فيلم برا المنهج
فيلم برا المنهج


فيلم برا المنهج .. وبرا السينما

أخبار النجوم

الأحد، 30 يناير 2022 - 01:41 م

محمد كمال

أعمال كثيرة اعتمدت على فكرة العودة للماضي في فترات سابقة جزء منها نجح في توظيف الماضي لخلق أعمال شديدة الخصوصية حول تلك الفترات، لكن الجزء الأكبر كان بهدف الكوميديا، وهناك جزء يجمع بين الأمرين يستغل «النوستالجيا» لإنجاز عمل مقبول ومرضي، ومن أهم الأمثلة في هذا الجزء هو فيلم «سمير وشهير وبهير»، الذي عاد لمرحلة السبعينيات في إطار كوميدي مربوط بحبكة جيدة، وهنا يجدر بنا أن نسأل «هل تكفي النوستالجيا لصنع فيلم جيد؟».

المؤلف والمخرج عمرو سلامة من أكثر المهتمين بفكرة «النوستالجيا» في أعماله، بداية من «أسماء» و«لا مؤاخذة» والتأكيد في «شيخ جاكسون» ومن بعده تجربة «ما وراء الطبيعة» التي تحمل ذكريات جيل كامل، ومؤخرا أحدث أفلامه «برا المنهج»، لكن أزمة سلامة تكمن في الإجابة على السؤال نفسه «هل وجود هذا الحنين للماضي يكفي لصنع عملا متماسكا؟».

تتجسد أزمة أعمال سلامة بشكل كبير في أحدث مسلسل قدمه، وهو «بيمبو»، رغم أن الأحداث في الزمن الحاضر لكن تفاصيل الحبكة نفسها بها «نوستالجيا» لفترة التسعينيات، سواء على مستوى الأسماء أو الأغنيات أو الملابس، لكن تلك «النوستالجيا» لم تضيف شيئا مهما للعمل ككل، وظهرت كأنها إطار عام لم يفيد.

في «برا المنهج» يستمر سلامة في «نوستالجيته المنقوصة»، ويعود إلى الثمانينيات من خلال الطالب «نور»، أو كما يلقبه زملائه في الفصل بـ«عماشة»، لضعف نظره، وهو الطالب ضعيف الشخصية الذي ينهره زملائه ويضطر للكذب دائما حتى يخفي ضعف شخصيته، وحتى تأتي له الفرصة عندما يعقد اتفاق مع «الشبح» الذي يسكن في المنزل المهجور أمام المدرسة، وبالطبع قصة الشبح تعتبر من ضمن الحكايات الفلكلورية الشعبية التي تنتشر في الريف المصري.

تأخذ العلاقة بين «نور» وهذا الشبح الملقب بـ«المراكبي» إطارا تصاعديا في تمهيد طويل مبالغ فيه لتطور شكل هذه العلاقة التي أثرت في شخصية «نور» حول فكرة الكذب كعادة متأصلة في المجتمع المصري، أو فكرة الحقيقة المنقوصة على مستوى التاريخ عن طريق جملتين «جوا المنهج» و«برا المنهج»، لتجسيد مقولة «التاريخ يكتبه المنتصرين».

لهذا الطلاب منذ الصغر يرتبطون بوقائع تاريخية حصلوا عليها من المنهج على أنها حقائق ثابتة لا تقبل التغيير، وفي مجتمعاتنا العربية لا تقبل المناقشة، لكن على مستوى الواقع الأزمة ليست في معلومات المناهج فقط، بل يتحملها المتلقي نفسه، فنحن شعوب غير قارئة ونميل إلى استسهال تلقي المعلومات، ولدينا ثقة عمياء في مصادرها القليلة، رغم أن مساحة البحث والتدقيق ومعرفة الرؤية كاملة أو حتى شبه كاملة مفتوح على مصرعيه، لكننا لا ننظر إلا لما هم متاح فقط، وهي ضمن أزمات الفيلم نفسه، حيث المعالجة المنقوصة التي ارتكزت على «شوية» معلومات سواء داخل المنهج أو خارجه، مع أن الفكرة نفسها أعمق وأشمل بكثير. 

بمرور الأحداث نكتشف أن «المراكبي» هو الإعلامي السابق «أحمد وحيد»، المعروف واقعيا باسم «أحمد سعيد»، والملقب بـ«مذيع النكسة»، ومؤسس إذاعة «صوت العرب»، وصاحب الصوت الذي أطلق البيانات الرسمية المزيفة أثناء هزيمة يونيو 1967، و«أحمد وحيد» في الفيلم اختار أن يتحول إلى شبح بعد أن كشف كذبه لجميع المصريين، وبدأ هو نفسه في سرد حكايات تاريخية من «برا المنهج» للطفل «نور» حول فكرة المغالطات التاريخية في المناهج، أو أن تلك المناهج لا تقدم الحقيقة كاملة، أنه أيضا شخص لجأ للكذب حتى وأن لم يكن صاحب المسئولية الأساسية، ويحسب لسلامة اختيار تلك الشخصية لتقديم تفاصيلها دراميا، لكن كالمعتاد جاءت الدراما منقوصة وغير مكتملة.

في جملة رددها «المراكبي - ماجد الكدواني» عدة مرات «تعالى احكيلك الحكاية اللي بره المنهج»، تأتي على غرار عبارات أخرى ظهرت في أعمال مصرية سابقة، حيث أنها جمل تدل على أن بعدها تأتي قصة أو حكاية طريفة على سبيل المثال «وأنا ماشي في العراق لقيت جثة» ليحيى الفخراني، أو «ما تيجوا نشوف» لإبراهيم نصر، أو «واحد صاحبي متعرفوش» لسمير صبري، أو «بعد ما أحكيلكم حكاية الفيل هقولكم قصة المدب» لجورج سيدهم.. ارتبطت تلك العبارات النجوم في أعمالهم والتي بدورها انتقلت لواقعنا اليومي، وكان يمكن أن تصبح مقولة «المراكبي» الجديدة ضمن قائمة الكلاسيكيات، لكنها في فيلم «برا المنهج» واجهت 3 أزمات على المستوى الدرامي، الأول الاستطراد والتطويل في التمهيد لعلاقة «نور» و«المراكبي» التي وضعت حاجزا كبيرا بين الفيلم والمشاهد بعد اكتشاف التفاصيل الخاصة بشخصية «المراكبي».

الأزمة الثانية عدم إبراز تلك الحكايات ووضعها في إطار موازي ليكون متسقا مع حياة الطفل «نور»، فارتباط تلك الحكايات بـ«نور» ظهرت بشكل سطحي ومقحم في الأحداث، أما الأزمة الثالثة فهي ضعف تلك الحكايات نفسها التي من المفترض أنها تكشف ما جاء «برا المنهج» على غرار حكايات «عباس الدميري» بعد جملة «وأنا ماشي في العراق لقيت جثة»، أو «واحد صاحبي متعرفوش» لـ«سامي» الذي كان يسرد حكاية كوميدية لصديقه، أو حتى حكايات المعلق «الكابتن ظريف» مع الفيل والمدب والترل، فالثلاث حكايات التي سردها «المراكبي» لـ«نور»، واعتمدت على حكايات لإخناتون وصلاح الدين الأيوبي وعمر مكرم، ظهرت أيضا بشكل هزلي به استخفاف يجعل المتلقي نفسه يتمسك بالحكايات التي «داخل المنهج»، لتبتعد تلك الحكايات بالفيلم كثيرا، وتجعله «خارج المنهج»، وخارج مناهج السينما أيضا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة