذا كانت المسيرة قد انتهت (لأن كل نفس ذائقة الموت) لكن سيرته الطيبة العطرة ستبقى.
رحم الله صديق العمر والأخ الوفى ياسر فتحى رزق سليمان، اللهم نسألك أن تسكن عبدك ياسر الجنة فى عليين وأن تنزل سكينتك على قلوب محبيه، أما الزوجة المكلومة الأخت الفاضلة الأستاذة أمانى ضرغام زوجة الراحل الكبير فإننا ندعو الله أن يلهمها الصبر وأن تكمل اصدار بقية مؤلفات ياسر رزق وأن تثق اننا كلنا اخوة لها.
وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان..

أكان لابد أن ترحل الآن يا أستاذ؟

بقلم: محمد الباز

لا نملك من أمرنا شيئا، هذا هو قدرنا الذى لا يمكننا أن نفر منه إلا إليه، لكن ولأن فى النفس شيئا دائما، فإننا نسأل السؤال الذى نتمنى أن يتجاوز الله عنا ونحن نفكر فيه ونطرحه، دون أن نعلم إجابته.
لكن ماذا نفعل فى الأرواح المرهقة والعقول المثقلة والنفوس الحائرة؟
ماذا نفعل فى وجع فراق من نحب... وألم بعاد من نألفهم ويألفوننا؟
«ياسر رزق مات».
ثلاث كلمات بسيطة وسهلة على اللسان، لكن المعنى أكبر من أن تحمله الجبال، فمن يقدر على استيعاب غياب من كان يحلم فى الحياة وكأنه سيعيش أبدًا.
قبل أيام من رحيله كنت أشاغبه على هامش صدور كتابه «سنوات الخماسين».
سألنى: هل قرأت؟
قلت له: أنا ما زلت فى انتظار ما حجبته، وهو كثير، ابتسم، وقال: فى الأجزاء القادمة إن شاء الله.
لم يكن ياسر رزق يتخيل أبدًا أن تنزل كلمة النهاية على خشبة مسرحه التى يقف عليها قبل أن ينتهى الدور الذى اختاره لنفسه.
لكن من قال إننا نختار أدوارنا فى الحياة؟
ومن يدرى فى أى وقت يمكن أن ينتهى الدور؟
كان ياسر مغرما بالسؤال، لا يكف عن طرحه، ولا يهمد إلا بعد أن يحصل على الإجابات التى يريدها، فهل كانت لديه القدرة على أن يستوقف موته قبل أن يحاصره، ويسأله: لماذا الآن؟
أغلب الظن أن ياسر حاول أن يفعلها، لكن خانه جسده الذى حاول لسنوات استجداءه ليصمد.
ظل ياسر رزق حتى اللحظة الأخيرة مخلصا لما يعتقد أنه صحيح وحق، والحق الكامل بالنسبة له كان أن الجمهورية الجديدة هى ثمرة كفاح شعب لا يخضع ولا يذل جبهته إلا لله وحده، ويجب أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ عليه وعدم التفريط فيه، فالخسارة ستكون للجميع، وساعتها سيضيع الجميع.
اختار ياسر رزق الطريق الصعب.
كان سهلا عليه أن يسير فى الطرق الممهدة، أن يكتب كلاما إنشائيا عذبا منمقا، ينساه من يقرأه بمجرد الانتهاء منه، لكنه اختار دور المناضل بالمعلومة التى يقف أمامها الجميع مكتوفى الأيدى، لا يستطيعون ردا ولا صداى، وهو ما جعله هدفا للنيل منه من خصوم الوطن، الذين أدركوا خطره وقدرته على تعريتهم.
لم تكن لدى ياسر رزق حسابات فى عمله من أجل الدفاع عن الوطن، كان مندفعا لخوض المعارك مهما كانت معقدة ومحتدمة، وكان يعرف أنه حتما سينتصر، لأن الحق معه، كانت الرؤية لديه واضحة تماما، فلم تزل قدمه ولو خطوة، وهو ما جعله مرشدا لكثيرين من الأجيال الصحفية الذين قرأوا على صفحاته وبين سطوره ما لم يجدوه عند غيره.
لا ينفع الكلام المعتاد فى رثاء ياسر، لن يفيده أو يفيدنا أن نقول إنه سيظل حيا بيننا بمقالاته وكتبه وما تركه خلفه من ذكريات يحمل كل منا بعضا منها، فلدى كل واحد فينا ذكريات وحوارات معه، فالحقيقة الوحيدة التى تثقل كاهلنا أنه مات، لم يعد بيننا، رحل ومعه أسراره وحكاياته، فرغم أنه لم يكن يبخل بالحديث بما عنده، إلا إنه كان شاهدا على كثير مما جرى ولم يفصح عنه، وأعتقد أن أجزاء كتابه « سنوات الخماسين» التى لم يمهله القدر ليتمها، كانت ستمدنا بالكثير مما لا نعرفه.
سألته عن الجزء الثانى من الكتاب، فقال إنه انتهى من وضع خطوطه العريضة، وكان مخصصا لمعركة استرداد الدولة، وما جرى من الإخوان للتسلل من جديد، وهو ما وقف أمامه الجيش بقوة، ولم يسمح به، فقد كان ياسر حاضرا وقريبا مما جرى.
الجزء الثالث كان مخصصا لمرحلة بناء الدولة بعد استردادها، وكانت لديه شهادة مهمة على القرارات الشجاعة والجريئة التى لم يتردد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اصدارها.

حكى لى ياسر أنه عندما كان يجرى حوارا مع الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى جوار رئيسى تحرير الأهرام والجمهورية، انتبه الى أن الرئيس يلمح الى قرار الاصلاح الاقتصادى، وبعد الحوار سأله على الهامش: هل قررت يا فندم؟ فنظر إليه الرئيس نظرة الواثق بأن نعم، أبدى ياسر تخوفه من رد فعل الناس، لكن الرئيس قال له: أنا أثق فى الناس أكثر منكم... لأنى أعرفهم أكثر منكم.
كان يمكن لأقدار ياسر أن تمهله قليلا ليكمل ما بدأه، لكنها إرادة الله التى لا راد لها ولا معقب عليها، لكنه طمعنا فى كرم الله ما يجعلنا نقول ذلك، عشمنا فى وجهه الكريم ما يدفعنا لأن نتمنى ما لم يحدث... وما كان له أن يحدث، فالأمر كله لله.
المشهد الأخير يا ياسر كان صعبا علينا جميعا.
فهل كان من يرقد فى نعشه بلا حراك هو أنت؟

أنت الذى لم تكن تكف عن الحركة والعمل والحديث والنقاش بحماس نحسدك عليه جميعا.
أنت الذى كنت فى عون الجميع تصمت ولا تستطيع أن ترد تحية من جاءوا لوداعك.
لم نتعود منك يا ياسر على ذلك.
أنت من كنت تحلم بلا حدود وتفكر بلا حدود وتكتب بلا حدود... هل أصبحت هذه حدودك يا أخى؟
رحمك الله يا ياسر بقدر شرفك ونبلك ووطنيتك وإخلاصك لما ولمن تحب... وليس لنا إلا أن نسأل الله أن يلهمنا القدرة على الصبر.

رحل بطل من أبطال ٣٠ يونيو.. وبقيت أعماله الوداع يا جورنالجى شارع الصحافة

بقلم: خالد أبوبكر

قبل مواجهة الإخوان بثورة ٣٠ يونيو كان الإعلام المصرى فى المواجهة (وده تاريخ لا يمكن لأحد أن يغيره).
هذه المواجهة لها طبيعة خاصة.. وهى متفردة بالنسبة للإعلاميين لأن وجوههم معروفة وهم من قاموا بكشف كل سلبيات حكم الإخوان ومواجهتهم بقوة وأصبح هناك ثأر بين كل من كان على الشاشة فى ٣٠ يونيو أو كان كاتبًا أو صحفيًّا عاصر الأحداث وبين تنظيم الإخوان الإرهابي.
ويتحمل إعلاميو ٣٠ يونيو حتى اليوم خطورة اغتيالهم، أو الاعتداء عليهم فى أى عاصمة من عواصم العالم إلى جانب تعرضهم للسب والقذف لحظيًّا من أبواق تيار الإخوان الإرهابى.

ويمكن أن تكون مسئولًا كبيرًا فى وقت ثورة ٣٠ يونيو كنت فى الصفوف الثانية، وقمت بدور رائع ووطنى.
لكن ما يميز دور الإعلامى عن دورك أنك تستطيع التجول فى شوارع العالم دون أن يعرفك أحد وإنه بالبحث عن اسمك فى السوشيال ميديا لن نجد سبًّا ولا قذفًا يشاهده أولادك يوميًّا.. هى أقدار كل فريق يواجهها فى خدمة الوطن..

أما هذا القائد فى كتيبة الإعلام المصرى «ياسر رزق» فقد رحل بجسده لكنه ترك لأسرته وأولاده تاريخًا كبيرًا ورائعًا.
ولأن الله يحب ياسر فقد كان لتوقيت الرحيل تكريمًا له.. وهو يحتفل بنجاح كتابه (سنوات الخماسين)، وهو الذى يحكى عن الفترة من يناير إلى يونيو، وهى الفترة التى تألق فيها «ياسر رزق» بل إنه كان جزءًا رئيسيًّا فى الأحداث.
وشاءت الأقدار أن تنتشر صور «ياسر رزق» على إعلانات الشوارع احتفالًا بكتابه، وهى المرة الأولى -فى اعتقادى- أن تنتشر صور لكاتب صحفى فى الشوارع بهذا الشكل، لأنه أصدر كتابًا جديدًا.

وأما عن «ياسر رزق» الإنسان فقد رأى الموت قبل ذلك مرة، أو مرتين بسبب الحالة الصحية وكثير من أصدقائه يعلمون أنه مدخن بشكل كبير جدًا.
وعندما مرت به الأزمة الأولى قال لى وكنا فى زيارة للإمارات إنه مستحيل أن يرجع للتدخين ثانية، وإنه استغنى عن السجائر تمامًا وإنه دائمًا معه نعناع فى جيبه يمضغه كى لا يعود للسجائر، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات.. إلا أننا التقينا منذ شهرين وفوجئت به يدخن وكانت بالنسبة لى مفاجأة كبيرة.. وسألته إذا كانت زوجته الكاتبة الصحفية «أمانى ضرغام» تعلم أنه عاد للتدخين؟ وقُلتُ له أنا هتصل بِها عشان الموضوع ده.. مش هينفع يا ياسر.
والأسبوع قبل الماضى وجدته يرسل لى كتابه الأخير مع إهداء على صفحته الأولى.

ووجدته حاضرًا على الشاشات يشرح ويحتفل بردة فعل كتابه، فرحت من قلبى كثيرًا؛ أولًا- لأن «ياسر رزق» الصحفى لا يجب أن يغيب عن المشهد.
وثانيًا- أننى تأكدت أنه بصحةٍ جيدةٍ.. ولم أكن أعلم أنه يستعد لإجراء عملية جراحية.
و«ياسر رزق» الصحفى تستطيع أن تؤكد بكل موضوعية أنه واحد من أهم الصحفيين الذين أنجبتهم مصر والوطن العربى.
سافرنا كثيرًا معًا مؤتمرات، وندوات، وتغطيات لزيارات السيد الرئيس.

ودائمًا هناك معلومات عند الصحفى «ياسر رزق» إما عن الماضى أو عن الحاضر، وهو ظل صحفيًّا حتى نَفَسَهُ الأخير، حتى وهو رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة.
اذكر كنا فى (داڤوس) بسويسرا منذ سنوات فى انتظار وصول السيد الرئيس إلى المنتدى الأهم فى العالم وكانت الساعة الثانية صباحًا.. وفجأة انطوى ياسر جانبًا وعاد ويداه كلها حبر! قُلتُ له ما الذى عمل فيك كده؟
قال لى كنت بكتب للجورنال ومتعود أكتب بالقلم «ما بعرفش» أكتب على الموبايل، وبحب رائحة الحبر.
و«ياسر رزق» من مدرسة الصحفيين الذين يمكن أن يدعوهم أهل السلطة كى يوصلوا رسائل أو يحضروا اجتماعات أو يتشاوروا معهم وهذه المكانة لا تتوافر لكثير من الصحفيين والإعلاميين.

وقد كان كذلك مع عدد كبير من المسئولين المصريين، وأتخيل أن هناك الكثير من الأدوار التى لا يعرفها الكثيرون والتى قام بها «ياسر رزق» لوطنه ولم تعلن.. وأتمنى يومًا أن تنشر.
أما بعد خبر وفاته فقد كان طبيعيًّا جدًا أن يقول الإخوان هلك «ياسر رزق» ولا يترحمون عليه، واعتقد أن هذه الكلمة وسام على صدر أسرته لأنه كان لهم بالمرصاد واستطاع بقلمه أن يحمى بلده من شرورهم الإرهابية.
وعلى الجانب الآخر المضيء ردت الدولة المصرية ببيانات رسمية بالعزاء والإشادة بسيرة فقيد الصحافة بيانات عن البرلمان ومجلس الشيوخ ومجلس الوزراء والقوات المسلحة، ووزارة الخارجية وكل أجهزة الدولة.
رحم الله الصديق والأخ «ياسر رزق»، وهنيئًا لأسرته هذا التاريخ العريق، وهذا الوداع المشرف
رغم الحزن والألم الشديد.

العملاق الذى لم يرحل

بقلم: نشأت الديهى

آخر حبات العِقد الفريد الذى كان يزين صدر صاحبة الجلالة، قائد ومقاتل سلاحه القلم ومداده الوعى والصدق والإخلاص، هو شهيد الصحافة الذى اعتلى منبر الكلمة منذ سنين العمر المبكرة وصال وجال ووصل الى آفاق لم يصلها الا القليلون من أبناء مهنتنا النبيلة، لقد رحل «ياسر رزق» عن الدنيا بما فيها ومن فيها وترك خلفه الكثير من القيم الوطنية والمواقف الانسانية التى تترجم حالة نادرة من النبل الانسانى، ترجل الفارس وهو يحمل قلمه النازف بمداد الوعى، كان يكتب بما يؤمن به ويؤمن بما يكتبه، لم يخن ولم يبتز ولم يزايد ولم يتراجع ولم يخف ولم يداهن ولم يتوقف أبدًا عن حب مصر وعشق ترابها والفخر بجيشها والتغنى بانجازاتها حتى وهو فى أسوأ حالاته النفسية، وكلما كتب أو تكلم ملأ الدنيا صخبا وضجيجا وجدلا واتفاقا واختلافا وحرك المياه الراكدة، وبعد كل هذا تركنا ورحل ليرقد فى هدوء بعد حياة حافلة بالضجيج والقلق والتحديات، لم يعش ياسر رزق كثيرا لكنه حتما سيعيش بعد موته أكثر فى قلوب الجميع، آخر مرة التقيته يوم الأحد الماضى بعد استضافتى له فى برنامج المشهد وطلبت منه أن نلتقى مع مجموعة الأصدقاء للاحتفال بصدور كتابه «سنوات الخماسين» فقال لى حرفا «بعد ما تطمن عليا يوم الخميس نشوف» وفعلا جاء يوم الخميس فذهبنا لندفن جثمانه تحت الرمال ونتركه ونذهب مرة أخرى الى الدنيا بزيفها وزخرفها الكاذب، إنه الموت، عنيف أنت يا موت فما أقساك على الروح وما أصعبك على القلب، كل يوم نسمع عن فقيد جديد كان بيننا ملء السمع والبصر، يعترينا الحزن ويتملكنا الألم فتتساقط دموع القلب ونبدأ فى استدعاء مخزون الذكريات لنطالع ألبوم الحياة، كثير من التعب والضيق والقلق والخوف وقليل من الراحة والسعادة والهدوء والاطمئنان، نلهو وتلهو بنا الحياة ونحمل فى قلوبنا حبا غير قابل للتداول والبوح إلا بعد رحيل من نحبهم وكأنها وثيقة تأمين لا يستفيد منها إلا الورثة، رحل ياسر رزق، كنت أعلم أنه سيرحل لكن ليس بهذه السرعة، رحيله كسر القلب وزلزل الروح، أشهد له بالإنسانية والرجولة والوطنية والإخلاص أما كفاحه ونضاله فى بلاط صاحبة الجلالة فلا يحتاج الى شهادة من أحد، لكن المحزن المبكى والذى تأثرت به بشدة كان شماتة الحمقى والمنافقين والكائنات الرخوة من أهل الباطل وأولاد الحرام والمرتزقة، برحيل ياسر الذى سبقه وائل الابراشى وإبراهيم حجازى أشعر بمرارة مضاعفة كما العلقم، برحيل كل واحد من الزملاء والاصدقاء نودع بعضاً منا.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة