عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

ضوء يحيى!

عمرو الديب

الأحد، 30 يناير 2022 - 07:22 م

عاش مرهفًا متئد الخطى كهؤلاء الذين يمشون على الأرض هونًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا.. دمث إلى حد مذهل، خفيض الصوت إلى درجة الهمس، تشعر بأنه يخشى أن يسبب إزعاجًا لأى كائن حتى إذا كان عصفورًا يلتقط الحب من الطريق، فهو يساءل نفسه لما أروعه بخطو ثقيل أحمق، أو ضجيج سير أخرق، أو صوت جهير أرعن، بدا كبلسم يحاول أن يربت على الجروح كى تتخفف من آلامها وأن يمس الكلوم الموجعة بعذب كلماته الشفافة الشافية، ومثل هؤلاء تتقضى حياتهم الأرضية مهما طالت دونما ضجيج،  ولكن تأثيرهم فى محيطهم يظل منبعثًا ساريًا يهدهد الأجواء ويرطب الآفاق،

وكأنه موجات أثيرية تسرى من المثال الذى غاب شبحه وبقيت روحه مرفرفة فى الأعالى بأجنحة شبيهة بتلك التى تعرج بها الملائكة، وعلى الرغم من رقة التكوين فإن هؤلاء الأثيريين يمتلكون قوة هائلة فى مواجهة القبح، وجرأة عجيبة فى التصدى إلى الدمامة، مع أن ذلك النمط من البشر الأثيرى يذوب فى خجله، ويغرق فى حيائه،  وأديبنا الكبير الراحل يحيى حقى أحد هؤلاء البشر الأثيريين من ذوى التكوين الرقيق والحس المرهف واختياره كشخصية لمعرض الكتاب فى دورته الثالثة والخمسين التى انطلقت منذ أيام  خطوة موفقة، فحقى عاش مثالًا مجسدًا للأديب المنتمى إلى وطنه، لذا وهب عمره المديد لرسالته متعددة الجوانب،

وآمن بأن المبدع أوالمثقف بصفة عامة لابد أن يكون منتميًا، يتغيا مصلحة وطنه ويحرص على سلامة مجتمعه، ويعمل على تقدم أمته، وعلى كل مبدع أو مثقف أن يمنح نفسه لرسالته، وأن يتجرد من الأثرة والأنانية، ويخرج من ضيق الحسابات الشخصية إلى رحابة الدورالمخلص المتفانى لصالح المجموع،  لذا رأيناه مترفعًا لا يسعى إلى نيل الجوائز العالمية، ولا يبحث عن مناصب كما فعل ولايزال يفعل أدباء يكيفون حياتهم من أجل الحصول على جائزة عالمية تمنحهم وضعًا متباهيًا فوق ناسهم ومجتمعهم، فيحيى حقى الإنسان والمبدع عاش كنقيض لهؤلاء المشتاقين للجوائز الدولية، ولأنه أخلص لرسالته المنتمية ولمشروعه الإبداعى الملهم نال المجد والشهرة والمكانة معًا دون أن يلهث وراءها كما فعل البعض وحين أعلنت لجنة نوبل فوز أديب مصر العالمى حقًا نجيب محفوظ قال صاحب الثلاثية إن يحيى حقى هو من يستحقها عن جدارة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة