هشام مبارك
هشام مبارك


يوميات الأخبار

«حصلنا الرعب» يا أمريكا!

هشام مبارك

الإثنين، 31 يناير 2022 - 05:20 م

الجنون الحقيقى أن كل هذه الأضواء المخيفة تكون مظهرا للاحتفالات وغير المنطقى فعلا أن يكون للرعب عيد. ومع ذلك تقولون عنى إنى أنا المجنون؟

لصوص الحلوى!
يبدو أننى أصبحت على موعد مع الرعب فى كل زيارة أقوم بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فى المرة السابقة شرحت لكم بالتفصيل ما فعلته بى حشرة اسمها «السيكيدا» وهى أشبه بالجراد تظل تطن طوال الليل والنهار حيث من حظى وقتها أننى وصلت فى موسم التكاثر لها الذى يتكرر كل اثنى عشر عاما!، قليل البخت يجد السيكيدا فى واشنطن. هذه المرة كان الرعب أصليا وعلى كل شكل ولون. البداية عندنا لاحظت انتشار الدمى المرعبة أمام جميع البيوت، يتم ليلا تسليط الأضواء عليها بطريقة تزيدها رعبا. يتنافسون فى هذا الرعب ويقوم كل حى بإعلان اسم البيت الذى فاز بلقب بيت الرعب هذا العام!!. سألت: ولم كل هذا العذاب؟، قالوا: ويحك، إنه عيد الرعب يا رجل. تزور أمريكا ولا تعرف عيد الرعب، هل هذا منطقى، هل جننت يا رجل؟ تقمصت دور نجيب الريحانى فى أيقونة أعماله «غزل البنات» عندما عرف أن من ظنه الجناينى اتضح أنه الباشا، وأن من ظنه الباشا تبين أنه مسئول فقط عن سعادة الكلب، فقلت مندهشا: الجنون الحقيقى أن كل هذه الأضواء المخيفة تكون مظهرا للاحتفالات وغير المنطقى فعلا أن يكون للرعب عيد. ومع ذلك تقولون عنى إنى أنا المجنون؟

حتى الأطفال يخرجون بهم إلى الشوارع وهم يرتدون ملابس مرعبة ويضعون «ماسكات» لشخصيات كاريكاتيرية مرعبة مثل مصاصى الدماء وغيرها من الشخصيات الخيالية التى ابتكرتها السينما الأمريكية. ويخرج الأطفال فى ذلك اليوم بصحبة عائلاتهم فى كرنفالات احتفالية ضخمة تجوب الشوارع نهارا. والطريف أن القانون الأمريكى يمنع سهر الأطفال، لذا تجد الشباب هم أبطال الليل حيث يرتدون أيضا الملابس الغريبة والماسكات المرعبة ويطوفون الشوارع ليلا بدراجاتهم وهم يتبادلون مع المارة تحية: هاب هالوين!

حاولت أن أصل لأى حقيقة خاصة بهذا العيد الغريب والذى هو من الأيام القلائل التى تحصل فيه جميع الولايات المتحدة الأمريكية على إجازة رسمية بمعنى أنه عيد فيدرالى تحتفل به جميع الولايات وليس خاصا بولاية معينة. معظم الروايات تشير إلى أنه من الطقوس التى جاء بها المهاجرون من بريطانيا وأيرلندا حيث كانوا يعتقدون أنه فى اليوم الحادى والثلاثين من شهر أكتوبر يقوم فيه إله الموت العظيم ويسمى سامهاين باستدعاء جميع الأرواح الشريرة التى ماتت خلال العام ويعاقبها بأن يعيدها للحياة فى صورة حيوانات مرعبة! طبعا كانت تلك الفكرة تبث الرعب فى الناس فيجمعون الحطب ويشعلون النار وبالذات ليلا تحسبا لأى هجوم متوقع من تلك الحيوانات. وعلى الرغم من أن أوروبا كانت هى مصدر ذلك العيد إلا أنه مع الوقت خفتت نبرة الاحتفال به فى أوروبا واستمرت مشتعلة فى أمريكا. وإذا أردت أن تعرف السبب ففتش عن الاقتصاد. نعم يعد هذا اليوم من الأيام التى تنعش الاقتصاد الأمريكى بسبب الولع بشراء الملابس الغريبة وكذلك البالونات وأدوات الزينة، إضافة لأنواع معينة من الحلوى الخاصة بعيد الهالوين، ولك أن تتخيل حجم تلك المشتريات والتى قدرت عام ٢٠١٧ بحوالى ٩ مليارات دولار، وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع المبلغ سنويا بمقدار مليار دولار، هذا يعنى أنه لو استثنينا عام الكورونا يكون حجم المشتريات هذا العام ١٢ مليار دولار تقريبا فى أقل من ٢٤ ساعة. لذا يعتبرونه بالفعل عيدا اقتصاديا بحتا يحاولون إضفاء الصبغة الدينية عليه فقط لحث الناس على المشاركة والشراء. الغريب أن من طقوس ذلك اليوم قيام الآباء بسرقة الحلوى من الأبناء، يبدو أن الدافع اقتصادى أيضا وربما يكون لديهم وزير مالية بعقلية فذة مثل الدكتور محمد معيط وزير خزانتنا، اخترع هذه السرقة ووضعها كطقس أساسى من طقوس ذلك العيد حيث يقوم الأطفال بالشراء من الجديد ليقوم الآباء بالسرقة ثانية وهكذا حتى تنتعش خزانة الدكتور معيط الأمريكانى! وإذا كنا فى مصر نقول: رزق الهبل على المجانين، فلسان حالهم هنا يقول: رزق الأمريكان على الهالوين!

الخميس
يوم التطهير
الرعب الثانى كان بدايته منذ سنوات عندما شاهدت لأول مرة الفيلم الأمريكى «يوم التطهير»، فى الفيلم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية تخصيص يوم فى السنة يتم فيه تعطيل القانون تماما، ويكون من حق أى مواطن أن يفعل ما يشاء، يقتل من يشاء ويسرق ما يشاء. تم إطلاق يوم التطهير على هذه العملية حيث يعتبرونها تطهيرا للنفوس بإعطائها فرصة لتشفى غليلها بارتكاب ما تشاء من جرائم. وطبعا البقاء للأقوياء فقط حيث تبدأ عملية التطهير تلك من السابعة مساء وحتى السابعة من صباح اليوم التالى. أذكر وقتها من براعة التصوير وانفعالى مع الأحداث أننى تواصلت وأنا أشاهد الفيلم مع الصديق الإعلامى والإذاعى الكبير ضياء بخيت، ذلك المصرى الرائع الذى يشغل حاليا منصبا متميزا فى إذاعة صوت أمريكا. سألت ضياء عما لو كان يوم التطهير ذلك حقيقة يتم تطبيقها؟. ضحك ضياء وقتها وقال لى: مش للدرجة يا إتش. ضحكنا وقتها طويلا وقلت له الأمريكان مجانين ويعملوها.

طبعا الفيلم يستعرض الحرب السياسية والاقتصادية التى تدور بين الحزبين المتصارعين، وكيف تحول يوم التطهير إلى مجال لتحقيق رواج اقتصادى فى مبيعات السلاح للأفراد، ناهيك عن انتعاش مبيعات كاميرات المراقبة وأنظمة الحماية. حتى المرشحة السياسية التى كانت تتبنى القضاء على ظاهرة يوم التطهير تم التخلص منها.

بصراحة شديدة وعندما وصل ترامب المجنون للحكم توقعت أن مناقشة تطبيق أشياء شبيهة بيوم التطهير ليس مستبعدا فى ذلك المجتمع الغريب الذى يفتنك بهدوئه الظاهرى بينما وراء الأكمة ما وراءها من أفكار شاذة ليس لها هدف سوى ترسيخ تلك الرأسمالية البغيضة. وقد ذهب ترامب من حيث أتى لكن مخاوفى من يوم التطهير لم تذهب بعد!

السبت
دائرة الانتقام
الرعب الثالث الذى عشته هذه المرة كان سينمائيا بحتا، لم يكن مشهدا مرعبا فى أحد أفلام الإثارة والحركة وإنما كان فى ذلك الحادث المؤلم الذى حدث فى موقع تصوير أحد الأفلام فى ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، عندما كان النجم المعروف «إليك بالدوين» يمسك ببندقية استعدادا لتصوير أحد المشاهد فى فيلمه الجديد، وبمجرد أن صاح مخرج الفيلم بكلمة أكشن إيذانا ببدء تصوير المشهد أطلق الممثل الرصاص من البندقية كما يقول المشهد فخرجت عدة رصاصات قتلت مصورة الفيلم وأصابت المخرج بعدة جروح. مشهد حقيقى أكثر رعبا من أى مشهد خيالى. ذكرنى بمشهد مقتل الفنان إبراهيم خان.. على يد الفنان نور الشريف فى مشهد من فيلم»دائرة الانتقام» عندما خرج نور الشريف من السجن لينتقم من الثلاثة الأشقياء الذين غدروا به وتركوه وحده يتحمل مسئولية السرقة التى اشتركوا فيها بينما تنعموا هم بالغنيمة، وبعد أن قتل صلاح قابيل ويوسف شعبان جاء الدور على إبراهيم خان والذى تحول من لص لفنان كبير، وبينما هو يصور مشهدا كان فيه مهددا بالقتل ويصيح فيمن يحاول قتله قائلا: حرام عليك سيبنى أعيش، جاءت الرصاصة القاتلة من أمير الانتقام وراح المخرج يصفق لبراعة الممثل الذى طب بلا حراك.

لن أستطيع أن أتخيل مشاعر ذلك الممثل الأمريكى فى تلك اللحظة، فالمفروض كما نعلم أن أى نوعية من الرصاص الذى يستخدم لأغراض التصوير السينمائى يكون من النوع «الفشنك» فكيف حدث ذلك الخطأ القاتل، ولو كان المشهد عبارة عن مطاردة بين البطل ومجموعة من الأشخاص، فهل تتخيل حجم المذبحة التى كانت ستحدث فى تلك الحالة؟!أشعر بتعاطف كبير مع الرجل الذى لم يتم توجيه أى اتهام له بالطبع ولا أدرى إن كانت تلك الواقعة ستكتب نهايته كممثل، أم أنه يمكن أن يعود للبلاتوهات من جديد ليصور مشاهد ربما أكثر رعبا من ذلك المشهد الذى قتل المصورة وأصاب المخرج؟ وأخيرا هل كان المخرج الراحل سمير سيف وهو يقوم بإخراج دائرة الانتقام فى ١٩٧٦ يتخيل ولو من بعيد أن ذلك المشهد الذى ختم به فيلمه سيتكرر ولكن بشكل حقيقى وليس مجرد تمثيل؟!

الجمعة
المسدسات تحمى حياتنا
الرعب الرابع فى رحلة الرعب هذه عندما تلقيت دعوة من صديق أمريكى لزيارة معرض عن الأسلحة يقام تحت شعار «المسدسات تحمى حياتنا»!! فى البداية ظننته يمازحنى، لكنه أكد لى جديته. وفى الطريق حكى لى أن مثل تلك المعارض من أكثر المعارض التى يقبل عليها الأمريكيون وأنه شخصيا لا يفوته أى معرض منها ويشترى منها دائما كل احتياجاته من السلاح!! تعجبت أنه بدا كما لو كان يتكلم عن احتياجاته من السوبر ماركت مثلا أو من المخبز البلدى على ناصية شارعهم. سألته: ولماذا تحتاج أسلحة وأنت كما عهدتك منذ عرفتك شخصا طبيعيا مسالما لا تحب المشاكل، هل تحولت مؤخرا لرجل عصابات دون أن تخبرنى؟ قال ضاحكا: الموضوع هنا ليس له علاقة بمشاكل أو نزاعات ولكنها ثقافة أمريكانى يرعاها القانون الذى يعطى الحق لأى شخص أن يحمل سلاحا دون الحاجة لترخيص بذلك. قلت بئس ذلك القانون التعيس الذى يطلق السلاح فى يد الصغار قبل الكبار، ألم يسمع ذلك القانون بتلك الجرائم التى يرتكبها بالذات المراهقون؟، ألا تمتلئ صحفكم كل يوم بحوادث من تلك النوعية التى يطلق فيها تلميذ الرصاص على زملائه ومدرسيه؟
أذهلنى ما رأيت داخل المعرض من كمية الأسلحة المعروضة والإقبال الشديد عليها من جميع الأعمار، والغريب أن عددا كبيرا من العارضين أرادوا جذب الزبائن برفع شعار: ترامب هو رئيسى. كنت أشعر بالرعب كلما شاهدت مراهقا يتفقد المعرض، فيقينى أن ذلك المراهق ربما يكون غدا صاحب القصة الخبرية الأولى فى الصحف والبرامج بعد أن يفرغ رصاص هذا السلاح فى أصدقائه أو عائلته. أوشكت أن أقول لأحدهم: بلاش، بعد أن رأيته يتجه للخزينة لسداد المبلغ، لكن صديقى منعنى قائلا: إياك أن تفعل يا مجنون، ربما لو فعلت يطلب لك ذلك الشاب البوليس وتدخل فى سين وجيم، ثم سحبنى من يدى وغادرنا المكان وهو يضحك متخيلا رد فعل الولد لو تقدمت منه ناصحا إياه بالإقلاع عن شراء السلاح، وظل ينادينى من وقتها بالمصرى المجنون!

(الخلاصة)
من السهل أن تخرج الحمار من الأسطبل، لكن من الصعب أن تخرج الإسطبل من عقل الحمار..! (مثل أمريكى)

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة