محمد البهنساوي
محمد البهنساوي


حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب.. ياسر رزق و التركيبة الفريدة !!

محمد البهنساوي

الإثنين، 31 يناير 2022 - 08:25 م

 


 

 

ما اقساها من لحظات , وما اصعبها من كلمات تتحسسها لترثي أخا وأستاذا وإنسانا بكل ما تحمله تلك الكلمات من معان , إنه ياسر رزق , صاحب المواقف والبصمات التي لا تنسي بكل من حوله , ياسر الذي تحتار في تركيبته الشخصية , تفكر فيها لتجدها فريدة وتشتد حيرتك في وصفها أو توصيفها , وعندما تبحث عن معنى كلمة " كاريزما " تجد أحد تفسيراتها يقول " شخص شديد الجاذبيّة والحضور الطاغي والقدرة على التواصل مع الآخرين والتأثير عليهم بالفعل والقول والعاطفة " , هكذا كان ياسر وهذا يفسر كم الحزن الحقيقي على رحيله من الجميع حتى من اختلفوا معه , لم أستغرب رحيله رغم قسوة الخبر علينا جميعا , فياسر كان المتعجل دائما , ليست العجلة التي يصاحبها أو تعقبها الندامة , إنما عجلة من يريد العلامة الكاملة في كل مهامه المهنية والانسانية ، من يسابق الزمن للوصول إلى القمة وتحقيق احلامه وكأنه يدرك أن وجوده في دنيانا قصير لن يهبه الهوينا في تحقيق كل ذلك ، مشيته بعجلة ابطأها المرض اللعين , تكليفاته لزملائه ومرؤوسيه مقرونة باستعجال في التنفيذ والمتابعة , متدفقا في إقباله على الناس ومشاعره تجاههم , ثم كان متعجلا ايضا في مغادرته الدنيا , لكن في عجلته تلك المرة لم يراعي احبابه ليتسبب علي غير عادته في إيلامهم 

مثل كثيرين شرفت بالتعرف عليه منذ أن وطأت قدماي بلاط صاحبة الجلالة من بابها الأوسع بدارنا أخبار اليوم , نرقب شغفه ومهنيته , وكنت أكثر حظا بالعمل بجانبه منذ سنواتي الأولى ، فكان الاخ والمعلم والملهم في كل شئ , فقد رشحني لأستاذنا الراحل العظيم فاروق الشاذلي للالتحاق بالقسم العسكري بالأخبار , واقتربت منه مهنيا أكثر ونحن نجري تحقيقات وتقارير وحوارات عن قواتنا المسلحة الباسلة ومع كبار قادتها لأرقب عن كثب هذا العبقري ونتعلم كيف يكون الصحفي متميزا بثقافته الواسعة بمجال تخصصه ضمن ثقافته الأوسع بكل المجالات , وتستمتع بتواصله مع الاخرين وكيفية إدارة عمله الصحفي  , وتتعجب كيف ومتي أهّل نفسه بكل تلك المؤهلات وهو امامنا طوال اليوم بصالة تحرير الأخبار يتابع بنهم طبعاتها , لا يفارقها إلا مع صدور الطبعة الأخيرة قبيل الفجر , إنها العجلة والتركيبة الفريدة !!

ومن بين مشاعر كثيرة وكلمات لازالت أتحسسها منذ وفاته وأجد صعوبة في الوصول إليها , أتوقف عند شقين أساسيين فيه , الإنسان والمهني ، وكيف انصهرا سويا في بوتقة التميز سامحا أن يطغى كل منهما على الآخر ضمن تركيبته العجيبة , فتلك مهنيته شديدة الاحترافية التي تطالب مرؤوسيه بافضل اداء صحفي وتسمح بنقد حتى اصدقاءه و آرائه وتوجهاته الفكرية في الصحيفة التي يترأسها ، وهذه انسانيته التي تمنعه أن ينزل العقاب المستحق علي المقصرين مكتفيا ب " شخط ونطر ونرفزة " موهما نفسه انه انزل أقصي عقاب ليتفادى عقاب آخر مستحق يؤذي المخطئ ماديا ووظيفيا ، وتتعالى انسانيته لتشكل حائط صد ذاتي يحمي حتي من يخطئ في حقه , فما أن يقابله تعلو وجهه ابتسامة بلا أي غضب ، مزيج لا تدري من مزاياه ام عيوبه ، لكنه ياسر رزق تركيبته الفريدة !!

وهنا اختلف مع من اتهموا البعض بالنفاق في رثاء ياسر , إنهم لا يعرفون جاذبيته الشديدة حتى مع المختلفين الذين لا يملكون إلا حبا وتقديرا له رغم الخلاف , وقد آلامهم بالطبع رحيله , مثلما الام زملائه ومتابعيه وقرائه , باستثناء بعض مرضى النفوس الذين يملأ الحقد والغل والسواد قلوبهم خاصة كلاب النار وجماعات الضلال الذين حاولوا نهش ياسر بعد وفاته , وجاءهم الرد الفوري من اناس ربما لا يعرفون ياسر شخصيا لكنهم تابعوا مسيرته المهنية والوطنية

وكما امتزجت مهنيته بإنسانيته , كان امتزاجها الأشد بوطنيته التي يعلمها القاصي والداني ,وجاءت مكافأته بهذا التقدير الذي ناله حيا وجاء اكثر روعة بعد رحيله سواء من بلده التي تفاني في حبها أو من وطننا العربي الذي طالما دافع عن قضاياه ولنتابع الحضور الرفيع بجنازته وعزائه والجميع يكسوه الحزن على فقده

ياسر أيها العزيز الغالي أرقد في سلام , وسامحنا على اي تقصير منا تجاهك , آن الأوان يا أخي أن تستريح وتهنأ , فمن أحبه الله ألقى حبه في قلوب عباده

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة